تعليق اغتيالات
ريتا باروتا

الوقار المقاوم

9 شباط 2021

الندّابة. من منّا لا يعرفها. في ضيعنا وفي مجتمعنا، هي الباكية صراخًا وندبًا، هي الموجعة بعد أكثر من وجع الموت نفسه. الندّابة هذه، توارت اليوم عن الأنظار، إلا لدى فئة من اللبنانيين، الذين يطلبون البكاء، «ديليفري»، ومدفوع سلفًا.

لن نختلف حول طرق الحزن، ولن نحدّد كيف ولماذا نبكي من نفقد.

ولكن فوجئ كل من فوجئ بـ«طريقة» حزن ام لقمان سليم واخته. ملأت أخبارهما وفيديوهاتهما شاشات المحمول. صعق من صعق. وتساءل من تساءل عن «رباطة جأش هاتين الامرأتين»، وعن السموّ وهما في قمّة الوجع.

لقد قدّمتا لنا نموذجًا مختلفًا عن «الندّابة» و «الأم الحزينة»، نموذجًا مختلفًا عمّا يُنتظر من المرأة ان تفعل حين تفقد ولدًا أو أخًا أو حبيبًا.

يتوقّع المجتمع الأبوي- الذكوري من المرأة التي لا حول لها ولا قوّة، التي خسرت «ظهرًا» بخسارة رجل من رجال حياتها، أن تندب. أن تصرخ. أن تبكي وهي تختنق. فهي وجه «الأم الحزينة» كما اعطانا إياها الدين المسيحي، أو «أمّ الشهيد» أو «أمّ الفقيد».

ماذا لو قُدِّم لنا نموذج آخر، عن نساء يتألّمن بطريقة مختلفة؟ ماذا لو كان الألم شعورًا وليس فعلًا؟ كيف نؤدّي الحزن؟

هل تأديتنا له هي صورة عن شعورنا به؟ ليس تمامًا. وليس بالضرورة.

أمّ لقمان سليم تتحدّث عن الفكر، وعن فقدان وطنيّ لمفكّر كان يُغني لبنان. هذه المرأة تملك فكرًا وعمقًا ورسالة. تملك اكثر من مجرّد «ولد»، تعيش أدوارًا عدة، خارج نمطية أمومتها. هي ثكلى «في عقلها» وليس في قلبها.

هي تقاوم.

أخت لقمان تقاوم، كفعل سياسي حتمي بوجه مجتمع ذكوري يعلّم المرأة حتى كيف تحزن، وينتظر منها أداء فريضة الحزن كما يشتهيها هو.

هو يشتهي «الندّابة»، ويشتهي «المرا المكسورة». وكم كثيرة محاولات استمالة النساء المحزونات بطرق ملتوية، كونهنّ في لحظات ضعف؟

لقد قدّمت لكم هاتان السيّدتان، سادتي، منظورًا آخر. قدّمت لكم نساءً من «فكر وفكرة وإيمان» مختلف. قدّمت لكم درسًا في كسر النمطيّة، ودرسًا في المقاومة السياسية.

ولقتلة لقمان قالتا:

لن نضع بين أيديكم ما تشتهون أو تتوقّعون. نحن صفعة للرجولة المتخيلة، ولكاتم الصوت الذي كتمتموه لنبكي نحن. نحن صفعة لأشباه الرجال الذين يتوقّعون منا ان ننكسر. نحن صفعة اخرى، لتاريخ هذا البلد المليء بحقدكم الأبوي العنصري الطائفي الذي يتلذّذ بالقتل، ويتلذّذ بما يشهده، بعد القتل.

نحن، نساء يأكلنا الوجع. ولكن سنأكله وحدنا. وأنتم، ستضرسون.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين الاربعاء 24 نيسان 2024 
صور جديدة تكشف «ضربة أصفهان»
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 24/4/2024 
المخيّم الذي صار دخاناً
24-04-2024
أخبار
المخيّم الذي صار دخاناً
20 جامعة أميركيّة، 20 مخيّماً تضامنيّاً مع غزّة
تعليق

ما مغزى النقد؟

سامر فرنجية