تعليق كورونا
صهيب أيّوب

الممانعجي في زمن الجائحة

18 آذار 2020

للكائن الممانع إدراكه الخاص وزاوية ضيّقة يطلّ عبرها إلى العالم ونفسه. أشبه بغرفة مغلقة بإحكام. فيها كتيّب واحد على الطاولة بعنوان: «دليلك الى الممانعة: نظريّاتٌ وتطبيقات»، سيضاف لها ملحق: «الكوفيد 19 في حربه على محور المقاومة»، من باب التجديد ومعاصرة أزمات العالم.

فالممانع مجدِّد يتجدّد، له رؤيته الاستثنائية، وهو إذ يدلو بدَلْوِه في كلّ شيء وعن كلّ شيء، يجد دائماً الخطّ السحريّ- غير المرئي من الحكاية. نحن الناس العاديّين لا نقشع هذا الخطّ، ولا تفتح معانيه بصيرتَنا. أمّا هو، فلأنّه تدرّب على تفكيك سياسات المؤامرة، فإنّه يستنبطها استنباطاً، متأثّراً بإحدى مدارس علم النفس حول الإدراك على قاعدة: «الكلّ أكبر من مجموع أجزائه». فهو بإداركه هذا، يأتي من الكلّ- الجماعة، وهو كجزء منها ممحوّ وببغائيّ لا معنى له ولا إدراكَ خاصّاً به إن لم يرتبط بالقضية الكبرى والمسألة الأهمّ.


من أبعاد قراءات الممانع المعاصرة أنّ انتشار الكوفيد 19 في إيران ثم انتقاله الى بيئة حزب الله لاحقاً، في لبنان، ليس سوى ضربة للخط المقاوم ضد أمريكا (وليس أميركا إبقاءً لرنّة التعبئة) ومحاولة لإضعاف آية الله الخامنئي وجنده، بعد استشهادهم بالفيروس القاتل وصعودهم إلى الجنّة. والجنّة للممانع الشيوعي واليساري كما الدينيّ، أشبه بالعدالة الاجتماعية التي روّج لها منتسكيو في كتابه «روح القوانين»، لكنّ الممانع لا يعترف سوى بكتيّبه ودليله إلى الممانعة، ينطلق منه ويمتثل فيه.

ولأنّ الممانع قد صرف وقتاً في غرفته كي يحصّن نفسه فيها من أفكار الغرب المُغرضة، فلنتخيّل داخلها صوراً معلّقة لأبطاله الأحياء والأموات (قاسم سليماني مثالاً). فلا يمكن أن تكون ممانعاً وليس لديك أبطال خارقون، حتى لو كانوا موتى وغير مرئيّين، تستشهد بكلامهم ومواقفهم. تراهم في سكنى هذه الغرفة الموصدة على الذات كونها صورة للجماعة.


ولأنّ الممانع حبيس أفكاره ومنهجه وأصنامه، فقد يكون فيروس كورونا هو العالم الموازي للحجر الذي أجلس نفسه فيه مع هواماته حول فائض القوّة والسلطة وأدواته المتخيّلة عن النصر الإلهي وأوهامه الجمعيّة عن حماية الفرد عبر معْسه. لذا، فالممانع منذ تبنّيه الممانعة وتبريره قتلها للمدنيّين باسم العدالة ووقوفها إلى جانب الدكتاتوريات، كان وما زال يعيش في زمن الجائحة. والجائحة هو المصطلح اللغوي عن الوباء الذي يقبض على العالم اليوم.

فالممانع ابن الجائحة وصنيعة ظروفها وخليل منطقها الحبيس. لذلك، فإنّ الفيروس على خطورته وفتْكه وحدوثه في بيئته وبين أهله، لا يخلخل تقسيمه للعالم إلى نوعيْن ثابتيْن: عدوّ وصديق. الفيروس ليس حمّال قضايا وقِيَم ومعانٍ ورموز، إلا بقدْر ما يخدم هذه القسمة الممانعة. ولا أحد يفكّ طلاسم تلك القِيم والرموز أو يراها بعين بصيرة سوى الممانع، صاحب الإيمان الأعمى بمحوره الاستراتيجي.

لذا نقرأ عند الممانعين، صحافيّين وإعلاميّين وكتّاباً ومُريدين، الخطوط التي يتقاطعون فيها مع صديقهم غير المرئيّ كوفيد 19. فمِن فوائد هذا الصديق أنّه أظهر عجز الغرب عن مواجهته (كأنه مجرّد مرض وليس وباءً)، وأبرز هشاشة الأنظمة الصحية في الاتحاد الأوروبي. نفهم أنّ الأنظمة الصحية التي يتطبّب الممانع في رعايتها مؤمّنة. نفهم أيضاً أنّ وزير الصحة اللبناني ابن حزب الممانعة قد نجح نجاحاً باهراً في القضاء على هذا الوباء الذي حصد أرواح أربعة مواطنين إلى الآن.

للممانع منطقه ولغته العصابية ونكرانه، وغرفته التي يعاصر فيها جائحته.

آخر الأخبار

بلومبيرغ: العمليّات ضدّ الحوثيّين بلا جدوى
صحافي يشكّك بتقرير فرانشيسكا ألبانيزي، وتعابير وجهها تجيب
عمّان تتحرّك ضدّ السفارة الإسرائيليّة لليوم الرابع توالياً  
الجامعة العبرية تتراجع عن قرار الفصل   
مسيرةٌ لسيّارات الإسعاف في بيروت تضامناً مع المسعفين الشهداء 
الاحتلال يرتكب مجزرتَين في طيرحرفا والناقورة