نقد ثورة تشرين
وائل عبد الفتاح

عندما يأكل الناس الكتالوج

25 تشرين الأول 2019

لم ألحظ علم حزب الله في الفراغ الذي خلف حسن نصر الله. فراغ أزرق لا يزاحمه سوى علم لبنان. هل يتكرّر هذا التصميم كثيرًا، أم أنّها عدوى الحراك/ الثورة/ العصيان؟ هي عدوى فعلًا؛ لدرجة أنّ السيّد كان يعاني جفاف الحلق واللسان، وهو الخطيب المفوَّه. أمير أمراء الخطابة فيما بعد الثمانينيات. ربّما كان وحده تقريبًا في مسابقات «سوبر ستار» الجماهير التي تنتظر بطولة. السيّد في دور جديد، سلطويّ، خلَّفه فراغ لم يعتده. بلا زهوة المقاومة… بعد رحلته المثيرة لإنقاذ بشار. ها هو ذا؛ سلطويّ كامل الأوصاف في خطاب مستعار بالكامل من مواريث السلطوية العربية الرشيدة. وبعدما كان محتكِرًا للمقاومة يقف في صف واحد مع خصومه، معلنًا احتكار السلطة، ومدافعاً عن مشاريع النيوليبرالية في نسختها «الركيكة».


هل جفاف الحلق له علاقة بأنّ السيّد حسن يلوك بضاعة منتهية الصلاحية؟

ترتفع حدّة الارتباك عندما يستخدم الـ«نا» الجماعية. مَن تخصّ هذه الـ«نا»؟ لا بدّ أنّه كان مُحتاجًا إلى تدريب على خطاب جديد؛ فالهندسة السياسية والاجتماعية تغيَّرت، والزمن لم يعُد كما كان قبل 9 أيام.

لم يعُد هناك مجالٌ لترميم الصيغة التي حُكِم بها لبنان (كجزء من خطة سايكس وبيكو للمنطقة). أيّامَها، كانت حصص الطوائف حلًّا. لكنّها الآن لم تعُد فاعلة. ليس من الممكن أن ترمّمها فانتازيا المقاومة، أو حتى رعاية »سيّد المقاومة» لأحلام الجنرال السعيد بأمجادٍ لم يعرفها سواه… هذه «السيادة» و«التسيُّد» على قائمة الانقراض…مَن جعلكم أسياداً؟ نسأل بضمير المتفرّج. ومَن هم العبيد إذا كنتم أنتم الأسياد رعاة الأمجاد وحدكم؟… وهل هناك ركاكةٌ أكثر من أن تتلخّص خطّة «إنقاذ تحالف»المصرفيّ مع الشيخ البطل والجنرال العجوز في: ترقية لبنان إلى مصاف شقيقاتها من السلطويات المنقرضة؟ خلطةٌ هي أكثر من كونها تحالفاً، وماضٍ لا يريد أن يمضي، ولا يمكنه أن يكون مستقبلاً إلا للاستثمار في الخراب.


خراب؟ هل مِن بعده شيء؟
لا تضحكني طقوس إعلان الولاء للخميني وخامنئي في قلب بيروت، أو استعارة الحريري الصغير ثقل روح تركي آل الشيخ. لا تضحكني ولا تبكيني. تثير فيَّ مشاعر أعرفها جيّدًا؛ مزيجًا من السأم والغضب المضغوط، وقليلاً من عدمية محبّبة في مواجهة جدية العالم السلطوي؛ خصوصًا وأنّ استعراضاته التي يوغل منظّموها في حشوها بالمعاني لا تصطاد عندي سوى الهلس.

نعم الجدية الفارغة؛ القاسية؛ جدية الزعماء وقدرتهم على الأمر والنهي… الموعظة والحنان… وكل ما يتطرّفون فيه ليثبتوا أنّ صيغتهم لا تزال فاعلة، مع أنّ مقاعدهم مُعلّقة في فراغ، وجمهورهم تآكلت أرواحه.


الصور من لبنان عرّفتني إذن لماذا كتبتُ ذات يوم: المرح لا الأمل. كيف نشعر بلذّة لهو الطفولة ونحن نرى الأصنام تتحطّم، لتخرج منها أجساد صغيرة تعلن فرحتها بالشارع، وتعيد بناء جسدها الحي في الشارع. هل رأيت طائر الفينيق العائد من رقدته؛ الجنرال ميشال عون بعد أن صار حطامًا سلطويًّا. هل رأيتَ السيّد حسن وهو يطارد صورته كبطل مهيب يحمل الرمح قبل لحظة من غرسه في جسد العدو. صورة بهتت مع الزمن، وهي التي طالما لعبت على تثبيت الزمن عند لحظة البطولة. هذه فقرة المرح في سيرك المتوحّشين، حيث تتحطّم الفانتازيا سريعًا. هذه فقرة تمزيق كتالوج المواطن الصالح. ابن طائفته المتماهي مع زعيمه المخلص لتعاليم كأنّها القدر.

هذه الفقرة جديدة. بلا كتالوج. هذه الفقرة يأكل فيها الناس كتالوجات الوعظ والإرشاد وإخفاء الذوات… على مهل… على مهل جداً.

تُنشَر بالاتفاق مع موقع مدينة

آخر الأخبار

خطف, ابتزاز , تعذيب 
25-04-2024
تقرير
خطف, ابتزاز , تعذيب 
شاب سوري يروي تفاصيل جريمةٌ منظّمة
نتنياهو: الجامعات الأميركية تذكّرنا بجامعات ألمانيا النازيّة
حدث اليوم - فلسطين الاربعاء 24 نيسان 2024 
صور جديدة تكشف «ضربة أصفهان»
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 24/4/2024 
المخيّم الذي صار دخاناً
24-04-2024
أخبار
المخيّم الذي صار دخاناً