تحليل ثورة تشرين
دينا الخواجة

خطورة التعميم في تحليل الثورة

23 تشرين الثاني 2019

سارع باحثو العلوم السياسية- كعادتهم- إلى تصنيف الحراك الثوري اللبناني ضمن الفئات المعدّة سلفاً لرصد الانتفاضات المطلبية. فحتى قبل أن يكمل الحراك شهره الأول، انتشرت التحليلات واضعةً لبنان مع السودان، ومن قبله الجزائر، في خانة الموجة الثانية لثورات الربيع العربي. كما بادر العديدون بالتنبّؤ بفشل الحراك اللبناني- لكونه مثل العراقي- يدخل في إطار هيمنة طهران الإقليمية واستحالة تنازلها عن نفوذها في هذين البلدين، بل وذهب العديد من الكتاب الى استشراف دور روسي محتمل لتقويض الحراك الشعبي المناهض للطائفية في كلا المجتمعين، دعمًا للنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. ليس الهدف هنا التشديد على تفرُّد الحراك اللبناني بقدر الدعوة للتريُّث في فهم سمات هذه الثورة المطلبية بعيداً من التعميمات السريعة أو الأحكام العامة. وكمحاولةٍ لبدء نقاش جدّي عن مسار الحراك الثوري اللبناني، دعنا نراجع الاختلافات وليس التشابه في ما بينها وبين ما سبقها من انتفاضات شعبية في 2011. وهذا لا ينفي بالطبع تأثُّر معظم المواطنين العرب بهذا الزلزال سلباً وإيجاباً منذ ذلك الحين، وتنقُّل أشكالٍ وأدواتٍ تعبويّة من مجتمع عربي لآخر للتعبير عن الغضب للاحتشاد.

الاختلاف الاول: شبّ الحراك الثوري اللبناني على خلفية انهيار الخدمات العامة والتلاعب الطائفي والفساد المالي، وذلك على عكس ما حدث في 2011 من مركزية قوية لمرجعية حقوق الإنسان كأداة رئيسية لكسر النُّظُم السلطوية القمعية والأمنية ضد عموم المواطنين.

الاختلاف الثاني: لم يتمّ اللجوء في مطالب الثوار إلى خبرة أوروبا الوسطى كمرجعية مباشرة أو غير مباشرة لعملية التحوّل الديموقراطي. كما لم يتمّ طرح «الترانزيتولوجي» كإطار مؤسِّس للمرحلة الانتقالية. على العكس، طالب الحراك منذ اللحظة الأولى بالاحتكام للدستور اللبناني سواء لإسقاط الحكومة أو لتغيير قانون الانتخابات البرلمانية أو لإنشاء محكمة مختصّة بالفساد المالي.

الاختلاف الثالث: يرتبط بطبيعة بنية السلطة المُراد إسقاطها، والتي تختلف جذرياً عن النظم القمعية المفتقرة للتعددية مثل حالات مصر وسوريا وتونس وليبيا قبل 2011، وذلك في مقابل اتّسام الحالة اللبنانية بتعدّد أقطابها ومطالبة الثورة بإسقاط كل الزعامات الطائفية التي تم انتاجها منذ اتفاق الطائف ككتلة استغلالية فاسدة مالياً وسياسياً.

الاختلاف الرابع: يرتبط باستمرار غلبة البُعد الاجتماعي على البُعد السياسي، والتركيز على قضايا المال والفساد والطائفية والتواطؤ وغلاء المعيشة وعدم عدالة النظام الضريبي وقلّة فرص التوظيف، وذلك على حساب الإسهاب في رسم خطّة طريق للانتقال الدستوري كما حدث في الحالتين التونسية والمصرية، ممّا أضاع الزخم الثوري في جدل قانوني نخبوي وتقني معقّد.

الاختلاف الخامس: هو تجاوز الانتماءات الطائفية والجهوية بين مختلف الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية، بدلاً من الانزلاق في ثورات صغرى تتسارع على الأولوية والأحقية. وكذلك انتشار الوعي بخطورة إعلاء أيّ نعرةٍ تقسيمية بين الجمهور المشارك في الحراك حرصاً على استمراره في محاربة الطبقة الحاكمة ككلّ دون استثناءات.

الاختلاف السادس: مرتبطٌ بالتشديد على عفوية الحراك الثوري وروحه المتمرّدة، وهي سماتٌ لطالما نفتها الثورات الاولى في مصر وتونس باعتبارها «كليشيهات» منتَجة في الغرب لتفسير هبّات الربيع العربي في ضوء هيمنة سردية خصوصية المنطقة الهوياتية.

الاختلاف السابع: هو إحجام الفاعلين عن تبوُّؤ أيّ دور قياديّ سواء عبر تنسيقيات أو مجالس ثورية، ووعيهم لإمكانية احتواء السلطة لأيّ ممثلين للحراك، مستفيدين في ذلك من خبرات سلبية سابقة في مصر وسوريا واليمن. بدلاً من ذلك، ركّز المحتجّون على بناء تحالفاتٍ مهنية أو قطاعية دون قيادة لتحلّ محلّ الهياكل النقابية المتكلّسة والمتواطئة مع الطبقة السياسية الحاكمة.


هذه النقاط السبع ليست مكمن قوّة الحراك الثوري اللبناني ولا هي سرّ هشاشته. إنّها فقط ملامح تستحق عن جدارة أن نرصدها بعيداً من سرديات كبرى تجزم بأنّ نُظمنا السياسية ستتحلّل من تلقاء نفسها بمجرّد نشوب أيّ هبّة شعبية تعصف بها. أو أنّها، على العكس، تجزم بأنّ أي انتفاضة في المنطقة مصيرها الفشل لا محالة لأنّها ثورات بلا ثوّار، أو لأنها تعيش في فلك استقطاب إقليمي خليجي/ إيراني يشلّ أيّ فرصة للتغيير.

ما زال الطريق طويلاً، والوضع يحتاج إلى التركيز على الساحات التي ما زالت تكتشف- عبر التجربة- كيف يمكن لها أن تحمي استمرارها وتبلور مطالبها وتبني منابر للتعبير عمّا تريده من نظام سياسي بديل.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية