تعليق دولة حزب الله
سامر فرنجية

بلاد ما بين الحصارَيْن

17 أيلول 2021

حصار الغنّوج

كنّا محاصرين.

ربّما لم نلاحظ وطأة هذا الحصار أو حتى وجوده. لكنّنا كنّا محاصرين. هكذا قال السيّد وردّد، إطلالةً تلو أخرى، بعدما فقد الأمل في إقناع الناس بصوابية اقتراحاته الزراعية أو إصلاحات حكومته أو نزاهة عهده. إنّه الحصار إذن…

لم نلاحظ أنّ وراء الغاز المصري الآتي بمباركة أميركية، والمساعدات الغربية للجيش اللبناني، ومساعدات المؤسسات الدولية، والمبادرة الفرنسية ومؤتمرات رئيسها، وأموال صندوق النقد الدولي، كان هناك حصار خانق، فرضه العالم على هذه الدول الصغيرة المقاومة.

كان مفهومنا للحصار أقرب لما حدث في سوريا أو في غزّة أو في بيروت الـ82. لكنّ الحصار يأخذ أشكالاً مختلفة، ويأتي بنكهات عديدة. وحصار الغنّوج يأتي مدعومًا من مساعدات من الدول المحاصِرة.

فاعذرنا يا سيّد إن لم نلاحظ من تلقاء نفسنا أنّنا محاصرون. ربّما أخطأنا عندما اعتبرنا أنّ انهيار التبادلات التجارية آتٍ من فقدان اقتصادنا لأيّ مُنتَج يصدّره غير الكبتاغون، أو أنّ اختفاء التبادلات النقدية سببه الحصار الذي يفرضه القطاع المصرفي ومصرف لبنان، أو أنّ انقطاع الدواء والمازوت والبنزين سببه حفنة من المحتكرين، كلهم من عمق دارنا ودار المقاومة.

لكنّ هذا شيء، والحصار شيء آخر، هكذا أكّد لنا السيّد. عدوّنا قرّر ألا يساعدنا، فهذا حصار. وقاحة الإمبريالية لا تطاق أحيانًا.


السيّد ينقذنا، مرّةً أخرى

صحيح أنّ لا أحد تحدّث عن حصارٍ إلّا السيّد…

للأمانة، هناك شخص آخر حاول أن يبتزّ العالم بهذه النظرية، وهو حسّان دياب عندما جمع سفراء دول الحصار ليطلب منهم أن يكفّوا عن حصارهم. لكنّه فرّ إلى الولايات المتّحدة، مركز الحصار وسبب كل ويلاتنا، لكي لا يمثل أمام التحقيق في انفجار المرفأ. فمن الطبيعي أن تختبئ عند عدوّك اللدود، مصدر الحصار الأوّل.

كالعادة، لا أحد ينقذنا من هذه المخاطر إلّا السيّد. فمَن أنقذنا بالماضي من التكفيريّين، ومن ثمّ من المؤامرة الكونية على سوريا، ودائمًا من الخطر الأميركي؟

مَن يا بلا أصل؟

وككلّ مرة، نشكّك بدايةً بالخطر الذي يريد السيّد إنقاذنا منه، لنعود ونسلّم ببطولته. ربّما حان الوقت لكي ينقذنا السيّد من أنفسنا…

ربّما حان الوقت أيضًا كي نخفّف بعضًا من هذا الشكّ ثقيل الدمّ الذي يميّزنا، ونلتحم بخرافات السيّد لننعم ببعضٍ من عزّة عباءته. كنّا محاصرين من قبل أقوى دول بالعالم، ومن عمق الجورة التي نعيش فيها، كسرنا العنهجية الغربية والإمبريالية المتوحّشة ببعض الصهاريج.

يمكن أن نركّز على الذلّ الذي بات من يومياتنا، طوابير النهار وعتمة الليل، أو يمكن التركيز على «قوافل العزّ» و«قوافل الوعد الصادق» و«قوافل النصر»، الخيار لكم، يا بلا شرف.

