تحليل ثورة تشرين
خالد صاغيّة

لماذا نكره العهد؟

28 تشرين الأول 2019

إذا كان من وصفٍ ينطبق على ما سُمّي بالعهد، فهو الشراهة. ليست شراهةً واحدة، بل شراهاتٌ ثلاث تلاقت لتشكّل أسُس هذا العهد الذي لم يتمكّن البلد من الصمود والتعايش مع شهيّاته المفتوحة.


الشراهة الأولى

هي شراهةٌ للسلطة مثّلها التيّار الوطني الحرّ بشخص جبران باسيل. في سبيلها، لم يتورّع عن استخدام أكثر خطابات الكراهية خطراً، والانزلاق إلى أكثر خطابات الطائفية ابتذالاً، ظنّاً منه أنّ ذلك ينصّبه زعيماً على المسيحيّين الذين يشعرون بالتهميش منذ انتهاء الحرب الأهلية. ما أن أصبح رئيس التيار هو وزير العهد القوي، حتّى سعى للترويج لنفسه كراعٍ لاستعادة المسيحيّين لحقوقهم، مسيحيّي الشرق لا مسيحيّي لبنان وحسب. فأخذ على عاتقه مهمّة «إعادة المسيحيّين إلى السلطة»، مهتدياً بتجربة حركة أمل في هَبْش الدولة وتعيين الأتباع فيها. من سوء حظّ باسيل أنّ التوقيت لم يكن مناسباً، وأنّ الدولة كانت قد وصلت إلى حافة الإفلاس. لقد وصل متأخّراً إلى الحفل بعدما نهبتْ الزعامات الأخرى ما نهبتْ، ولم تعد تتّسع البلاد لكلّ هذه الشراهة.


الشراهة الثانية

مثّلها سعد الحريري بعدما فقد جزءاً من ثروته. وبدلاً من مدّ يد المساعدة له، يبدو أنّ السعودية أقدمت على تعيين ما يشبه الوصيّ على أعماله في لبنان. فبات بحاجة لتعويض ما خسره من أجل جيبه، ومن أجل سدّ ديْنه لراعيه السعودي بأسرع وقت. وجد الحريري الضعيف ضالّته في حاجة التيّار الوطني الحر إلى شريك ضعيف من أبناء الطائفة السنّية، يوفّر له غطاءً في لعبة التوازن الطائفي من دون أن يثير الكثير من وجع الرأس. زعيم لا يحمل من الزعامة إلا شبحها. فجاءت التفاهمات الاقتصادية بين سعد وجبران لتلبّي شراهة الطرفين. وإذا كانت طموحات الحريري الأب قد راعت إرضاء الشركاء السياسيّين، فإنّ الحريري الابن ظنّ أنّ بإمكانه عقد شراكة حصريّة مع «التيار» وتهميش حصص الآخرين. ضاق نطاق الشراكة، لكن كبُر حجمها، ولم تعد تتّسع البلاد لكلّ هذه الشراهة.


الشراهة الثالثة

مثّلها حزب الله بشخص أمينه العام السيّد حسن نصر الله. إنّّها شراهة السيطرة وإحكام القبضة على البلد. قبِل باتفاق الحريري- باسيل واعتبره أشبه بملحقات اقتصادية لوثيقة التفاهم. وها هو يدفع بثقله لحماية «العهد»، أي لحماية حلف الأقليات الذي شكّل له غطاءً لحربه في سوريا، ودعماً له في الصراع الطائفي الذي ساهم في تأجيجه في المنطقة. لم تعد هذه الشراهة لتقبل بدور الشريك الأوّل، بل تريد دور الحاكم بأمره. تريد أن تقرّر مَن هو رئيس الجمهورية حتى لو بقي البلد معلّقاً سنتين ونصف. تريد أن توقّع على الحكومة قبل الرئيس وقبل رئيس الحكومة. تريد خضوع الاقتصاد لها، وتريد خدمات المصارف في وجه العقوبات. تريد الدعم لسلاح المقاومة المقدّس، والسكوت عن استخدام سطوة هذا السلاح في الصراعات الداخلية، وعن إطلاق ذخائره في صراعات المنطقة. لإرضاء هذا الهوس بالسيطرة الذي بات يتخطّى حدود لبنان، كان لا بدّ من السماح للشريكيْن الآخرين بلملمة فتاتهم. ولم تعد تتّسع البلاد لكلّ هذه الشراهة.


«ما فيكن تسقطوه»، قال نصر الله. ربّما. لكن هل يمكن حقاً أن يتحقّق أيّ مطلب من دون الحدّ من هذه الشراهات الثلاث التي شكّلت العمود الفقريّ لما يسمّى العهد؟ هل يمكن حقاً أن يتحقّق أيّ مطلب من دون سقوط العهد؟

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية