تعليق حكومة الإصلاح والإنقاذ
صهيب أيّوب

سلاح حزب الله ونوّاف سلام 

بناء شرعية نظام مهترئ

5 أيلول 2025

الخطة الحكوميّة بين رفضَيْن

تتّجه الأنظار إلى جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة القادم، حيث تعدّ اختباراً لقدرة الحكومة على الاستمرار بخطة حصر السلاح في يد الدولة، في مواجهة ضغوط الثنائي الشيعي بعد فشل الاتصالات السياسية تحقيق أي توافق أو نقاط مشتركة، ومع تجدّد الاعتداءات الإسرائيلية في الجنوب وليس آخرها على جنود اليونيفيل.

الخطة الحكومية المسرّبة والمطروحة بصيغ متناسقة في الإدارة الأميركية وبعض العواصم الأوروبية والعربية، تقوم على مقايضة صريحة: سلاح الحزب مقابل انسحاب إسرائيلي وضمانات أمنية وتمويل لإعادة الإعمار. أمّا التنفيذ، فيفترض أن يكون تصاعديًا: تعزيز انتشار الجيش في الجنوب، والسماح له بتنفيذ مهام حسّاسة لنزع الصواريخ والمخازن التابعة لحزب الله، ثم مسار تفاوضي مع الإسرائيليين لانسحابهم من الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى نهاية العام كموعد شكلي لإنهاء الملف. 

لكنّ الخطة تواجه رفض الطرفين المعنيّين بها، من جهة تعنت الثنائي الشيعي، ومن جهة أخرى، تشدّد الموقف الإسرائيلي. في وجه هذا الرفض المزدوج، تبدو وعود الحكومة، حيال قدرتها على ضبط الحدود واستعادة قرار الحرب والسلم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد منهك ومتعثر، وعوداً بعيدة المنوال. إذ أن تركيبة هذا النظام الطائفي، متفشية ومتجذرة، ولا يبدو أن هذا العهد الجديد الذي وعد بالإصلاحات له أي قدرة فعلية على الأرض للقيام بذلك أو بفرض مقايضة على أطراف أقوى منه عسكريًا. النوايا لا تبني سياسة ولا نتائج ملموسة.  


بناء الشرعيّة والسلاح

يعرف نواف سلام أنّ بناء الشرعية والتمسّك بها أصعب من كتابة الخطط والبرامج. تحاول حكومته، منذ انطلاقتها، أن تراكم إصلاحاتٍ قضائية ومصرفية لتقول للداخل والخارج إنّ الدولة عادت، وبالتالي تمويل نزع السلاح ليس رشوة بل استثمار في الاستقرار ومسيرة بناء مؤسسات الدولة. لكنّ أيّ مشروع كهذا يتطلّب حزام أمان اجتماعي لا تبدو البيئة اللبنانية اليوم مهيأة له. هل نُزيل السلاح لكي تبقى التركيبة اللبنانية كما هي، أم كي نغيّرها؟ إذاً سنحتاج إلى شجاعة كبيرة من العهد، ولورشة تبدأ من المرفأ إلى القضاء إلى الأجهزة، ومن المخيمات وصولاً إلى الجنوب، واللائحة تطول. 

في موازاة كل ذلك، يصرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، ممثل الدولة الآخر، على رسم خطّ أحمر واضح لا يسمح بأي محاولة لإحداث شرخ بينه وبين «حزب الله»، أو لإظهار أي انقسام جوهري داخل صفوفهما، بما يخص «نزع السلاح». كانت الرسالة واضحة إلى كل من رئيسي الجمهورية والحكومة بالمقاطعة والتصعيد في الشارع وصولًا إلى تهديد السلم الأهلي في حال تمّت الموافقة على خطة زمنية واضحة لتسليم السلاح إلى الدولة اللبنانية. وقال بري في الذكرى السنوية لتغييب موسى الصدر إنّ العقول الشيطانية التي تتآمر على الداخل أخطر بكثير من سلاح المقاومة، الذي حرّر الأرض وصان البلاد، موضحاً أن مناقشة مسألة السلاح يجب أن تكون في إطار توافقي، وتحت سقف الدستور، وبما يفضي إلى صياغة استراتيجية دفاعية جامعة. ضمن انقسام كهذا، يخترق الدولة ذاتها التي يجب تسليم السلاح لها، تبدو محاولة العهد إرساء منطق دولة، محكومة بالفشل. 


اهتراء التركيبة اللبنانيّة

تتجاوز دلالات هذا الموقف الشكل السياسي، إذ تؤكّد عمق الأزمة في تركيبة النظام اللبناني اليوم، حيث تحول ضغط الثنائي إلى نقطة أساسية لا يمكن تجاوزها في صنع القرار الوطني، في ظل اعتبارهما الحفاظ على سلاح الحزب بمثابة قضية وجودية. كثيراً ما يتمّ ربط قضية السلاح بوجود الطائفة الشيعية، باعتبار سحب السلاح ونزعه هما توجيه الضربة القاضية لطائفةٍ ارتبط صعودها بهذا السلاح. يعكس هذا الواقع المأزق العميق في قدرة الدولة على استعادة سيادتها بعد سنوات طويلة من الوصايات الخارجية والإقليمية، ليبدو العائق اليوم «داخلياً» أمام استعادة هذه السيادة. يضعنا هذا الواقع أمام سؤال صريح حول جدوى استمرار النظام السياسي الحالي، إن بقي «القرار الوطني» سجينًا لرغبات قوى من خارج المؤسسات الدستورية. لذلك، تبدو جلسة الجمعة أقرب إلى بروفة لاختبار القدرة الفعلية التي يمكن أن تمارسها السلطة التنفيذية في مواجهة ميليشيا الحزب وسلاحها. كما ستحدّد السيناريوهات التي يمكن أن تواجه البلد مع الضغوط الأميركية الملحّة والمرتبطة بمستقبل لبنان أمنياً واقتصادياً. 


تُهم العمالة والتخوين

في موازاة التصعيد السياسي، مارس جمهور حزب الله حملة تحريض منظمة وممنهجة ضد نواف سلام. وصلت هذه الحملة إلى مستويات غير مسبوقة من الاتّهامات، مثل الخيانة والتآمر على المقاومة الوطنية، وهي تهم تجد صداها في الخطاب الإعلامي المرتبط بالحزب وفي خطابات مسؤوليه الذين يصورونه كأداة تنفيذ للأجندة الأميركية والإسرائيلية في لبنان. ويُظهر هذا الخطاب مستوى التصعيد السياسي من جانب الحزب الذي يربط بين سلاحه ومصير لبنان كبلد ودولة ووجود. ويلعب الإعلام الحزبي دوراً مركزياً في تعميق هذه الحملة التحريضية، من خلال بث رسائل تستهدف تشويه صورة نواف سلام، وتصويره على أنه «عميل» لمخططات أجنبية تهدف إلى تقييد سلاح المقاومة. وهذا ما جاء في كلام الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، حيث حذر من أن أي محاولة لنزع سلاح الحزب ستقابل بمعركة وصفها بالكربلائية، محملاً سلام وحكومته مسؤولية أي خراب للبنان في حال أقدمت على خطوات من هذا النوع.

في ظل كل هذا التوتر، لا يبدو أن العهد الجديد قادر على استعادة هيبة الدولة أو التفاوض مع الخارج، إذ تُظهر الزيارات للمبعوثين الأميركيين الضغط الهائل على سلام وعون لتمرير خطة ترامبية، هدفها فرض وصاية. فبين تخوين بيئة المقاومة وضغوطات مبعوثي الترامبية، لا يبدو أنّ هناك مكانًا لسياسة حاكمة اليوم، رغم محاولة سلام القيام بعكس ذلك. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً