تحليل ثورة تشرين
سامر فرنجية

خرا المصارف في مجرور الممانعة

7 كانون الثاني 2020

يقف صفٌ طويلٌ من المودِعين بانتظار سحب مبلغ بسيط من أموالهم من دكاكين مروان خير الدين وأصحابه. في مواجهتهم، نقابة موظفين متواطئة مع أصحاب المصارف، وتشكيلة من الأجهزة الأمنية يزداد قمعها مع انحسار رواتب عناصرها. هكذا يبدأ النهار في زمن الانهيار، بحفلة إذلال جماعية على أبواب الهياكل المنهارة للنظام.

مع انتهاء طقوس الذلّ الصباحية، يعود الخوف والقلق، هذا الإحساس الذي يواكب ليالي الأزمة الطويلة: ماذا عن بكرا؟ ماذا عن سعر الصرف؟ متى ستتوقّف الدولة عن تسديد معاشات التقاعد؟ متى ستنقطع البضاعة من الأسواق؟ وماذا من بعد، كيف ستكون الحياة بعد الانهيار الكامل؟ أسئلة من دون إجابات، يزداد توتّرها مع الانهيار الحتمي لسعر الدولار: 1900، 2000، 2100، 2200...

من الصعب مقاومة القلق لفترة طويلة. فهو إحساس يتسلّل بطريقة خبيثة إلى كافة زوايا الحياة اليومية، لتتآكل مفاصلها وتتفكّك روابطها. يفرض القلق على الجميع مواجهة الفراغ، ولكن ليس لوقت طويل. فبين الحين والآخر، تعود موجات الغضب لتقضي على ترف التساؤلات الوجودية. فيطلّ جبران باسيل رأسه من وراء أكوام الـ«هيلا هيلا هو» ليؤكد أن لا حدود لعنهجيّته وجشعه، جشع الطفل المدلّل الذي فهم أن لا مستقبل له إلّا على ركام المجتمع. باسيل كفيل بتحويل القلق إلى كره، إلى رغبة عارمة بإحراق كل شيء، من المصارف إلى «العهد القوي» ورئيسه التعيس القابع بقصره التافه.

لكنّ باسيل لم يطلّ رأسه وحسب. ففي اللحظة ذاتها التي يطرد فيها الثوّار السياسيين من الأماكن العامة، ارتأت محطة «نيو تي في» إعادة الطفل المدلّل إلى الفضاء العام، ضمن السباق القائم بين وسائل الإعلام لإعادة التطبيع مع الطبقة السياسية، لتذكّرنا بأنّ «تلفزيون الثورة» ما زال مملوكًا، في آخر المطاف، من كبار مقاولي رأس بيروت.

يعود الغضب ولكنّه بات من دون منفذ. انسحب النظام من المدينة، هجرها لثوّارها وغضبِهم الذي لم يعد ينصبّ إلّا على فروع مصارف مهترئة وعلى غرفة جلوس حسّان دياب الممتلئة بصورٍ لحسان دياب وهو يشكّل حكومة حسان دياب. البروفيسور هو سلاح النظام ليمتصّ غضب الشارع، تفاهته الموثّقة تشكّل الترياق الفتّاك للغضب الشعبي، تتكامل وتعاسة الجنرال الذي يحبّ الكل. ولكن حتى هذا الدواء لم يعد ينفع. فيعود الغضب باحثًا عن منفذ، قبل أن يعود الليل وقلقه.

من الإذلال إلى العبث، يمرّ النهار. ولكن بين الحين والآخر، ينهار هذا التسلسل المضجر بإطلالاتٍ متلفَزة لمرشد هذا النظام وخطاباته إلى أمّة لم تعد موجودة بعدما قمع أكثرية شعوبها. وأمام ارتباك صراخه المتأرجح بين الرثاء والتهديد والنصر والاستخفاف والعنفوان الهش، تتكثف مشاعر النهار لينتابنا إحساس من الذل والخوف والقلق والغضب والعبث في آن، لكي نستوعب أنّ هذا النظام قضى حتى على بنيتنا العاطفية. لم نعد ندري ما نحسّ إزاءه. كلّ ما ندركه هو أنّنا سنأكل خرا المصارف ونحن منتصرون في مجرور الممانعة.

سنأكل الخرا، ولكن بتهذيب. هذا ما يطلبه النظام في لحظة تأرجُحه. فوجد في قرنةٍ من هذا المجرور مكتباً ما زال يعمل، هدفه مكافحة الجرائم المعلوماتية والدفاع عن هيبة الدولة ورئيسها ومرشدها ومصرفيّيها، مكتب خلص بأنّ كلمات كـعرص وكسمه وسحل ويا ختيار الجن والله كبير بس الثورة أكبر وغيرها تشكّل الخطر الأكبر الذي نواجهه اليوم. بات المجرور بلا سكر، ولكن هذا ليس عذراً للتخلي عن اللياقات الاجتماعية. فحتى ونحن ننغمس أكثر فأكثر بخيراته، ما زال لقب عون «فخامة الرئيس».

يقطع النهار ولا يخفّ تدفُّق المجرور. ولكن بين الحين والآخر، نلتقط لحظاتٍ نادرة من اللذّة، كلحظة احتراق مصرف أو منظر سياسي وهو يطرَد من مطعم أو سماع شتيمة جماعية لجبران باسيل أو النظر إلى نصرالله وهو يصرخ من وراء شاشة مدركين أنّه مهما فعل، فإنّه قابعٌ معنا في المجرور.

آخر الأخبار

الجمعية الوطنية الفرنسية تعترف بمجزرة 1961 بحقّ مظاهرة الاستقلال الجزائرية
الليلة الخامسة من تحرّكات الأردن
إسرائيل تقصف حلب وتقتل 38 شخصاً، بينهم 5 عناصر من حزب الله
تحرّكات «بالستاين أكشن» تنجح
تراجُع أميركيّ يفتح الباب لاجتياح رفح 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/3/2024