حملة جديدة بعد عطلة الإبادة
من حيث لا ندري، عدنا إلى المشهد الذي كان سائدًا قبل أن يخطف الحدث الفلسطيني الاهتمام. بات تسلسل الأحداث معروفًا، إلى درجة الضجر. مقطع ساخر يتمّ تسريبه على مواقع التواصل الاجتماعي، استنكار مفتعل حيال الإساءة للدين، تظاهرات ليلية تعبّر عن استياء الجموع، صعود دار الفتوى إلى الواجهة، إخبار للنيابة العامة، وانطلاق حملة جديدة من الترهيب والكراهية. الهدف اليوم هو الكوميدية شادن فقيه، قبلها كان الكوميدي نور حجار ضمن موجة من الكراهية طالت مجتمع الميم-عين وأي اختلاف ظاهر عن المعتاد. لا داعي لتفكيك الموجة الجديدة. فطابعها المفتعل واضح، وكذلك رغبة اختلاق «فضيحة» جديدة يمكن إعادة بناء تحالف أخلاقوي جديد من حولها. انتهت مهلة الإبادة لنعود إلى ما كنّا عليه في 6 أكتوبر.
عودة دار الفتوى
كالعادة، تتصدّر دار الفتوى المشهد، بشخص المفتش العام المساعد في الدار الشيخ حسن مرعب وإمام جامع الإمام علي بن أبي طالب في الطريق الجديدة. نكش مرعب تُهمة «التجديف» واتّهم شادن فقيه بإثارة «الفتن والخضّات» وتصدّر حملة التحريض الجديدة.
لمن لا يتذكر، كان مرعب قد تبرّع للدفاع عن رئيس الحكومة المستقيلة حينها حسّان دياب، المدّعى عليه في ملف المرفأ، ورسم خطوطاً حمراء مذهبية للتحقيق معه: من الآخر يلي بدو يحقق مع رئيس الحكومة بدو يحقق بالأول مع رئيس الجمهورية وثانياً مع رئيس مجلس النواب. كما كان مرعب أحد أبطال أزمة «التوقيت الصيفي خلال شهر رمضان». فدعا آنذاك إلى مقاطعة قناتَي أم. تي. في. وأل. بي. سي. المدافعتَين عن تغيير التوقيت. لا تتوقّف سيرة حسن مرعب عند هذا الحدّ، إذ أنّ للرجل تجربةً أخرى بالفتن، تتمثّل في تشريعه عمل عصابة «جنود الربّ» للاعتداء على المثليين. فتسيّد الهوموفوبيين في آب 2023، ووجّه تحيّة من القلب لشباب جنود الرب وشباب الأشرفية، على منع حفلة الشذوذ. وفي سيرته أيضاً التبرّؤ من الكوميدي نور حجّار، في 2023 أيضاً، بسبب دعابة وعرض كوميدي، كما أنه في موضوع الحريّات والمعتقدات، أدار حملة «تفه عليكم» بوجه النواب الداعمين للزواج المدني.
البحث عن خصوم داخليّين
في لحظة باتت الكراهية ضدّ السوريّين مضبوطة من الوعود المالية للاتحاد الأوروبي، ومع فضيحة التيك التوك في الخلفية، يبدو أن الوقت قد حان لإعادة ابتكار خطر داهم على الدين والعائلة والأخلاق. فهيّأت فضيحة اغتصاب القصّر الأجواء للدفع نحو فكرة أنّ المجتمع مخروق من «شذوذ»، على السلطات اقتلاعهم. وجاء الإعلام الفضائحي لكي يعمّم حالة الخوف هذه، متخطيًا كل الضوابط المهنية من أجل ركوب موجة الهلع الحالية. في هذا الوضع، ارتأت دار الفتوى اختراع قضية جديدة، لكي تعود إلى ملعبها المفضّل: الهلع، الترهيب، التهديد، القمع… فلا مكان سياسيًا لهذه المؤسسة، إلّا في هذه المعارك الوهمية، وبطولات مفتّشها العام المساعد في الدفاع عن العائلات والأخلاق والقيَم.
قلق المجتمع
لا تنّم سهولة إطلاق هذه الحملات عن براعة المخطّطين لها، بل عن قابلية المجتمع اللبناني لتلقي هذه الفضائح. فيدرك مرعب وشركاؤه أنّ أي حملة تطال «المقدّسات»، أكانت دينية أو عائلية أو جنسية، ستلاقي صدًى عند فئات واسعة من المجتمع، رغم الاختلافات السياسية الظاهرية. وموجات الاعتراض المتتالية في لبنان بقيَت على السطح السياسي، وابتعدت عن هذا المستوى «الثقافي» بغية عدم خدش حياء جماعاتها. وسيبقى النظام يجد في خزان القضايا الأخلاقية سبيلًا لعودته، طالما أنّ لا أحد يريد خوض هذه المعركة.