تعليق
سلسلة
أنقذوا حيّ الشيخ جرّاح
باسل ف. صالح

عن تخطّي حدود التضامن

17 أيار 2021

يشهد الشارع اللبناني الانقسام الذي سبق الحرب الأهلية، لناحية الموقف من حركة المقاومة الشعبية الفلسطينية. الخنادق عادت وظهرت، في المجتمع اللبناني عمومًا، وفي مجتمع مجموعات التغيير على وجه الخصوص.

فمن هذه المجموعات من تأخذه الحماسة ليجمد كل شيء آخر، ويعمل على خط الجبهة الفلسطينية حصرًا، بوصف النضال ضد الاحتلال الخارجي أولوية على ما عداه، ولو كان نضاله لا يقدّم ولا يؤخّر في المعادلة. ومنهم من ينظر بعين الريبة، أو بعين غير المعني، على اعتبار أن لا علاقة لنا في لبنان، وكأن الانتفاضة في لبنان والانتفاضة في فلسطين تقفان على الحدود، فلا تتأثران ولا تؤثران ببعضهما بعضاً. ومنهم من يربط بين الانتفاضة داخل لبنان وأي انتفاضة في المحيط العربي، خصوصًا في الشارع الفلسطيني، ويعتبرها مقاومات شعبية تكمّل وتؤثّر في بعضها، منطلقًا من بديهية أن الحركة الشعبية في لبنان هي امتداد للحركة الشعبية في المحيط العربي.

يمتدّ هذا الانقسام ليرافق الموقف من الانتفاضات كافة التي يشهدها الشارع العربي، ويتغذى على وجهة نظر ترى إلى لبنان بوصفه جزيرة منعزلة عن محيطه، وأن إمكانية إتمام انتفاضته، وتغيير النظام فيه، لا علاقة لهما بالوضع العربي، وبالوضع في فلسطين وسوريا على وجه الخصوص.


لا تدرك هذه القراءات موقعها في الصراع، وهي قاصرة عن إدراك اللحظة التاريخية التي نعيشها، والتي تشير إلى مدى ترابط النضال في الشارع العربي من لبنان إلى العراق ومصر والجزائر، واليمن والبحرين، مرورًا حتمًا بسوريا وفلسطين.

فالوضع العربي الشعبي، ما بعد الربيع العربي، لم يعد كما كان قبله. إذ بعد عقد من الزمن، أخذت تتبلور الحاجة الملحّة لتكامل حركات المقاومة الشعبية في هذه البلدان، ولأن تسند بعضها بعضًا في سيرورة مواجهة الأنظمة في الداخل، وهو ما يصبّ، بشكل تلقائي، في مواجهة الاحتلال في الخارج.

لقد تخطت الانتفاضة الفلسطينية اليوم النزوع التقسيمي السلطوي للفصائل الفلسطينية، بحيث تحولت إلى إطار جامع يعنى به الفلسطيني المستقل، كما الحزبي، كما المواطن العادي، بصرف النظر عن كونه داخل الأراضي المحتلة أو في بلدان الشتات. وهذه الروحية لم تقف على تخوم الانسان الفلسطيني حصرًا، بل امتدت لتضرب بإيجابيتها البلدان المحيطة كافة، وهو ما سيكون له انعكاس مباشر في الساحات، وفي حركات الاحتجاج المستقبلية، خصوصًا في ما يتعلق بابتداع أشكال جديدة للمواجهة.


هذا ما يجعلنا نخاف على انتفاضة هذا الشعب، لأنها نموذج لن ينحصر ضمن الأراضي المحتلة، بل سيتعمّم لتطال سهامه المحيط، خصوصًا بلدان الربيع العربي التي تعيش سيرورتها الثورية منذ أواخر العام 2010. فالأنظمة العربية تعلم أن حركة متفلّتة من النزوع السلطوي والخطاب الطائفي، بهذا الشكل، ستضرب عميقًا في داخلها عاجلًا أم آجلًا.

يكمن سرّ هذا النموذج من المقاومة الشعبية بأنّه عابر ومتخطٍّ للحدود، كالفعل المتعدّي، لذلك فهو خطر على الأنظمة المحيطة، وخطر هذه الأنظمة عليه يسبق خطر العدو. لهذا السبب، تتقاطع الانظمة العربية بأكملها لتقضي على مثل هذا النوع من المقاومات الشعبية (جمّول على سبيل المثال لا الحصر)، مستبدلة إياها بنماذج مقاومات طائفية لا تشكل أي خطر، لأنه يمكن لجمها ومحاصرتها لعدم إمكانية تعميم تجربتها وتوسيعها على المحيط الرجعي الذي يحاصرها.

