تعليق هندسة الانهيار الاقتصادي
علي نور الدين

من يحصد ثمار الأزمة؟

7 تموز 2021

لا تقتصر نتائج الانهيارات الاقتصاديّة الكبرى على تبعاتها الاجتماعية الكارثية. فثمّة من يعرف في ظلّ هذه المآسي كيف يقتنص الفرص النادرة ويبني عليها ويستفيد منها، خصوصاً إن كان الانهيار يُدار بعقليّة العصابات والمافيات.

هذا حالنا اليوم الذي تلخّصه ثلاثة مشاهد متفرّقة، لا يربط بينها إلّا جشع العصابات.


المشهد الأوّل

الوفود الدوليّة والموانئ

بيروت على موعد اليوم مع وفد اقتصادي فرنسي، يرأسه السفير الفرنسي المكلّف بتنسيق المساعدات الدوليّة للبنان بيار دوكان.

ما زالت الأهداف المفصّلة لزيارة الوفد غير واضحة بالكامل. لكنّ الأكيد هو أنّ الجزء الأكبر من هذه الأهداف يتّصل بشكل وثيق بطموحات فرنسا في ما يخصّ الاستثمار في موانئ لبنان، وبسباقها مع مختلف الأقطاب الدوليّة الأخرى على مواقع النفوذ البحريّة والنفطيّة في حوض شرق المتوسّط. وهذا ما أكده أوّل اجتماعات الوفد اليوم مع وزير الأشغال العامّة والنقل ميشال نجار.

لا يمكن الفصل بين هذه الزيارة، وزيارة وفد الشركات الروسيّة الأخير الذي امتلك طموحات مشابهة، وخصوصاً على مستوى الاستثمار في البنية التحتيّة والموانئ والمنشآت النفطيّة. فالواضح أن ثمّة سباقاً غير واضح المعالم بين الدولتين لهذه الغاية، فيما يبدو أن ألمانيا تطرح كذلك خططها الخاصّة في ما يتعلّق بإعادة إعمار مرفأ بيروت، وتستعد للمنافسة على هذا المستوى.

ببساطة، لا يوجد ما يثير شهيّة كل هذه الدول في لحظة إفلاس الدولة اللبنانية إلّا اغتنام ما تبقّى من موجودات سياديّة بأبخس الأثمان، بمعزل عن مصلحة البلاد.
المشهد الثاني

مَن خدمت المنصّة؟

بدأ التداول هذا الأسبوع داخل المصارف بأخبار تفيد بأن مصرف لبنان علّق العمل بمنصّته الجديدة المخصصة للتداول بالعملات الأجنبيّة، بعدما اتّسع الفارق بين سعر المنصّة وسعر السوق السوداء.

فشلت المنصة بتوحيد أسعار الصرف وخلق آلية لتداول الدولار بيعاً وشراءً. لكنّ إيقاف هذه المنصّة عن العمل فجأةً يطرح عدّة تساؤلات مشروعة:

  • من هُم التجار الذين استفادوا من الدولار شبه المدعوم على سعر 12,000، في حين أن جميع المؤسسات كانت تبيع السلع على أساس سعر الصرف الفعلي الذي يتراوح منذ فترة عند مستويات تتجاوز حدود الـ17,000؟
  • ما هي المعايير التي قامت المصارف من خلالها بتحديد الفئات المحظية، المستفيدة من هذه الدولارات؟ خصوصاً أن حجم العمليات المحدود يوحي بأن هذه الدولارات لم تكن متاحة لجميع التجار.
يبدو أن المنّصة، كسائر سياسات رياض سلامة، انتهت كتجربة فاشلة للحدّ من الأزمة، ولكّنها فرصة مثمرة للبعض للاستفادة من الأزمة.
المشهد الثالث

مَن يسهّل الاحتكار؟

بعد توسّع رقعة أزمة المحروقات، واستماتة جميع القطاعات الاقتصاديّة للحصول عليها بأي ثمن، توسّعت معها رقعة السوق السوداء التي باتت تلبي جزءاً كبيراً من الطلب على هذه المواد.

يتمّ استيراد المحروقات على أساس سعر الصرف المدعوم، ما يعني أنّ المحتكرين يتمكنون من تحقيق أرباح خياليّة بمجرّد الحصول على هذه المواد وبيعها بسعر السوق السوداء. وهنا تطول مجدداً لائحة التساؤلات حول من يسهّل هذا الكسب السريع، من خلال الاستثمار في الأزمة واستغلالها، خصوصاً وأنّ حجم السوق السوداء يوحي بأن العاملين فيها قادرون للوصول إلى كميّة كبيرة من المواد، بما يتخطى قدرة المضاربين الصغار.

علماً أن أسعار اشتراكات الكهرباء باتت تُسعّر في غالبيّة المناطق بحسب سعر المازوت في السوق السوداء لا السوق الشرعيّة، ما يدل على التطبيع مع هذه الممارسات والتعايش معها.

السوق السوداء ليست فوضى ناتجة عن ضعف الدولة، بل تحوّلت إلى إحدى الأسواق الأكثر ربحًا، لها لاعبوها النافذون ومصالحها المافيويّة.

لم يكن من المتوقّع أن تكون نتائج هذا الانهيار عادلة من حيث توزّعها على الفئات المتضرّرة، بحسب قدرتها على تحمّل وطأة الأزمة، خصوصاً وأنّ مَن يدير دفّة الحكم لا يقيم وزناً لهذه المعايير. لكنّ الغريب هو وقاحة الاندفاع للاستثمار في المأساة التي نعيشها، وفي البحث عن فرص الربح السريع مهما كانت كلفة هذا الربح قاسية على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية