تحليل مونديال 2022
زياد ماجد

أبرز المنتخبات المرشّحة للّقب الثاني والعشرين (2)

16 تشرين الثاني 2022

نستعرض في الجزء الثاني من هذا النص التعريف بأبرز المنتخبات. وسنتطرّق هنا إلى أحوال ستة منها، بعد أن تطرّق الجزء الأول إلى أحوال البرازيل وفرنسا والأرجنتين وألمانيا.


5 إنكلترا 

وصلت إنكلترا إلى نصف نهائي كأس العالم العام 2018، وإلى نهائي كأس أوروبا العام 2020، في إنجازين لها غير مسبوقين منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. ويعكس الأمر تطوّراً في فاعلية الكرة الإنكليزية التي بدت على الدوام على صعيد المنتخب الوطني بعيدة عن مستوى الدوري الإنكليزي حيث الكفاحية والتنافسية هي الأعلى أوروبياً. ولعلّ السبب الأول هو نجاح المدرّب ساوثغيت في إيجاد توليفة بين لاعبين مخضرمين وآخرين صاعدين، وتعديله أسلوب اللعب الإنكليزي الكلاسيكي (بتمريراته الطويلة هجومياً والالتحام والمجابهة المباشرة دفاعياً) الذي لم يعُد منذ سنوات طويلة مجدياً لعدم تفوّق الإنكليز على خصومهم الأقوياء بدنياً. وقد اعتمد ساوثغيت أساليب لعب تحاكي قدرات لاعبيه وتتعامل مع خصائص لعب منافسيه، بما عرّضه رغم نجاحه في تحسين نتائج إنكلترا إلى انتقادات عابت عليه الإكثار من تجربة الخطط والتشكيلات.

على أن المنتخب الإنكليزي ينفرد في كونه الوحيد بين المنتخبات الكبرى الذي يلعب جميعُ لاعبيه في دوري بلاده (باستثناء نجم خط وسطه الصاعد بيلينغهام الذي يلعب في دورتموند الألماني). وهذا يعطيه دفعاً كبيراً لأن اللاعبين يعرفون بعضهم وقدراتهم، ويتواجهون دورياً خلال المسابقات الوطنية. كما أنه يملك خط هجوم فعّال بقيادة هاري كاين، وخطّي وسط ودفاع جيّدين مع لاعبين مثل غالاغار وفيليبس وووكر وبن وايت. المقلق بالنسبة للانكليز هو أن مباراتهم الأخيرة لم تكن موفّقة، وشهدت خسارة كبيرة أمام هنغاريا بأربعة أهداف نظيفة،وتعادلاً مع ألمانيا سجّلوا فيه ثلاثة أهداف لكنهم تلقّوا مثلها. وهذا يطرح عليهم تحدّي الثبات على مستوى يتحسّن اضطراداً خلال كأس العالم من دون تذبذب أو نكسات.


6 إسبانيا

تخوض إسبانيا كأس العالم 2022 بعد خيبتين كبيرتين في العامين 2014 و2018 تلتا فوزها بكأس العام 2010 وتسيُّدها الكرتين الأوروبية (فازت ببطولتي أوروبا 2008 و2012) والكونية. واستدعى المدرّب لويس إنريكي لاعبين معدّل أعمارهم منخفض، وليس بينهم من الجيل الذهبي سوى بوسكيتس، قائد المنتخب. وإذا كانت الموهبة والحيوية وقدرة الاستحواذ على الكرة وفرض إيقاع اللعب هي ما يميز التشكيلة الإسبانية، بمشاركة رباعي برشلونة بيدري وغافي وفاتي وتوريس (وجميعهم دون الثالثة والعشرين من العمر) وخلفهم كاربخال وألبا المخضرمين كظهيرين، إلا أن نقص الخبرة الدولية لدى المجموعة ككلّ وتراجع مستوى الأندية الإسبانية في العام الحالي (لم يتأهّل من بينها في بطولة الأندية الأوروبية إلى الدور الثاني سوى ريال مدريد)، إضافة الى الرتابة في التمريرات التي تُنهك الخصوم وتجبرهم على الجري وراء الكرة لكنّها لا تصنع الكثير من فرص التهديف، تبدو نقاط ضعفٍ سيستغلّها منافسو إسبانيا، وفي مقدّمهم ألمانيا في الدور الأول. والأرجح أن يعمد أنريكي إلى إشراك لاعبين قنّاصين وقادرين على الضغط الهجومي والارتداد الدفاعي (مثل موراتا وكوكي ويورينتي وأسونسيو) لمفاجأة خصومه بلعب عمودي وتمريرات في العمق كلّما أحسّ بخطورة الموقف.


7 البرتغال

لم يقتحم البرتغال نادي حاملي كؤوس العالم مرّةً في تاريخه، رغم أنه عرف أجيالاً كان في عدادها بعض من أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم، من أوزيبيو الى كريستيانو رونالدو مروراً بكولونا وباولو فوتري وروي كوستا وديكو ولويس فيغو. وهو سيخوض كأس العالم هذه مدجّجاً بتشكيلة لاعبين مبهرة، فيها بالطبع كريستيانو وثلاثي مانشستر سيتي كانسيلو ودياش وبرناندو سيلفا وصانع ألعاب مانشستر يونايتد فرنانديز، وفيها أيضاً نجم ميلان الشاب رافايل لياو ولاعب أتلتيكو مدريد جواو فيليكس وعدد آخر من نجوم الأندية الأوروبية وناديي بنفيكا وبورتو البرتغاليين.  

ورغم اكتمال هذه التشكيلة وغنى خطوطها بالنجوم، إلا أن نتائجها في الآونة الأخيرة لم تصل الى مستوى الآمال المعقودة عليها من محبّيها، وتراجع أداء كريستيانو في معظم المباريات، وخسر البرتغاليون عدة مواجهات مع فرق قوية أو متوسطة (إسبانيا وبلجيكا وسويسرا وصربيا) وتعادلوا مع فرنسا وإيرلندا ولم يفوزوا سوى على فرق محدودة الإمكانيات (تشيكيا ولوكسمبورغ وتركيا ومقدونيا الشمالية). 

وهذا يطرح على المدرّب سانتوس تحدّي إحراز نتائج جيّدة في الدور الأول (في مواجهة منتخب الأوروغواي القوي ومنتخبي نيجيريا وغانا الأقل قوة) ليمنح جرعة ثقة للاعبيه ترفع اضطراداً من مستوى أدائهم وتتيح مواصلة مشوارهم في البطولة. 


8 هولندا 

بلغت هولندا المباراة النهائية لكأس العالم ثلاث مرّات، خسرتها جميعها، رغم استحقاقها الفوز مرّة على الأقلّ، العام 1974، حين أحدث أسلوب لعبها ثورة في عالم كرة القدم قادها على الملعب يوهان كرويف (الذي أصبح لاحقاً المدرّب الأكثر تجديداً في تاريخ كرة القدم).

وصدّرت هولندا أعداداً كبيرة من اللاعبين الموهوبين الى النوادي الأوروبية جميعها، جرى تكوينهم في أفضل مدارس التدريب، في أجاكس وفيينورد وإيندهوفن، ولعبوا طيلة سنوات أدواراً هامّة في نواديهم في إيطاليا وإسبانيا وإنكلترا وألمانيا، من دون أن ينعكس الأمر على المنتخب الهولندي لجهة الإنجازات أو النتائج. ولعلّ ما يجري منذ عامين، أي منذ عودة فان غال لتدريب المنتخب، وبروز جيل جديد من اللاعبين لا نجوم كباراً بينهم، باستثناء مدافع ليفربول فان دايك، هو إعادة بناء الكرة الهولندية لتصبح أكثر تعلّقاً بالنتائج منها بالأداء، مع لاعبين شباب يلعب نصفهم في النوادي الهولندية، والنصف الآخر في نوادٍ كبرى إنكليزية وإيطالية، ثم ألمانية وإسبانية وتركية. 

يسعى فان غال الذي لم يخسر أي مباراة منذ حزيران 2021 (فاز في 12 مباراة وتعادل في 4)، أن يطبّق خططاً مع اللاعبين هؤلاء في الدور الأول عند مواجهة الأكوادور والسنغال وقطر توصله الى التوليفة الأفضل ابتداء من الدور الثاني للتقدّم أكثر في مراحل البطولة. وقد تكون نقطة ضعف الهولنديين هي في كونهم لم يواجهوا منتخبات قويّة (ما عدا ألمانيا وبلجيكا) خلال العام الفائت، ولن يواجهوا منتخبات كهذه قبل الدور الثاني من كأس العالم الذي يصعب ألّا يتأهّلوا إليه. وهذا يعني أن دفاعهم لم يُختبر كفاية في مواجهات كبرى وتحت ضغط نفسي كالذي يتسبّب به كأس العالم، ولا تبلورت خبرة خطّ وسطهم في التعامل مع ظروف المباريات الصعبة، ولَو أن فيه لاعبين بارزين مع نواديهم (مثل تايلور ودي يونغ ودي رون في أجاكس وبرشلونة وأتالانتا). وتعويلهم على قوّة هجومهم الذي نجح في التسجيل في جميع مبارياته، بلا استثناء، منذ تشرين الأول 2020 (أي في 25 مباراة رسمية وودّية) قد لا يكون كافياً إن لم يثبُت الدفاع للتقدّم نحو الأدوار الأخيرة للبطولة.


