تحليل ثورة تشرين
خليل عيسى

رحلة الوعي المزدوج

29 كانون الأول 2019

بعد ثورة 17 تشرين الأوّل، ظهرت قطيعة باتت تتشكّل من خلال انشطار حادّ في الرؤية السياسية والثقافية للبنان. لعلّ أساس هذه القطيعة الاجتماعية هو التغيُّر الجيليّ، إذ حدث انفصال تامّ في وعي شبّان وُلدوا بعد الألفية الثانية عن رؤىً سادت جيل آبائهم وأمّهاتهم. وكانت الأزمة الاقتصاديّة التاريخيّة هي التي دفعت هذا الجيل الجديد للتعبير بالاحتجاج. أما البنية التوزيعيّة للموارد التي آلت للسقوط خلال السنوات الأربع الماضية، فهي النظام الزعاماتي اللبناني. هذا الانشطار، وبقدر ما تبيّن أنّه واقعٌ على مستوى البنى الاقتصادية والمؤسساتية، أي في تلك الأشياء التي تتحدّد خارجَنا، حدثَ كذلك بنسبة تزيد أو تنقص في وجداننا، إذ بات لكلّ لبنانيّ ولبنانيّة، بعد 17 تشرين، ذاتان متصارعتان. لا أقصد بذلك الذات بالمعنى السيكولوجي المحض، بل أعنيها من خلال استعدادها الدائم للتفاعل مع محيطنا الذي تتحدّد من خلاله مصالحنا وأهواؤنا. هناك «ذات ما بعد 17 تشرين» تعطي الأولوية للمصلحة العامة مقابل «ذات ما قبل 17 تشرين» مبنيّة على أنّ مصلحة «زعيمي» هي المصلحة العليا الوحيدة. يبقى هذا الكلام تجريدياً إن نسينا أنّ الناس التي من لحم ودم تتساكن فيها عدّة ذوات وأفكار متناقضة. لذلك، ليس مستغرباً أنّ جزءًا ممّن كانوا يعتبرون أنفسهم من مناصري سعد الحريري باتوا بعد 17 تشرين الأول من أنصار «كلّن يعني كلّن» بشكل لا عودة عنه. وفي المقابل، فإنّ جزءًا آخر من المحتجّين عاد للخيار السياسي الذي كان عليه قبل 17 تشرين، أي «الحريري وبس».


تختلف الطريقة التي ينزل بها موالو الحريري لقطع الطرقات (ملثّمون، دراجات نارية) جذرياً عن احتجاجات ثورة تشرين المليئة بالمعنى الهادف والواعي لذاته. نزل جزءٌ من هؤلاء من تلقاء ذاته، لكن من المستبعد ألا يكون كلّ هذا، نظرًا لاتّساعه، مخطّطا له من قبل الحريري الذي صُدم عند تسمية حسّان دياب، وذلك عكس تصريحاته العلنية، أي تماما كما فعل حسن نصر الله مع من أُرسلوا الى ساحة الشهداء لتحطيم الخيم بعد انتهاء خطابه، رغم ادّعاء حزبه فيما بعد أنّ لا علاقة له بهم. يحاول سعد الحريري تحويل الثورة إلى «حريرية» ليضغط بها على نادي الزعماء لأنّه يعرف أنّ جزءًا من جمهور الثورة السنّي بدأ بالتموضع أيضا ضدّ «كلّن يعني كلّن». في مقابل هذا الوعي المزدوج الذي يتشكّل، كان هناك مسار ماكبيثيّ لسعد الحريري: هل أنّه لم يتخيّل أن يُقدِم ثلاثي حزب الله- أمل- عون على تسمية أحدٍ غيره؟ هل صدّق أّنّه الوحيد الذي «يمتلك علاقات دولية» تأتي بالمساعدات لحكومة يشكّلها هو، أي أنّه بعدما اخترع هذا العنوان التسويقي قام بتصديقه؟ ولماذا لم يسمِّ الحريري شخصًا آخر؟ هل لانّه يريد أن يأتي لرئاسة الحكومة من أجل إنقاذ نفسه من فقدان السيولة؟ أمام كل ذلك، ما يمكن للثوار أن يفعلوه هو ألا ينشغلوا بما يفعله مناصرو الحريري وأن يعملوا على تجذير الحراك الثوري وتوسيعه حيث ستدفع الظروف الاقتصادية القادمة بمنخرطين جدد لصفوف الثورة، مثل التقنين الكهربائي القاسي المتوقّع في 2020. المهمّ أن تميّز الثورة نفسها عن أتباع الزعماء، سواء أكانوا في السلطة مثل حسن نصر الله أم خارجها اليوم مثل سعد الحريري. وفي كلّ ما يحصل، على الثوّار أن يأخذوا بالحسبان أنّ رحلة خروجهم من الوعي المزدوج خلال الثورة هي رحلة غير مضمونة، وهي كما في اللاهوت المسيحي محفوفة بـ«التجارب» لكلّ لبناني ولبنانية.

آخر الأخبار

تراجُع أميركيّ يفتح الباب لاجتياح رفح 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/3/2024 
الخارجية الأميركية عن تقرير ألبانيزي: مُقرّرة معادية للسامية
حدث اليوم - فلسطين الخميس 28 آذار 2024 
اقتراح قانون شامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة
الادّعاء الإسباني يطلب السجن عامَين ونصف لروبياليس