تعليق انتخابات 2022
مهدي كريّم

المُجرَّب لا يُجرَّب

13 أيار 2022

ليس من السهل أن تُقنع مواطناً لبنانياً، يُعاني ما يُعانيه من إذلال يومي، بأن يستيقظ صباح يوم الأحد ليتوجه إلى صندوق الاقتراع لمحاسبة من أوصله إلى هذا الوضع. فالاحساس بانعدام القدرة على التغيير يفوق كل أمل يمكن التعويل عليه. 

فيصبح السؤال: هل ننتخب؟

في تفكيك هذا السؤال، يجب أن ننطلق من عدم شيطنة فكرة المُقاطعة. 

جميع المؤشرات تدفعنا إلى تبنيّها، من الرشى الانتخابية وشراء الأصوات والتوظيف في القطاع العام واستغلال مقدرات الدولة، من رؤساء أقلام الاقتراع والقوى الأمنية المولجة بحماية العملية الانتخابية، من القضاة المُشرفين على فرز النتائج الانتخابات والسيطرة على مفاصل العملية الانتخابية. 

كل ذلك يجعل من العملية الانتخابية مُجرّد عرض مسرحي هزيل يهدف لتجديد شرعية السلطة.

لذا، يبدو تبني فكرة المقاطعة الشاملة كأداة ديمقراطية تهدف لنزع الشرعية عن العملية الانتخابية ونتائجها أمراً مطلوباً. لكنّ العديد من العوامل المعطوفة على تجربة المقاطعة المسيحية في العام 1992 أدّت إلى خفوت هذه الفكرة على حساب مواجهة السلطة في ملعبها وحسب قواعدها. فالانتخابات هي كل ما لدينا اليوم لتغيير بعض من السلطة، رغم كل ما تحمله من عدم مساواة في الفرص. فضلاً عن ذلك، فإن الظروف الداخلية المأزومة تتيح هامشًا أوسع للصوت العقابي الذي يمكن التعويل عليه أو على الأقل تحييده عن التصويت لقوى السلطة.

مع سقوط فكرة المقاطعة الشاملة، تحوّل السؤال إذن إلى: من ننتخب؟


في العام 2014، وقبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية العراقية، أطلّ أحد أبرز عُلماء الدين في العراق، في تصريح نادر، ليُطلق عبارة ما زالت تأخذ حيّزاً هامّاً في بلاد الرافدين. يومذاك، قال بكل وضوح: المُجرّب لا يُجرّب. 

ففي لبنان كذلك، لا يُمكن إعادة تجريب من استلم السلطة على مدى 30 عاماً دون أن يُعبّد طريقاً واحدة بالمواصفات المطلوبة.

لا يمكن أن يُجرّب من أغرق البلاد والعباد بالديون التي لن نحيا سنين كافية لسدادها.

لا يمكن أن نجرّب من أذل اللبنانيين أمام الأفران ومحطات الوقود والصيدليات والمصارف.

لا يمكن أن نُجرّب من جُرِّب. لا يمكن القيام بخطوة بهذا القدر من الغباء.


يوم الأحد القادم، نحن غير مدعوّين لأن نصنع مستقبلنا بيدنا، بل أن نقترع لحاضرنا. 

فمن منّا يقوى بعد اليوم على مشاهدة ايلي الفرزلي جالساً إلى جانب نبيه بري على منصّة المجلس، ومن منّا يقوى على سماع ابراهيم كنعان يُحدثنا عن إنجازاته كرئيس للجنة المال والموازنة، ومن منا سيسمح بأن يُطالعه جورج عدوان بمقاربة قانونية وهو القابض على مشروع استقلالية القضاء في جوارير المجلس منذ سنوات، ومن منا يمكنه تحّمل وجه محمد رعد العابس، ومن منا يمكنه سماع بطولات تيمور جنبلاط على لسان وائل أبو فاعور.

فلننتخب ضد حزب المصرف المُنتشر في جميع الكتل النيابية، الحزب الذي قرّر تبديد أموال المودعين وسرقة مدخراتهم، وينتظر نتائج الانتخابات ليستكمل جريمته عبر اقرار القوانين التي تُعفيه من أي مُساءلة أو محاسبة لاحقة.

وننتخب ضد نواب النيترات، ضد من فجّر مرفأ بيروت ودمّر أحياء العاصمة، ضد قاتل الطفلة ألكسندرا نجار وسحر فارس ورالف ملاحي وجو بوصعب وشربل حتي… 

وننتخب ضد من قتل العامل علي مشيك الذي عاد الى المرفأ بعد انتهاء دوامه لإفراغ حمولة قمح مقابل خمسة آلاف ليرة.

وننتخب ضد من أهدر أكثر من 35 مليار دولار على قطاع الكهرباء لنحصد ساعتين من التغذية.

وننتخب ضد من وزّع الأملاك العامة البحرية والمشاعات العامة على صبيانه وحاشيته.

وننتخب ضد من دمرّ قطاعه الصحي وجعل اللبنانيين مشاريع مرضى السرطان.


الأحد المقبل، الحسابات لن تكون مرتبطة بالربح والخسارة أو بمقعد إضافي للمعارضة. الأحد المقبل، القرار ينطلق من معايير أخلاقية بالدرجة الأولى. 

معايير تُجبرنا على الانتخاب ضد هؤلاء، كل هؤلاء.

آخر الأخبار

غوغل لموظّفيها
الشرطة الإسرائيلية تعتقل الأكاديميّة نادرة شلهوب-كيفوركيان
الكونغرس يحاصر جامعة كولومبيا بتهمة التساهل مع معاداة السامية
السؤال الأبسط للخارجية الأميركية
ما فوق الإبادة
إعدام المخرّبين هو الحلّ لمعالجة مشكلة اكتظاظ السجون.