نص كباية مليانة أو نص كباية فاضية…

انتصار جديد لمقاومتنا المجيدة.


حصار السيّد

ربّما كان حصارنا من آخر هلوسات السيّد، ألعوبة خطابية يحوّل فيها التسوّل إلى بطولة. كان الموضوع لينتهي هنا لو لم يكن حصار السيّد الوهمي أداةً لكسر حصار آخر، هو حصار فُرِض على نظام الأسد، جرّاء جرائمه.

من هذه الجرائم، تقنية الحصار التي استخدمها النظام، غالبًا بمشاركة حزب الله، على مناطق سوريّة، من الغوطة الشرقية إلى حلب، مرورًا بمضايا ووصولًا إلى درعا، والتي ما زال يستخدمها.

هذه الحصارات، كما يدرك السيّد كأحد مخطّطيها ومنفّذيها، لم تكن كحصارنا الذي أتى مع أموال البنك الدولي وعناية الرئيس الفرنسي. لم تكن حصاراً مغنّجاً. كانت حصارات بقوة السلاح والدم، تقوم على التجويع والقتل، لتقضي على إمكانية الحياة أصلًا. كانت حصارات مات الآلاف جرّاءها، جوعًا وبردًا ومرضًا وقنصًا وحرقًا واختناقًا، بينما رجال المقاومة الذين باتوا رجال الصهاريج اليوم، يحاصرونهم.

شو في بحمص؟ أكيد ليس حصارًا…

ربّما يتذكر السيّد صور الناجين من حصار مضايا. هكذا يكون شكل المحاصرين، وليس كزعرانه وهم يطلقون الرصاص استقبالًا لصهريج من المازوت.

حصارنا لم يكنْ. لكنّ حصارهم كان وسيبقى جريمة بحق الإنسانية، ومن منفّذي هذه الجريمة السيّد المنقذ.


مازوت بطعم الدمّ

حصارنا لم يكنْ. لكن هناك جريمة ارتُكبت بحق اللبنانيين، جريمة ارتكبتها الحفنة الحاكمة ومن بينها السيّد وعهده.

قام هذا العهد على فرضية إقليمية، وهي ضرورة إعادة التطبيع مع نظام الأسد، بعدما تمّ قمع الثورة السورية، بالحصارات والتعذيب والبراميل. ومنذ بداية هذا العهد، تتوالى المحاولات لإعادة النظام البعثي إلى لبنان، ومن خلاله إلى العالم، تارة من باب التنسيق الأمني وتارة من بات محاربة التهريب، حتى أتت الأزمة الراهنة لتفرض التطبيع على الجميع، بحجة الجوع.

عرف السيّد وعهده كيف يستفيدون من الأزمة، كيف يستغلون الجوع وانقطاع الكهرباء، كيف يطيلون بها حتى يركع الجميع، كيف يهرّبون إلى سوريا لفكّ حصارها ومن ثمّ يعيدون الصهاريج ذاتها لكي يطبّعوا هذا الوضع. ربّما كان للأزمة أسباب عديدة، لكنّ لإطالتها مغزىً سياسيًا واضحًا اليوم: تطويع الناس داخليًا وتطبيع محور الممانعة إقليميًا.

كان هناك حصار، ولكن ليس كما قال السيّد.

هناك حصار، كان وما زال يفرضه السيّد وعهده على الناس، حصار هدفه مقايضة بعض المازوت المهرَّب بالطاعة الداخلية وإعادة التموضع إقليميًا.

لم يكن هناك حصار، بل بات هناك حصار اليوم، حصار سيُطبق على الشعب السوري والشعب اللبناني مع كل لمبة سوف نضيئها بهذا المازوت.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين الاربعاء 24 نيسان 2024 
صور جديدة تكشف «ضربة أصفهان»
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 24/4/2024 
المخيّم الذي صار دخاناً
24-04-2024
أخبار
المخيّم الذي صار دخاناً
20 جامعة أميركيّة، 20 مخيّماً تضامنيّاً مع غزّة
تعليق

ما مغزى النقد؟

سامر فرنجية