تتالت الحلول الوهمية للأزمة اللبنانية من دون جدوى، حتّى باتت وتيرة انهيارها أسرع من وتيرة انهيار النظام وعملته.
سقط أيضًا وهمُ النفط والغاز، بعد سنوات من الهوبرة الإعلامية. وسقط معه وعد تحويل لبنان إلى بلد نفطي.
تتالت أوهام الخطط الإصلاحية، ولم تعد تتعدّى كونها اقتراحات على ورق. حتى واضعوها لم يصدّقوا أنّها ستشكّل أي مدخل جدّي للإصلاح.
جاء آخر وهم مع صندوق النقد الدولي، وهو الذي انهار مع تعثّر المفاوضات ومعها الحلول البسيطة المبنية على جرعة غير مشروطة من العملات الصعبة.
لم يجد النظام، في النهاية، إلا مرشده لكي يحاول ابتكار وهم جديد، أخذ شكل الاتجاه شرقًا. وهمٌ لم يدُمْ أكثر من مدّة الخطاب نفسه.
سقطت أوهام مملكة الـ1515، ومعها أي إمكانية لإصلاح هذا النظام. فأصبح رقم الـ1515 عنوان الوهم وشرط التلاعب الذي بات طريقة عمل الاقتصاد اللبناني.
فتحوّلت شبكة أسعار الدولار، بين المصرف المركزي والمصارف والصيارفة، إلى مصدر القيمة الأخير في اقتصاد تحوّل من ريعيّ إلى اقتصاد مضاربة على كسور سعر الصرف.
وبات هذا التلاعب أيديولوجيا رسمية، كما ظهر من خلال الفروقات في تقدير الفجوات لدى المصارف التجاريّة والمصرف المركزي، حيث لم يعد هناك أي ثابت في هذا البنيان إلّا سعر الصرف الرسمي. أوهام في الواجهة وتلاعب في المضمون…
في ظلّ هذا الانهيار، لم يعد للنظام إلّا القمع والرقابة والإسكات لفرض أوهامه.
من استدعاءات الناشطين/ات والصحافيين/ات، إلى تجريم التطاول على مقام رئاسة الجمهورية، مرورًا بعودة تهم العمالة الغامضة والمدعومة من حملات التخوين من جيوش إلكترونية، بدأت تظهر معالم دولة أمنيّة مهمّتها الدفاع عن وهم النظام، دولة أمنية هدفها إرجاعنا جميعًا إلى مملكة الـ1515 وتأديبنا لقلّة احترامنا وإيماننا بهذا الوهم.
طفح كيل النظام من زعرانه، ولن يستطيع القيّمون عليه تهدئة الشباب ليتحمّلوا الشتيمة بعد اليوم، كما صرّح صهر العهد.
في مملكة الـ1515، لم يعد هناك إلّا الشتيمة، وهذا باعتراف النظام ذاته.
فمنذ بداية الثورة، كان الخط الفاصل بالنسبة للسلطة بين «الثوّار الطيّبين» والخارجين عن النظام هو الشتيمة. فما أزعج النظام لم يكن لجان التنسيق والبرامج الاقتصادية البديلة والاعتراض الرصين، بل «الشتائم والكلمات النابية» التي أسّست للشرخ مع النظام السائد. ربّما كان نقيب الثورة على حقّ حين صرّح أنّ الشتائم مخالفة لأخلاق مجتمعنا، مخالفة للأدبيات العامة، ولانتمائنا الحضاري... فهي عنوان الشرخ الذي أحدثته الثورة، وإن كان وضع نفسه في بيانه الأخير في صف الأخلاق العامة. ففي ظل مملكة الأوهام والتلاعب، لم يجد نقيب المحامين، الذي وصل إلى منصبه على ظهر صيحات «الهيلا هيلا هو»، إلّا أن يحذّر من «الشتيمة» في بيان يصلح أن يكون مقدّمة لكتاب التربية المدنية:
في سقطة غريبة، دخل «نقيب الثورة» على خطّ تأديب ثورته ليعيدها إلى أطر المعارضة المحترمة، أطر معارضة الـ1515.
الأخلاق العامة هي سعر الصرف الرسمي. أما الشتيمة، فهي سعر الصرف الفعلي، هي التعبير الأصحّ للواقع، وهي بنية الثورة. عليها تبنى المعارضة، وليس على لياقات الـ 1515.