تعليق تكنوقراط
سامر فرنجية

اعترافاتٌ على الهواء

29 حزيران 2020

اعترف وزير داخلية حكومة التكنوقراط بقتله شخصين العام 1981. وفسّر أن سبب إفلاته من أي ملاحقة قانونية كانت حماية قدّمها له آنذاك مسؤوله العسكري الذي كان يدعى ميشال عون. أبدى وزير الداخلية فخره بهذه العلاقة الوجدانية التي تربطه برئيس الجمهورية، والتي نتجت عن عملية القتل والتغطية هذه. فهو الذي روى هذه الحادثة على الهواء المباشر.

انتهى الخبر.

بعد بضعة ساعات، حاولت شاشة «المنار» أن تحذف هذا المقطع، عبر إزالته من موقعها الإلكتروني، ولكنه لن يختفي. فجرى التداول الكثيف لدقيقتَي الاعتراف على وسائل التواصل الاجتماعي، وبات لهما حياة مستقلة عن إرادة إدارة تلفزيون المقاومة. أخذ الموضوع بعض الوقت ليفهم القيّمون على الحكومة الحالية وطأة هذا التصريح. وزير الداخلية قاتل أفلت من العقاب لعلاقته برئيس الجمهورية الحالي.

زال الخبر، لكن بقي الواقع: نحن محكومون مِن مجرمين، يتباهون بقتلهم على شاشات التلفزيون.

ليس هناك الكثير ممّا يمكن قوله حول هذه الحادثة، أو فعله. فلم يعد أحد يأبه لأخلاقيات الوزراء أو تاريخهم. باتت تلك الأمور من الكماليات في ظلّ الانهيار المتسارع الذي نعيشه، والذي حوّل الحياة في هذه البلاد إلى صراع يومي لمجرّد البقاء. فأن يكون وزير الداخلية فارًّا من العدالة تفصيلٌ في بلد بات سؤاله الوحيد هو سعر صرفه.


لم يكن الوزير وحده من قام باعتراف مباشرةً على الهواء. فقد أعلن مدير عام ​وزارة المالية​ استقالته من منصبه، جرّاء ما وصفه بـ«طريق مسدود» وإجهاض فرصة التغيير من «قوى الظلمة والظلم». وتأتي استقالة المدير العام بعد استقالة مستشار وزير المال وعضو الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي قرّر الاعتكاف بعدما رفض ما سمّاه بـ«الإستبلشمنت» الاعتراف بحجم الخسائر في القطاع المصرفي.

انتهى الخبر.

هذا النقد للسلطة الاقتصادية والمالية للبلاد لم يأتِ من الثوّار في الساحات، بل من التكنوقراط أنفسهم الذين عيّنتهم هذه السلطة كغطاء لها. فحتى أولئك الموظفون الذين اشتهروا في الماضي لقدرتهم على بلع كامل ألاعيب السلطة، لم يعودوا قادرين على القيام بالدور المنوط بهم. فلم يبقَ لهم إلّا الاعتراف بحقيقة الوضع، بأنّ «النظام بدأ يُظهر أبشع ما لديه».

زال الخبر، لكن بقي الواقع: نحن محكومون من سلطة لصوص، تحاول الاستمرار بالنهب حتى في لحظة الانهيار.


تأتي تصريحات السلطة لكي تؤكد زوال السياسة. فلم يبقَ ما يمكن قوله لفضح هذه السلطة وتقديم بديل لها وإقناع أحد بفشلها. ما من كلام أكثر إقناعًا من انهيار العملة وانفجار الأسعار وتدهور الوضع الاجتماعي. فهمت السلطة أنّها روضت مجتمعها، وأنّ الأزمة المالية نجحت في تأديب الناس. في وضع كهذا، لم يبقَ إلّا الشتيمة والعنف كردّ على تلك السلطة التي حوّلت القانون والمؤسّسات إلى أدواتٍ لفرض نهب منظّم ولامتناهٍ لحياتنا. الشتيمة والعنف كتأقلم مع الانهيار الحتميّ.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية