تعليق طرابلس
صهيب أيّوب

مليارديرات ومفلسون

11 كانون الأول 2020

يقول أحد مستشاري نجيب ميقاتي (المجهولين) لمراسلة الـ«فايننشال تايمز»، كلوي كورنش، في تقريرها الصادر في الرابع من اكتوبر الماضي، بعنوان «طرابلس: مليارديرات ومفلسون»:

مهما أنفق آل ميقاتي وآل الصفدي، فهذا لا يكفي، وهناك حاجة لخطة مناسبة تضعها الحكومة.

يعرف هذا المستشار وجهًا واحدًا للحقيقة التي يريد تبنيها، هو الذي لا وجه له في المقابلة ولا اسم. فهو، ككثير من مستشاري ميقاتي، من عائلات طرابلسية برجوازية (لم تعانِ يومًا الفقر ولم تعرفه)، أو لديهم ارتباطات عائلية مقربة مع عائلته، المحافظة والثرية. وهي العائلة التي وصل عبرها هو وشقيقه طه، ليصبحا مليارداريين في أفقر مدن المتوسط، والتي فيها أعلى نسب البطالة والأمية والتسرب المدرسي، إضافة الى المشكلات الاجتماعية والنفسية المتضخمة نسبة الى الحرمان والإفقار اللذين وُضع تحتهما أبناء الطبقة المسحوقة، وهم غالبية سكان هذه المدينة.

كلام المستشار، الذي لا بد أنه حقق ثروة ولو صغيرة من الميقاتية السياسية، يتقاطع تمامًا مع تأثيرات، ما يمر فيه لبنان، من أزمة في نظامه الإقتصادي. ويحيلنا حديثه الى انعكاسات هذه الأزمة على الشارع اللبناني، خصوصًا على شرائح الفقراء في مدينة ترتفع فيها نسب الفقر لتشمل 57 في المئة من مجمل سكانها. فالسؤال الجوهري الذي يسأله اللبنانيون اليوم، كيف ستنعكس مفاعيل هذه الأزمة عليهم مباشرة؟ فخارج الأرقام والمؤشرات التي لا يفهمونها، هناك هلع مريب، واعادة سؤال حول كيفية الاستفادة من جيوب السياسيين والأحزاب التي ثاروا عليها قبل أشهر، لسد ديونهم وإفلاسهم ولإطعام أولادهم الجوعى.

لا بد أن للطرابلسيين، قبل هذه الأزمة الحادة، تاريخًا طويلاً مع هذا النظام الاقتصادي الفاشل الذي أضعفهم، لا بل كان يتوجه لهم بضربات قاسية، سمحت لحيتان المال من اولاد البرجوازية الطرابلسية وقدامى التجار في النظام العثماني، بالدوس على أرواحهم. فلم تحظَ المدينة بأي مشروع تنموي أو بافتتاح مصنع ولو صغير لصناعة الاحذية. وتم استخدام فقر أهلها، الذي أنتجته الحكومات المتعاقبة وسياساتها الاقتصادية، لجعل ناس المدينة تحت رحمة حيتان المال الطرابلسيين. تحت اللقم المغمّسة بالذل، والتي تعطى نتفًا على شكل إعاشات ومساعدات عينية وخدمات، استفاد هؤلاء من عدم توافرها في النظام الاقتصادي، ليشكلوا بديلاً عنها وليتفرعوا في أحكامهم القبضة على أفواه الجائعين.

كان الجوع هو الخطاب الذي سمح لهؤلاء في شراء الذمم والأصوات الانتخابية ولاحقًا في استخدامهم سياسيًا وأمنيًا. فالفقر دفع متبطلين في المدينة الى الانضمام لمجموعات جهادية، أمّنت لها (الزعامات التقليدية في المدينة) الغطاء الأمني. فتمّ سلب حياة شبان ما زالوا يعانون الى اليوم من سجلات عدلية أو من نبذ من المجتمع ومن قطاع العمل أو من معس أحلامهم. فباتوا يكرهون هذا اللبنان اللاعادل واقتصاده المجحف الذي سرق من مدينتهم أجمل ما فيها وأرهقها ودفع بميليارديراتها إلى سرقة املاكها البحرية وشراء ابنتيها الأثرية وبساتينها التي اقتلعوا منها اشجارها وزرعوا مكانها مشاريع من الإسمنت.

اليوم، قبل أي لحظة سابقة في التاريخ اللبناني، سيستفيد هؤلاء (ميقاتي، صفدي، الجسر، كبارة، فاضل، وغيرهم)، ومعهم تجار الدم والمال، من انتكاسات الوضع الاقتصادي ليعيدوا الناس إلى أبوابهم، ولإعادتهم بالذل وبعيون حاقدة، كي يتسولوا أمام مكاتبهم. فأوّل مفاعيل هذه الأزمة أنها ستدفع الناس دفعًا، بسبب الجوع الكافر، إلى السياسيين والوقوف تحت سكاكينهم.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين  الجمعة 19 نيسان 2024
«لا مجاعة في غزّة»
جعجع: الأمن الذاتي بحجّة مكافحة النزوح السوري
اجتياح رفح 
الإفراج عن الأكاديمية نادرة شلهوب كيفوركيان
خوفاً من مذكّرة اعتقال دولية