نظرة ثورة تشرين
مازن السيّد

جيمس بوند الثورة

31 كانون الثاني 2020

في مسألة ربيع الزين امتحان حقيقي للثورة. على الرغم من كل ما قيل في اتهامه والدفاع عنه، لا يبدو أننا نمتلك حتى الآن حقيقة علمية قاطعة تمكّننا من تخوينه أو تبرئته فعلياً في الميزان الثوري. وفي غياب اليقين، تكمن المسألة السياسية في إنتاج الموقف منه ومن التعرُّض له وما قيل عن ضربه في السجن، لا في الحكم الأخلاقي الافتراضي على شخصه.

أرى أنّ علينا اتخاذ موقف إيجابي من الزين في مسألة اعتقاله وتبعاتها على أساس قانوني أوّلاً وثوريّ في ما يتعلق بمحاسبته على أعمال نعتبرها داخل سياقنا الثوري. لماذا؟

إذا تجنّبنا منطق التخوين الذي كان لعقود عصب الخطاب السياسي اللبناني، سننتقل إلى تحليل هذه الظاهرة ونقد دورها. وسنجد أنّ في بنيتها الولائية امتداداً لمنطق الزعامة اللبنانية المتمحورة حول شخص واحد يجسّد البطل الذكر، في غياب أي مشروع فكري سياسي او حتى ميداني.

لم يغب اسم الزين عن أسماعي في الميدان بين طرابلس وبيروت منذ انطلاقة الثورة. تتبّعتُ عن كَثَب أخباره وتوجّهات أنصاره الأيديولوجية العامة. لا يشكّل المال عنصرًا أساسيًا لدى الزين في استقطاب جمهورٍ هو في غالبيّته من يافعي «الحاضنة» السنّية وشبابها. هؤلاء الذين تيتّموا رمزيًا بعد انهيار الحريرية والإسلام السياسي وقبلهما القومية العربية.

يجيد الزين ملء هذا الفراغ، فهو لا يحاكي الغضب الكامن لدى هؤلاء الشبّان فحسب، بل يحاكي أيضًا رغبتهم المقموعة اقتصادياً في مشابهته وهو «الجغل» المُرفّه «الفيزكجي» و«الواصل»، أي في مطابقة صورة رجل العصر السائدة داخل مجتمعاتنا الاستهلاكية المستعمرة.

في المقابل، تعكس معطيات كثيرة حول شخصه العديد من الامتيازات التي تثير الشبهات حول علاقته بالطبقة المستبدّة: رخصة السلاح، هادي حبيش، شركاته… فيما أثارت تحرّكاته وبعض الشائعات من حوله شبهات علاقته بتلاعب أمني- سياسي ما، وبالأخصّ نتيجة لربطه شخصَه برفع مستمرّ لسقف الوجهة الميدانية للثورة: قطع الطرقات، استهداف مراكز التيار العوني بأشكال مباشرة أو غير مباشرة، إقفال إدارات رسمية، إلخ…

فلنجارِ إذاً النزعة الاتهامية ونسأل: إذا صحّ تسييره أو استغلاله من قبل أجهزة أمنية وجهات سياسية، فماذا يراد من دورٍ كهذا وشخصية كهذه في المجال العام، وتحديداً في البيئة الديموغرافية التي يحقّق فيها الرواج الأكبر؟

يصعب علينا تخيُّل ربيع الزين كمشروع زعيم سياسي بالمعنى الشامل للكلمة، في ظلّ الثقافة السياسية الحاكمة في لبنان. فهو لا يطابق المواصفات الكافية لاستقطاب أكثر من فئة ديموغرافية محدودة داخل ديناميكية طائفية واحدة تقريباً. بل يشبه أكثر الشخصيات المُعَدّة للحرق، والتي يُرجى من حرقها أن يخدم مصالح سياسية وأمنية معينة. هكذا تفكّر إدارة البلاد منذ زمن بعيد، فكيف لنا أن نتصوّر هذه العملية استباقاً لحماية الثورة من تداعياتها؟

تكون عملية الحرق هذه بأحد سيناريوهَيْن: إمّا لاستفزاز ردود فعل يتمّ استثمارها لضرب الثورة من الخاصرة الطائفية، أو لشلّ شريحة من الشارع الثوريّ بعد تضخيمها بشكل مضبوط أمنياً. وفي الحالتين، فإنّ التصوّر هذا يفرض علينا تهيئة استراتيجية مضادّة لا يمكن أن تكون بالنأي بالنفس عن الزين وجمهوره، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار ما تشكّله طرابلس والشمال من مداخل مرجّحة لأي حرتقات أمنية تسعى السلطة لتوظيفها في كسر ظهر الثورة.


في المساحة الرمادية الأكثر واقعية بين التخوين والتبرئة، لا يسعني إلا أن أتذكّر نموذج أحمد الأسير الذي يشابه في نسبه الحسينيّ المزعوم، هويّة الزين الطائفية الظاهرة بين أبيه الجنوبي وأمّه الشمالية. قد تكون الفوارق بين الاثنين مقتصرةً على تبدُّل في شكل النموذج القادر على استقطاب الفئة الديموغرافية المستهدفة، من الإسلامي الجهادي الذي يبني خطابه على معاداة حزب الله، إلى العصريّ المشاغب الذي يبني خطابه داخل الهوامش الطائفية للثورة.

قد يكون الاثنان في الحقيقة، إفرازاتٍ طبيعية للفراغ السياسي والتمثيلي داخل ما يشار إليه بالبيئة السنيّة الشبابية تحديداً، وقد يكونان إنتاجات أمنية- إعلامية بامتياز. لكنّنا الآن في ثورة، ولم يتخطَّ الزين في ممارساته وخطابه الخطوط الحمراء المتّفق عليها عامةً كما كانت تفعل السلفية التكفيرية عند الأسير ومحيطه. ما يعني أنّ علينا التعاطي مع هذه المسألة بعيداً من قطبَي التخوين والتبنّي، وتهيئة الشارع الثوري لامتصاص أي صدمة أمنية ستريد السلطة أن تُحدثها.

آخر الأخبار

أهالي الأسرى يحاصرون بن غفير
خطف, ابتزاز , تعذيب 
25-04-2024
تقرير
خطف, ابتزاز , تعذيب 
شاب سوري يروي تفاصيل جريمةٌ منظّمة
نتنياهو: الجامعات الأميركية تذكّرنا بجامعات ألمانيا النازيّة
حدث اليوم - فلسطين الاربعاء 24 نيسان 2024 
صور جديدة تكشف «ضربة أصفهان»
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 24/4/2024