تحليل ثورة تشرين
توفيق صافيه

سقوط عقيدة المساومة

1 تشرين الثاني 2019

درج القول بأنّنا كلبنانيين متّفقون فقط على ما لا نريد. لُقِّمتُ هذا الدرس منذ أيام المدرسة، وصفّ التاريخ بالتحديد، درس مفاده أنّ الوفاق الوطني جاء حلّاً تاريخياً لهذه المعضلة. تلقيت هذا الدرس، وإن بقيَ في ذهني تحذير جورج نقّاشعن حماقة التوقّف عند منطق المساومة (الظرفية) حين يسعى شعبٌ ما لوضع ميثاقه الوطني. ولكنّ هذا لم يمنع بقاء خلاصة الدرس، خلاصة مفادها إنّ علينا القبول بالقليل المتاح، لتعذُّر الأكثر المستحيل.


مع هذه الخدعة، كبرت مع جيلي في بلدٍ تحكمه الطائفية السياسية كقاعدة لا بديل لها. عشنا أسطورة التعايش (والتقاتل) مع «الآخر» من الطوائف الأخرى لاستحالة العيش معاً كمواطنين في مجتمع تعدّدي. سلّمنا بزعماء الطوائف (وقبضاياتهم وأزلامهم وذرياتهم) كالقيّمين الأحاديّين على السلطة، والأولياء في الحفاظ على هذه المعجزة لتعذّر حكم مبني على خدمة شعبٍ سيّد.

كانت الخدعة ناجحة لدرجة أننا لم نلاحظ، أنا وجيلي، أنّ أحلامنا في العيش معاً كمواطنين ينعمون بفرص متساوية للعلم والعمل والعيش بكرامة كانت متواضعة وممكنة. ورغم استحالة الممكن، حاولنا في مرات عديدة الاستيقاظ وإزالة اللحاف الثقيل الذي أبقانا دوماً متقوقعين في دفء انتماءاتنا المذهبية والسياسية الصغيرة. انتفضنا، فالتقينا في الساحات العامة، ونظرنا الى بعضنا بعضاً. تحدّثنا وتأكدنا أن حقوقنا (وواجبتنا) كمواطنين وسيادتنا كشعب ليست حلماً مستحيلاً ولا سراباً بعيداً، بل هي في متناول أيادينا، إن تكاتفنا.

وفي كل مرة، فهمنا أنّ الاستحالة الخادعة سببها زعماء لا يناسبهم أن يُساءلوا من قبل مواطنين في دولة قانون. فيبقون على وهم يشرّع احتكارهم للسلطة ومزاولتهم في تكديس ثروات لا مساومة على اختلاسها، هذه المرّة! ولكن في كل مرّة أيضاً تردّدنا، فعادت عقيدة المساومة والتنازل ومعها العجز. وأطلي علينا مجدّداً اللحاف المثقل بخوف أعمق من «الآخر» واستسلام أكبر للوضع السائد.


ها نحن قد استيقظنا مجدّداً. فقد أيقظنا هذه المرّة صريخ الأكثر فقراّ بيننا. لم يعد ممكناّ تجاهل هذا الصراخ، ولا تحميل الفقير مسؤولية فقره. أزلنا اللحاف مجدداً، فتمادي الحكّام في فسادهم لم يعد يخفيه ستار. واتّفق اللبنانيون مجدّداًعلى ما لا يريدون: كلّن يعني كلّن. عدنا، وبأعدادٍ أكبر، الى الساحات العامة التي تضاعفت في احتضاننا، في كل أرجاء الوطن، للمطالبة برحيل الطبقة الحاكمة.

هذه المرّة، لن نساوم. فالعودة الى النوم والاكتفاء باللحاف الخانق سيجلب موت الحراك ونهاية الأمل بأي نهوض آخر. باتت الخدعة واضحة وبهلوانيات الحكم مقرفة وطاقة الانتفاضة ساحقة. من الضروري الحفاظ عليها (مع كل هتافاتها، مبادراتها، نكاتها، وقاحتها، عفويتها). فعلى خلاف المواعظ الكاذبة لرموز الحكم الساقط، الإصلاح لا يأتي الّا من الشعب في ساحاته.

طاقة الساحات المحتشدة اليوم هي التي ستنقلنا من استحالة الممكن إلى حتمية الطموح.

آخر الأخبار

تراجُع أميركيّ يفتح الباب لاجتياح رفح 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/3/2024 
الخارجية الأميركية عن تقرير ألبانيزي: مُقرّرة معادية للسامية
حدث اليوم - فلسطين الخميس 28 آذار 2024 
اقتراح قانون شامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة
الادّعاء الإسباني يطلب السجن عامَين ونصف لروبياليس