تعليق عنصرية
صهيب أيّوب

إتيكيت «الجردون» اللبناني

2 كانون الأول 2020

في غزة الجردون أكبر من البسين لبنان مش غزّة (...) لبنان بلد متطور

النائب المستقيل نعمة أفرام، في مقابلة مع قناة «الأم. تي. في»

 

في مقطع صغير (ثلاثون ثانية)، يفهمنا نعمة أفرام عن ذهنية لبنانية متوارثة. ثابتة. لا تتزحزح من مكانها. لا بل تغلف في كثير من الأحيان ببراهين تصل الى حد الخيال. مستقاة من الملهاة اللبنانية التي تجد نفسها في مكان أعلى من العرب. فلهذا نسمع كثيرًا جملة «انا فينيقي ولست عربيًا»: الجملة المفتاح لأي لبناني يجد نفسه متفوقًا على أقرانه. وهي برمتها تصورات وهمية بناها الوعي اللبناني الحديث عن نفسه وعن خطابه وعن مقارنته بينه وبين الآخرين. وتكاد هذه الذهنية منقولة، مثلها مثل الأمثال والحكم ومطبخ المازات المعروف في لبنان.

فإلى اليوم، أسمع من لبنانيين (أكاديميين وفنانين وطلاب دكتوراه) يعيشون في باريس، أحكامهم المسبقة عن الخليجيين، بأقوال جاهزة من قبيل: «هيدول جايين من ورا الجمال، شو بفهمن؟». هذه عينة من نظرة اللبنانيين الى سكان الخليج، وليست (فقط) نظرة بعض العوام، بل نظرة النخبة التي تفاخر بتحصيلها الأكاديمي الرفيع، الذي يعتبر الحضارات الأخرى التي لا يعرفها بدائية ولم تتطور.

يصيب أفرام، في خطابه، ما تعلنه وتضمره بعض الشرائح اللبنانية. إذ ينظرون الى السوري على أنه عامل والفلسطيني على أنه لاجئ، وأن البنغلاديشية والسيرلنكية والفيلبينية هنّ خادمات أو «صناع» (بالدارجة اللبنانية). وبخطابه (هذا)، لم يجلب أفرام لغة هجينة أو غير معتادة. بل هو جاء بالمحكي اللبناني، ليعبّر عما يقوله لبنانيون علنًا. ففي بعض المناطق، الطرابلسي هو مشروع «داعشي» والشيعي «ريحته طالعة»، والدرزي بيتقمّص. صور نمطية جاهزة، يتوزعها اللبنانيون فيما بينهم وعلى الآخرين.

أمّا «الغريب» من غير اللبنانيين، فحصّته من هذه المجاهرة العنصرية والفوقية أكبر. وهي مجاهرة لها تاريخها وحضورها، خصوصًا عند القناة التي ظهر على شاشتها هذا النائب. فهي تضمر هذه الشوفينية اللبنانية والفوقية المتوهّمة. يكفي أنها تذكرنا كل يوم بـ«إتيكيت» العيش وكأنها آتية من كوكب آخر. أو أنها مفصّلة لطبقة واحدة من اللبنانيين. وربما قد تستوحي القناة من كلام النائب العنصري، فقرة عن إتيكيت الجرذ. فالجرذ اللبناني لا يجوز أن يشبه جرذ غزّة. عليه أن يكون مطابقًا لصورتنا عن أنفسنا. جرذًا أنيقًا. مُسَشْوَرًا عند طوني مندلق. يضع عطر إيلي صعب ويرتدي من أزياء ربيع كيروز أو أجرى «فيلر» لدى نادر صعب. أو على الأقل ان يكون جرذًا، لا يشبه «البسين»، كما اراد أن يوضح لنا نائب الأمّة الجاهل. أي أن يكون جرذًا محافظًا على لياقته. وإن لمحته إحدى الفاشينيستات اللبنانيات تصوره وتعلق بجملة مكتوبة بلغة الانترنت: Jardon cute

ما حاول أفرام توضيحه، لا يزيح عن قناعات جمهور لبناني، يعيش الى اللحظة في صور متخيّلة عن ذاته اللبنانية المتفوقة والمتفاخرة بكونها «تطرطش» كلمات بين ثلاث لغات، في الجملة الواحدة، وبماض يقف على أطلال الحقبة الشهابية، وتاريخ من الطبقية العفنة واللغة الإقطاعية المتغلغة الى اليوم في ذهنية لبنانيين يتعلّمون في الجامعات ويمارسون الفن ويتبوأون مناصب عليا.

جرادين عنصرية، تنام بين رائحة النفايات والمافيات ورائحة النار، على «الأم. تي. في»، أن لا تنسى حصّتهم من الإتيكيت القادم.

آخر الأخبار

تراجُع أميركيّ يفتح الباب لاجتياح رفح 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/3/2024 
الخارجية الأميركية عن تقرير ألبانيزي: مُقرّرة معادية للسامية
حدث اليوم - فلسطين الخميس 28 آذار 2024 
اقتراح قانون شامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة
الادّعاء الإسباني يطلب السجن عامَين ونصف لروبياليس