تعليق ثورة تشرين
علي هاشم

حزب الله: الصبر بعد البصيرة

5 أيار 2020

لم يتعامل حزب الله مع الاحتجاجات الأخيرة بكثير من التفهّم، بل يمكن القول إنّه أبدى ميدانيّاً أدنى قدْرٍ مُمكن من المرونة حيالها. لم يرد أن يترك أيّ هامش لانزلاقات غير محسوبة النتائج، خصوصًا في الضاحية الجنوبيّة، كما جرى في بدايات ثورة تشرين الأوّل الماضي. فالحزب يعلم جيّدًا معنى أن تصل عدوى طرابلس إلى بعض مناطق الضاحية المليئة بأسباب التفجّر الاجتماعي.

لذلك، كان يمكن العابرين في أحياء الضاحية مساءً ملاحظة الاستنفار الأمني الظاهر، والذي يبدو أنّ الحزب أراد هذه المرّة أن يراه بفجاجة كلُّ مَن يعنيهم الأمر.

في مطلع هذا الشهر، ألقى نصر الله كلمة ذات طابع اجتماعي ديني من النوع الذي يتوجّه حصراً إلى الدائرة الأضيق من جمهوره، ركّز فيها على فضيلة الصبر وأبعادها العرفانيّة. وكان واضحاً أن نصر الله صاغ روحيّة الخطاب من وحي الظروف المأسويّة التي تعيشها البلاد، والضغوط التي تطال معظم الشرائح الاجتماعيّة فيها.

بعد أيّام قليلة، ترجم نصر الله كلمته الأولى بعناوين سياسيّة أوضح. المطلوب اليوم تحييد الحكومة عن الهجوم السياسي، ومنحها الفرصة للتعامل مع رواسب السنوات الماضية. أمّا الرهان الفعليّ، فهو على خطة الإصلاح التي تحتاج اليوم إلى تحصين وطني يمكّن الحكومة من تحقيق إنجاز قريب. ولم يفت نصر الله طمأنة المتوجّسين من الضوء الأخضر الذي أعطاه لبرنامج صندوق النقد، متحدّثاً عن استعداد الحزب للوقوف في وجه تسليم البلاد للصندوق.


لا يحتاج المرء إلى الكثير من التدقيق في خطّة الإصلاح الحكومي ليدرك أنّ تنظيمًا وازنًا كحزب الله أذكى من أن يراهن جديّاً عليها لتخطّي المأزق المالي.

فالصيغة الأخيرة من الخطّة التي وافق عليها مجلس الوزراء، حافظت على التحديد الدقيق لحجم الفجوة في القطاع المالي، والتي تشكّل اليوم محور الأزمتَيْن النقديّة والماليّة، لكنّها تركت مسألة التعامل مع هذه الفجوة بلا إجابات واقعيّة أو حاسمة.

على سبيل المثال، تراهن الخطّة على مسألة استعادة الأموال المنهوبة إلى النظام المالي كأوّل باب للتعامل مع الفجوة. كما تشير إلى استعادة الأموال التي جرى تحويلها إلى الخارج كخيار ثانٍ. لكنّ الجميع يدرك أنّ تركيبة الحكومة لا تسمح لها بخوض معركة جديّة لتحقيق الهدف الأوّل، فيما لا تملك الحكومة أي تبرير قانوني لتحقيق الهدف الثاني. وفي الحالتين، لا تتّسم هذه الخيارات بالواقعيّة.

كلّ ما قدّمته الخطّة عمليّاً هو: أوّلاً، المراهنة على جرعة الدعم المنتظرة من برنامج صندوق النقد لشراء الوقت. ثانياً، فتح الباب أمام بيع أصول الدولة، من خلال صندوق اقترحت تأسيسه في المستقبل. لم تقدّم الخطّة الكثير من التفاصيل حول هذا الصندوق، لكنّ هذا البند لا يمكن فهمه إلا كتمريرة لصندوق النقد، لفتح الباب أمام التفاوض الجدّي حول هذا النوع من المعالجات والشروط.


لا يوجد، في الواقع، ما يمكن أن يراهن عليه الحزب خلال الفترة القادمة، سوى صندوق النقد.

وحين تكون البلاد على حافّة الجوع، وحين يكون التوجّه الوحيد الذي جرى التحضير له هو الصندوق، فلا يمكن التهرّب من الاعتراف بأننا وضعنا البلاد تحت سيف شروط هذا الصندوق.

في ظل هذا الواقع، يصرّ الحزب على التمسّك بالغطاء الذي يوفّره للحكومة والعهد، وجميع التوازنات السياسيّة التي يرعاها في النظام القائم، مهما عنى ذلك على المستوى المعيشي. يفسّر ذلك الحَذَر من كلّ أشكال الاحتجاج التي تشهدها البلاد، ويفسّر أيضاً التمسّك بالمعالجات الحكوميّة مهما كان أفقها.

لذلك، وبعدما بات واضحاً ضيق الأفق أمام النظام، انتقل الحزب إلى الدعوة للصبر، بعد فترة طويلة من ادّعاء البصيرة.

آخر الأخبار

تراجُع أميركيّ يفتح الباب لاجتياح رفح 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/3/2024 
الخارجية الأميركية عن تقرير ألبانيزي: مُقرّرة معادية للسامية
حدث اليوم - فلسطين الخميس 28 آذار 2024 
اقتراح قانون شامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة
الادّعاء الإسباني يطلب السجن عامَين ونصف لروبياليس