9 بلجيكا

تملك بلجيكا فريقاً فيه الكثير من اللاعبين الممتازين في العديد من المراكز. فمن حارس المرمى كورتوا، إلى صانع الألعاب (وأحد أفضل لاعبي الوسط في العالم) دي بروين وصولاً إلى المهاجم لوكاكو، ومروراً بالمتراجع مستواه منذ ثلاث سنوات والساعي إلى إثبات قدراته من جديد إيدين آزار، يستطيع البلجيكيون اعتبار فريقهم منافساً على المربّع الذهبي لكأس العالم 2022 تماماً كما كان الحال عند بلوغه نصف النهائي قبل أربع سنوات. كرتهم سلسلة تمريرات يحسن دي بروين ضبطها وتغيير وجهتها وتسريع وتيرتها، إذ يُجيد تحليل موازين القوى في الملعب ودفع زملائه للتموضع واللعب في المساحات التي يستطيعون التفوّق فيها على خصومهم. وتفاهمه مع معظمهم للعبهم سوياً في المنتخب منذ سنوات يسهّل مهمّة انتقال الفريق بتمريرات قليلة من الدفاع الى الهجوم، وهي أصعب مهمّة عادة وأخطر واحدة (وهي شكّلت مفتاح فوز مانشستر سيتي في معظم مبارياته منذ تولّي غوارديولا تدريبه، بقيادة دي بروين نفسه). غير أن بلجيكا قد تعاني من ضعف في صفوف البدلاء في خطّي الوسط والهجوم. وهذا يفرض عادةً تحدّياً كبيراً على الجهاز الفني، خاصة إن كانت البطولات طويلة أو إن فرضت المعطيات أو الإصابات تبديلات لا تؤتي ثمارها.


10 كرواتيا

قدّم المنتخب الكرواتي أفضل العروض الجماعية في كأس العالم 2018 وبلغ المباراة النهائية بكفاءة عالية. وما زال الفريق بعد أربع سنوات متماسكاً، وحقّق في العامين الأخيرين نتائج جيدة ضد فرق قوية ومتوسطة (هزم فرنسا والدنمارك وروسيا واسكتلندا) في مباريات رسمية وودّية، ولم يخسر في أكثر من عشرين مباراة خاضها سوى أمام إسبانيا والنمسا وبلجيكا (التي ستكون منافستُه في مجموعته في الدور الأول). ويعوّل الكروات بالطبع على أحد أفضل اللاعبين في العالم، صانع ألعاب ريال مدريد لوكا مودريش، وعلى مجموعة لاعبين من حوله، مثل كوفاسيتش وبازاليتش، وأمامهم مهاجمون قنّاصون ولو أنهم ليسوا أحسن عناصر المنتخب. على أن كرواتيا تتلقّى الكثير من الأهداف، ونادراً ما تنجح في إبقاء شباكها نظيفة حتى في حالات فوزها على خصومها. وهذا يطرح مشكلة تخصّ خط الدفاع وقدرته على التنسيق مع خطّ الوسط عند فقدان الكرة أو التعرّض لضغط هجومي.


كرواتيا، ومثلها بلجيكا وهولندا والبرتغال وإسبانيا وإنكلترا، تملك حظوظاً إذاً للعب أدوار بارزة في الكأس بعد أيام. وربما تكون الأوروغواي أيضاً على مقربة فنّية من الستّة المذكورين، الذين سينافسون ألمانيا والأرجنتين وفرنسا والبرازيل على اللقب الأغلى.

يبقى القول إن المفاجآت لا تحدث كثيراً في كؤوس العالم. وإذا كان من الممكن لمنتخبات شديدة الانضباط والتنظيم أن تتقدّم في مراحل البطولة أو أن تُخرج منتخبات أقوى منها أو أوسع خبرة، إلا أنه لم يسبق أن فاز منتخب بكأس عالم لأوّل مرّة في تاريخه منذ رفع الأرجنتين الكأس العام 1978، سوى فرنسا في العام 1998 وإسبانيا في العام 2010. كل المنتخبات الباقية التي فازت بالكأس منذ الثمانينات وحتى اليوم سبق أن فازت بها قبل ذلك بسنوات أو عقود. ولا يوجد حالياً ما يدفع للاعتقاد بتغيير وشيكٍ لهذه «القاعدة».

آخر الأخبار

تراجُع أميركيّ يفتح الباب لاجتياح رفح 
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 28/3/2024 
الخارجية الأميركية عن تقرير ألبانيزي: مُقرّرة معادية للسامية
حدث اليوم - فلسطين الخميس 28 آذار 2024 
اقتراح قانون شامل لمناهضة العنف ضدّ المرأة
الادّعاء الإسباني يطلب السجن عامَين ونصف لروبياليس