يوميات ثورة تشرين
أمل ديب

يوميّات الثورة عن بعد

31 تشرين الأول 2019

إنها الساعة السابعة بتوقيت برلين. إنها الساعة الثامنة بتوقيت الثورة.

برلين

أستيقظ من دون منبّه. لم أحتج إليه منذ السابع عشر من تشرين. بالأحرى٬ لم أحتج إلى النوم منذ ذلك اليوم٬ أنا التي كنت أنام أكثر من سبع ساعات وأحتاج إلى أكثر من منبّه كي أستيقظ. أفتح عينيّ٬ وأبدأ جولة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة آخر الأخبار. أشاهد تقريراً عن «ثورة السفارات» لإعلام «العهد» وأضحك ضحكاً هستيرياً.

أبدأ بتحضير القهوة وأنا أسمع أحوال قطع الطرقات عبر بثّ مباشر لإحدى القنوات اللبنانية. أشعر بالارتياح أن الطرقات لا تزال مقطوعة. مراسلون في جميع المناطق يسألون قطاع الطرق الثائرين والثائرات لماذا هم وهنّ في الشارع اليوم. أفكّر مستنكرة: ما هذا السؤال؟! أليس ذلك واضحاً بعد؟ ينقطع البثّ٬ لحسن الحظّ٬ فالقهوة تغلي ولم أكن منتبهة.

لبنان

اتصال هاتفي من أخي يعدّل مزاجي. يبدأ الاتصال بنشيد الهيلا هووو. يفتح الفيديو. من أي طريق أو ساحة يكلّمني اليوم؟ يأخذني في الجولة الصباحية من ساحة الشهداء إلى ساحة رياض الصلح. أطفال ينظفون الطرقات هنا٬ باعة يستقدمون عرباتهم هناك٬ رسوم غرافيتي جديدة٬ وناس يسلّمون على أخي. أسأله من هؤلاء؟ لا يعرف أسماءهم. يلتقون كل صباح في الساحة ويتبادلون السلام. أبدأ بالبكاء من غير سبب. تأخّر موعد البكاء اليوم. وتأخرت على الدوام!

برلين

أخرج من المنزل بسرعة. أضع سماعات الأذن من جديد. أمشي باتجاه محطة المترو وأكاد أصطدم بالمارة. أتصل بشريكي٬ هو الآخر المتغرّب في بقعة أخرى. أتحدث وأنا على شفير البكاء مرة أخرى. يهدّئ من روعي. يقول سيرسل لي فيديو مفرحاً من النبطية. فيديو مفرح٬ لنرَ. أشاهده وأعود للبكاء.

خلال ساعات الدوام أسترق النظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي. كل منشور٬ كل صورة٬ كل فيديو يعيدني إلى دوامة المشاعر المتقلبة. أتحدث مع أصدقاء في مناطق عدة في لبنان لأطمئن عليهم٬ وأطمئن منهم ومنهنّ على الثورة. هم وهنّ بخير والثورة بألف وخمسمئة خير. أتحدث مع أصدقاء آخرين متغرّبين. أحدهم حجز تذكرة إلى بيروت. لم يعد يتحمّل مشاهدة الثورة عن بعد. أشجّعه وأحسده. أطلب منه أن يرسل لي صوراً مباشرة من الساحات. صديقة أخرى ترسل لي رسالة صوتية. تريدني أن أهتف عنها في الوقفة التضامنية في برلين. هي مقيمة في دولة خليجية ولا تستطيع التظاهر. أشعر بقليل من الامتنان لوجودي الآن في بلد أستطيع أن أهتف فيه بحرية. نسيت الهتافات! عليّ أن أحضّر لائحة بأسماء الفاسدين كي نشتمهم. سأشتم الجميع حتى لو أزعج ذلك البعض. لا بل لأن ذلك يزعج البعض. هي ثورة على كلّ المحظورات.

لبنان

ترسل لي والدتي بعض الصور. هي في ساحة الثورة في طرابلس. تتظاهر للمرة الأولى. تقول لي: هالمرة غير يا ماما. أزور صديقتي الفلسطينية. نجلس سوياً ونفتح بثاً مباشراً لإحدى القنوات. نتابع بنهم. تسألني «أين جل الديب؟» فأشرح لها. أعدها بأني سأطبع خريطة لبنان وأحدد عليها التقاطعات والساحات وأعلقها على الحائط. نضحك معاً. ثم نحزن. هي لا تستطيع زيارة لبنان. أعدها بأنها ستفعل ذلك يوماً ما.

برلين

أعود إلى البيت وأنا منهكة. كيف أسمح لنفسي أن أتعب وأنا لست في الشارع مع الثوار؟ لن أتعب. أستجمع قوتي وأعود أدراجي إلى وسائل التواصل الاجتماعي. حان وقت الجولة الليلية بتوقيت الثورة. لم يتحدث أي مسؤول سياسي اليوم. غير مهم. ليذهبوا جميعاً إلى الجحيم. الطرقات لا تزال مقطوعة٬ الرفاق لا يزالون في الساحات. الثورة بخير. أنا بخير. غداً يوم آخر٬ غداً أمل آخر. غداً موعد آخر مع قلوب أزرعها هنا وهناك على جدران الفسيبوك الوهمية٬ علّها تشعرني بأنّي أقرب إليهم وإلى الثورة.

آخر الأخبار

غوغل لموظّفيها
الشرطة الإسرائيلية تعتقل الأكاديميّة نادرة شلهوب-كيفوركيان
الكونغرس يحاصر جامعة كولومبيا بتهمة التساهل مع معاداة السامية
السؤال الأبسط للخارجية الأميركية
ما فوق الإبادة
إعدام المخرّبين هو الحلّ لمعالجة مشكلة اكتظاظ السجون.