على المنوال نفسه، حشرت الانتفاضة الفلسطينية، وفي أيام قليلة، هذه الأنظمة في الزاوية، جرّدتها من كل خطابها «الممانع» و«المعتدل» على حدٍ سواء، جرّدتها من كل حصرية التصرف في مصير البلاد كما من حصرية فعل المواجهة لاستعادتها، ما يستدعي عدم الاكتفاء بالتضامن معها، لكثير من الأسباب، أهمها:

أوّلاً: نحن والشعبان الفلسطيني والسوري نتحمل إرهاب النظام وأحزاب السلطة في لبنان، وحربها الاجتماعية على الفئات الشعبية الفقيرة، ولا سيما اللاجئين. لذلك، فقد اخطأت الانتفاضة في لبنان عندما لبست الطابع «اللبنانوي» دون أن تتخطى ذلك لتدمج اللاجئين وتحمل مطالبهم معها.

ثانياً: نحن، والشعب العربي عمومًا (دون أن ننسى الإيراني)، والشعبان السوري والفلسطيني خصوصًا، نتحمل نتائج الاحتلال الإسرائيلي إما في استباحته لبلادنا ومحاصرة أو استباحة الاستعمار من خلفه لمقدراتنا، وإما في تسلّط الأنظمة على رقابنا وقمعنا وقتلنا تارة باسم القضية وتارة باسم العروبة وتارة باسم الوطنية.

هذا الطابع الجامع للمعركة، وللانتفاضة في فلسطين، ونتائجها السياسية في المحيط العربي، يحتّم أن نتخطى النظر إليها من خارجها كأن نقف عند حدود التضامن، بل أن ننظر من داخلها، بما يخدمنا كشعوب مضطهدة ومقموعة أولًا، وبما يخدم الشعب الفلسطيني وانتفاضته ثانيًا.

كل ما يجري يستدعي تخطّي حدود التضامن إلى خطوط الفعل، أي إلى مواجهة الأنظمة التي ستطعن هذه الانتفاضة وغيرها، من الخلف، كما طعنتنا من كل الجهات.

سلسلة

أنقذوا حيّ الشيخ جرّاح

«أنقذوا حيّ الشيخ جرّاح» ليس عنوانًا لملف عادي، حول مسألة أو موضوع يدعى عدد من الكتّاب والكاتبات للمساهمة به. فليس للكلام معنى في لحظة التهجير والقتل من قبل قوى استيطانية.
«أنقذوا حيّ الشيخ جرّاح» ليس عنوانًا لملف، هو دعوة للتضامن، أو مناسبة لكتابة تضامنية، تبحث بالمجال الضيق للكلام عن إمكانية للتضامن السياسي.
«أنقذوا حيّ الشيخ جرّاح» ليس عنواناً، بل هو المضمون نفسه.

هيلا هيلا هو: ديالكتيك المسبّة من الصين إلى حيفا | تحليل
أن يختار التْرَند متى تكون فلسطين كوول ومتى لا تكون، وأن يفشَل | تحليل
بالعودة إلى الشيخ جرّاح | تعليق
النضالات لا تتجزّأ: كامل الحقوق للفلسطينيّين في لبنان | تعليق
عن احتمال الأمل ما بعد الخيبة | تعليق
الداخل الفلسطيني يهدم تصوّرات ويبني أخرى | تعليق
عن التضامن ضمن الانتفاضة | تعليق
المعاني المتعدّدة للاحتجاجات الشعبيّة الفلسطينيّة | تحليل
حراكات فلسطين في لبنان: القمع وتصدُّر الأحزاب | تعليق
دليل التضامن ومناصرة فلسطين للفنّانين والعاملين الثقافيّين | تعليق
فلسطين والثورات | تعليق
انقلابٌ فلسطينيّ على العصر | تعليق
انشقاق صغير بالكونغرس الأميركي | تعليق

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين الثلاثاء 16 نيسان 2024 
مقتل محمّد سرور
متابعات الشيخ جرّاح
أساليب جديدة للقتل
تعليق عمل البروفيسورة جودي دين لوصفها مشهد مظليّي حماس بـ«المنعش»
«نيويورك تايمز» لمحرِّريها