تعليق الحرب على لبنان
صهيب أيّوب

حرب إسرائيل داخل حروبها 

سادية لعبة الفيديو

27 تشرين الثاني 2025

تتعامل إسرائيل مع الوقت الضائع مثل لعبة الدمى الروسية. داخلها رؤوس وأجساد. وكأن دولة الاحتلال في قياسات مقارباتها ونظرتها للعالم، تريد أن تقول شيئاً واحداً: لا قوة إلا للبطش ولا لغة سوى لحروب لا متناهية داخل الحروب. بمعنى دقيق: أخلق حرباً صغيرة في دائرة حروب صغيرة، تكون على تماس مع بعضها بعضاً وتتنافر، لكي تشكّل شبكة من الحروب التي تغذي بعضها، من دون بداية أو نهاية. 

وفي هذا التماس محاولة لكسب الوقت وكسب أرضية للمفاوضات القادمة، لا سيما أن الحديث عن التفاهمات الابراهيمية يعود إلى السطح منذ مدة. لكن أبعد من غايتها المباشرة، يهدف تشابك الحروب إلى ضرب الفارق بين حالتي السلم والحرب. فما عادا يشكلان أرضية أو أساساً في تعاملات إسرائيل العسكرية واستراتيجيتها. فمنطق سيطرتها الحالي لا يقوم على قدرة شنّ حرب أو إبرام معاهدة سلام، لكن باستمرار حالة الحروب المتشابكة، كنوافذ صغيرة وبؤر تستطيع من خلالها التهويل واللعب. 

كأننا داخل لعبة فيديو. 

ويبدو أن ما توفره ملامح الضربات الإسرائيلية الأخيرة، لا سيما عملية اغتيال هيثم الطبطبائي، تفيد أن لعبة الفيديو هذه، أقرب إلى مزاج مراهق، يلعب ويراقب، ويتفنن في ساديته. فالتصفية هذه ليست موضعية وحسب، بل محاولة لفتح مسار جديد. استغلال الهدنة واعتبارها فراغاً مدوياً، وإحداث فجوات في هذا الفراغ. كمن يرمي الحصى في بحيرة راكدة، ويوسع دوائرها. 

حرب جديدة تعيد إسرائيل إشعالها اليوم. 

في قلب هذا المزاج الإسرائيلي المحدث، إشارة واضحة للعهد اللبناني الجديد. لا تفاهمات راسخة. لا خطوط ثابتة. كل ما يبدو اتفاقاً قابل للتعطيل متى استشعرت تل أبيب أن خصمها يعيد لملمة قوته. بالنسبة لها، إعادة بناء حزب الله لقدراته ليست تفصيلاً. هي تهديد يتشكّل. مشروع يجب كسره قبل أن يكتمل. تشبه هذه الضربات عملية نحت صامتة في جدار حزب الله. لا ضجيج المجازر التي شهدها العالم في غزة. بل ضربات محسوبة. خفيفة على مستوى المشهد. ثقيلة على مستوى المفعول. ضربات تتسلّل من بين الكلمات الميتة لاتفاقات التهدئة، فتقلبها إلى مساحات عارية للاستنزاف.

تتحرّك إسرائيل اليوم بمنطق الحرب البطيئة. حرب تدار كما لو أنها برنامج طويل الأمد. مرحلة تجرّ مرحلة. ضربة تلحق ضربة. كل منها صغيرة بما يكفي كي لا تشعل جبهة شاملة، لكنها دقيقة بما يكفي لتهزّ الداخل اللبناني، وتربك ملامح العهد الجديد قبل أن يستقر. 

هنا، الهدوء ليس هدوءاً. بل غطاء. والأيام التي تبدو ساكنة ليست هدنة. بل ممرّات لوجستية نحو الضربة التالية. مدارج مفتوحة لحرب داخل الحروب. حرب تُبنى من فجوات الزمن لا من صرخاته. تبدو الاستراتيجية واضحة: منع الحزب من التقاط أنفاسه. كسر دورة ترميمه الداخلي. تقطيع الزمن الذي يحتاجه لإعادة بناء عظامه العسكرية. كل ذلك يحدث تحت سقف منخفض من التوتر. سقف مصنوع بدقّة. كأنّه واجهة لعبة فيديو تُدار بعقل بارد. شاشة صامتة، لكنها تدير حياة كاملة من الخلف. هنا القيادة أشبه بلاعب يمسك بذراع تحكّم، يضغط زراً، فتقع ضربة. يضغط آخر، فيرتبك طرف. لعبة تعتمد على التوقيت، لا على الضجيج. وباغتيال بهذا الحجم، تقول إسرائيل شيئاً إضافياً: الصمت الذي يخيّم على الحدود ليس سلاماً. هو فراغ سياسي. فراغ تريد ملأه وحدها. هو مساحة لفتح الدفاتر القديمة. مساحة لتصفية حسابات على مستوى القيادة. وكأنها تحاول أن تُذكّر الجميع، في الداخل اللبناني وخارجه، أنّ الهدوء ليس ضمانة. ليس حماية. ليس اتفاقاً. بل مجرّد أداة. أداة يمسكها من يريد أن يكتب القواعد. واليوم، تبدو إسرائيل كمن يقول بوضوح:

لن أسمح لأحد غيري أن يكتب هذه القواعد. لن أترك مساحة يتهيّأ فيها خصمي. لن أترك وقتاً يلتقط فيه أنفاسه. إنها ليست عملية عسكرية فحسب. إنها لعبة فيديو سوداء. لعبة تقوم على السادية الباردة. على التحكّم عن بُعد. على تحويل الدم إلى خيار استراتيجي، لا إلى فوضى عمياء. لعبة تُدار بمنطق الانتقام المؤجَّل. انتقام يتقدّم خطوة خطوة. بصمت. وبابتسامة سادية خلف الشاشة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً