تحليل ثورة تشرين
ديمة كريّم

الورقة التي لم ينتظرها أحد

21 تشرين الأول 2019

تفاجئنا ثورة الشارع كلّ يوم بإبداعاتها وخطابها الحاسم في مواجهة السلطة. لكن من حسنات هذه الثورة أيضاً، أنّها همّشت بسرعة فائقة صنفاً من الخطاب المعارض الذي راج في السنوات الأخيرة، والذي تبنّاه كثيرون منّا ممّن ظنّوا أنّهم يستطيعون محاربة هذا النظام من داخله.

فقد أخطأنا على مدار السنوات في محاولاتنا لتحسين هذا النظام. انخرطنا في النقاشات السياسية والإجتماعية كأفراد جيل ما بعد الحرب، الجيل الذي تحدّدت نظرته الاقتصادية وفقاً لمعايير اقتصاد الإعمار، ونظرته السياسية وفقاً لمعايير السلم الأهلي المحروس من زعماء الطوائف.


كثيرة كانت الاقتراحات والمناقشات على حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة. أخذناها على محمل الجدّ وتناقشنا معها. تصارعنا على الضرائب والتقشف وأزمة الكهرباء ودور المصارف في بلورة الأزمة الراهنة، ومن يدفع ثمن الخروج من الأزمة. اقتنعنا وتأقلمنا مع فكرة شح الدولار والسياسات النقدية المتشددة كأدوات تجنّبنا انهياراً لا حياة لنا من بعده.

أخطأنا عندما اعتقدنا أنّ تحسين النظام يحتاج لنفس طويل وتقديم اقتراحات افضل من اقتراحاتهم. هذا كان خطابنا المضاد، خطاب قام على استسلامنا للخوف الذي عشناه لعشرات السنين من إمكانية انهيار الاقتصاد على رؤوسنا. كان هذا الخوف دافعنا للحوار مع أطروحاتهم. لقد تربينا على عبارة ان «النظام أقوى منكم ومن كل شيء». أخطأنا عندما وقعنا بفخ النظام وخطابه المبني على أن أحلام إسقاط النظام شعبوية مطلقة وأنّ محاربة النظام تحتاج إلى ذكاء أفلاطون.


الآن نعرف كم أخطأنا، نحن تلك الفئة التي لم تتعرّض لأبشع أنواع عنف هذا النظام. لم نتعرف على معنى ألا تتوفر لنا الطبابة والتعليم والخدمات الأساسية مثل غيرنا. لم يطَلنا العنف الاقتصادي والاجتماعي والطائفي مثل غيرنا. وفي بعض الأحيان، استفاد بعضنا من هذا النظام. وفي أحيان أخرى، أمّنّا احتياجاتنا من خارجه، بعضنا هاجر لأنه يستطيع، وبعضنا اتّكل على أحوال أهله الميسورة.

أخطأنا لأنّنا كنّا من دون أن نقصد إحدى أدوات النظام. لم نكن خارجه. وكان الشارع أجرأ منّا بكثير. فقد علّمت الساحات الجميع أن يحلموا خارج ربوع هذا النظام. ومن هذه الساحات، نعتذر على سنوات من النقاش مع هذا النظام. فإمكانية تحسينه وإصلاحه هي الشعبويّة المطلقة، والشارع هو الوضوح.


قد ينهار النظام وقد لا ينهار، ولكنّ الناس قضت على فكرة إصلاحه وفكّكت جميع قواعده، من لبنان الطائفي إلى لبنان الإستثناء. الناس قضت على المساعي الشعبوية لتحسينه من داخله. لن نناقشكم بمساهمة المصارف بأزمة الدين، ولا بهيئاتكم الناظمة وخصخصة الكهرباء، ولا بالضرائب كيفما تريدون رفعها أو خفضها. فالناس علّمتنا أنكم تستمدّون قوّتكم من نقاشات كهذه، وتجعلوننا نحن، في أحضان خطابكم.

لذا، فإنّ الجواب على الورقة والإصلاحات هو: لا إصلاح ينقذكم بعد الآن. فلّوا.

آخر الأخبار

إسرائيل تقصف حلب وتقتل 38 شخصاً، بينهم 5 عناصر من حزب الله
تحرّكات «بالستاين أكشن» تنجح
تراجُع أميركيّ يفتح الباب لاجتياح رفح 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/3/2024 
الخارجية الأميركية عن تقرير ألبانيزي: مُقرّرة معادية للسامية
حدث اليوم - فلسطين الخميس 28 آذار 2024