تحليل العابرون والعابرات جندريًا
صهيب أيّوب

ديناميكيّة الهويّة وديسفوريا العابرين والعابرات جندريًّا

19 تشرين الثاني 2020

صدرت دراسة منذ يومين، أعدتها شبكة M.COALITION والبرنامج الصحي في المؤسّسة العربية للحريات والمساواة (AFE)، تسلّط الضوء على العابرين والعابرات جندريًا في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يلاحظ المطّلع على الدراسة الأوضاع الخطيرة التي تعاني منها هذه الفئة المهمّشة من المجتمع عمومًا، والمجتمع الكويري خصوصًا. لكن الدراسة هذه لا تتعمق بالشهادات التي نعرف بعضها لأفراد هذا المجتمع، كونها لا تتعدى قراءتها الأرقام، وهي أشبه بدراسات العلوم الإنسانية، توضح أكثر مما تفسر.

فالشهادات التي أعرفها من أصدقاء وصديقات، وقبلها في علاقتي مع عابر جندري، لمدة 7 أشهر، علمتني الكثير عن المشاعر الديناميكية والمتغيرة التي يحسها وتحسها كل عابر وعابرة جندريًا، في رحلاتهم الشاقة للتواصل والاحتكاك مع أجسادهم وأجسادهن، ومع المحيط الإجتماعي. هذا بالإضافة عن التجارب الكارثية في محاولاتهم التصدّي للعنف البصري واللفظي والجسدي، في أماكن العمل (إذا أتيح)، ومن ثم في غرفهن المغلقة التي يجدون أنفسهم وأنفسهن فيها أمام اشتباك لا ينتهي مع الذات والآخر، وتضخّم مشاعر الديسفوريا أو «الانزعاج الجندري».

منذ بداية وعيي لمثليتي، وهناك ملابسات عانيت في تكوينها عن مجتمع العابرات والعابرين جندريًا، الذين واللواتي يحيطونني. تعلمت مع الوقت والمعاينة والاندماج ومحاولة التفسير، أن أفهم بشكل أوسع ديناميكية هويات هذه الفئة التي تعاني بشكل مضاعف في المجتمع الكويري من أحكام مسبقة ومفاهيم مغلوطة، وقبل كل ذلك من إقصاء وعنف يجعلهم أكثر عزلة وتعرّضًا لمخاطر نفسية وجسمانية لا توصف. أتذكّر ماغي، الطرابلسية، التي عانت من شتى انواع الاضطهاد في المجتمع الطرابلسي. وهو مجتمع مصغّر عن مجتمعات عربية إسلامية ومحافظة ينظر الى النساء والمثليّين نظرةً دونية ويضطهد هوياتهم. فكيف الحال بالعابرين والعابرات جندريًا؟

توطّدت علاقتي بالعابرات في مجتمع ساحة التل. وكانت العابرات في طرابلس في ذاك الوقت، يعملن في مهنة البغاء قرب ساعة التل التاريخية، إذ لم يسمح المجتمع لهن بالتعامل مع هوياتهن المتغيرة ومشاعرهن بالانفصال عن أجسادهن، إلّا من خلال العمل بمهنة قاسية. يقدّمن خدماتهن في موتيلات المدينة الوسخة أو في أزقتها ويتعرضن لشتى أنواع التهديد والعنف، وصولاً الى القتل.

ثم تعرفت لاحقًا على ليا، الطرابلسية التي أخفت حياتها في خزانة غرفتها، ثم خرجت إلى العلن بشجاعة، وفرضت نفسها في مجتمع يمعس الهويات المتغيرة، ويقدس الهويات المعلبة.

تأتي هذه الدراسة في وقت يحتفل موقع «ترانسات» المتخصص بشؤون العابرات والعابرين جندريًا، وتشرف على تحريره الزميلة المصرية مهى محمد، بمرور ثلاث سنوات على إطلاقه. وهي منصة ثورية ترفض ما تراه من تقزيم لهويات العابرين والعابرات جندريًا ووضعها في قوالب من قبل الحراك الكويري والحراك النسوي. كما تأتي هذه الدراسة في وقت يرفض فيه وزير الخارجية اللبنانية شربل وهبة التوقيع على بيان مؤتمر حرية الإعلام العالمي، لرفضه (أي الوزير) الموافقة على تمثيل الفئات المهمشة من المجتمع الكويري والعابرات والعابرين جندريًا في الإعلام. وهو ما يمثل الموقف السياسي (بغالبيته) في عالمنا العربي، الذي ينظر الى هؤلاء كأعداء له ويشكلون (هم وهن) أبرز ضحايا أدواته السلطوية والذكورية.

السلطة لا تحب الهويات الديناميكية ولا تعترف بها. ومن هنا أهمية التذكير كل يوم بهذه الفئة ومعاناة أفرادها.

رحلتنا اليوم، كمثليين ومجتمع كويري وإعلاميين وأدباء ومثقفين وفاعلين في المجتمع الميديوي، هي بدعم هذه الفئة خارج الشعاراتية: فتح المجال لهم ولهن، للتعبير عن أحوالهم المتغيرة، توسيع مساحات آمنة لهم ولهن.

نحن بحاجة الى صياغة عقد اجتماعي جديد للتواصل مع هذه الفئة التي تحارب على جبهات عدة، ولنساعدهم أيضًا على إفهامنا من مداركهم هم وهن، ما يمرّون به، وليس من خلال مفاهيمنا نحن.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية