تحليل الليرة
ميشال أ. سماحة

التعرفة الجديدة للاتصالات

دَوْلَرة وريع ومستقبل قطاع النفط 

1 تموز 2022

كان لبنان سبّاقاً في إدخال الخلوي الى الشرق الأوسط وتطوير قطاع الاتصالات، مدعوماً بجيل وفائض من المهندسين، يوم كانت الدول العربية والغربية ترزح تحت وطأة ندرتهم. أقوال دائماً للأصحاب: إذا كان لا بد من الاعتراف بإنجاز كبير واستراتيجيّ للرئيس الحريري، فيجب أن يكون هذا بالتحديد.

عندما كنت طالباً، عملت عاماً كاملاً في شركة فرنسية تقدّم خدماتها لوزارة الاتصالات في مركز اوجيرو الحالي في بئر حسن. كانت الشركة تعدّ الخرائط التنفيذية للبنى التحتية للاتصالات. كنت موظفاً صغيراً يرسم على كمبيوترات الجيل الأول البطيئة. عندما أتذكر تلك الحقبة، لا يعود انتقادي لحقبة إعادة الإعمار سهلاً. كان المهندسون والتوبوغرافيون يعملون على تحديث خرائط تعود لثلاثينيات القرن الماضي، وكنتُ من شباك مكتبي أنظر إلى الورش المفتوحة (الأوتوستراد، المدينة الرياضية، المستشفى الحكومي…). والكهرباء كانت تنقطع فقط بين الحين والآخر. 

المهم، وبغض النظر عن التفاصيل، بات للبنان قطاع اتصالات يدرّ المليارات حتى تمّت تسميته بـ«نفط لبنان»، لكن بدلاً من أن يجيَّر هذا القطاع لصالح الاقتصاد الجديد (تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT))، أصبح عبئاً عليه. وجرى التعامل مع القطاع بطريقة ريعيّة. فبدل الاستناد إليه لبناء اقتصاد خدماتي ومعرفي جديد وتطوير بيئة أعمال رقمية وتنويع الأنشطة الاقتصادية ذات الأبعاد الاستراتيجية، قامت السلطة بإدارة عوائده بطريقة تخصصية. وبات المواطن «يغذّي» و«يموّل»، من حيث لا يقصد طبعاً، دولة المافيات من خلال أغلى فاتورة خليوي في العالم. 

مع وصول الرئيس إميل لحود الى سدة الرئاسة، ضُرب هذا القطاع، وتخلّى لبنان عن جيل كامل من المهندسين المخضرمين الذين «انتشروا» في أرجاء المعمورة. بعضهم عمل في شركات خاصة يملكها أفراد من «المنظومة»، استثمرت في المجال نفسه في أفريقيا والشرق الأوسط وبعض دول آسيا الوسطى. 

هي اذاً نتائج الريع وإدارته. فهو ليس غير قادر على تطوير الاقتصاد وحسب، بل يقوم أيضاً بضربه ولجم قواه الكامنة. قطاع الاتصالات هو مجرّد مثال صغير عمّا يمكن أن يحصل (وسيحصل) مع قطاع النفط والغاز في دولة المافيات والمليشيات. 


وصل قطاع الاتصالات إلى مفترق طرق. فإمّا أن ينهض على الدعم من خارج منظومة السوق والأسعار، وأمّا أن يتّجه نحو الدولرة كما تبدو عليه الحال. لكن ماذا يعني هذا؟ يمكن توقّع أربع تبعات سريعاً:

  1.  ستصغر قاعدة المستفيدين من القطاع، وبالتالي سيقصي السعر الجديد الكثير من الناس، على رأسهم الشباب وتحديداً شباب الطبقات الشعبية والفقيرة. 
  2. لن تستفيد الدولة كثيراً من العائدات لأنّ القطاع سيكون في حالة ركود وغير قادر على تطوير ذاته ومتابعة التطور التكنولوجيّ.
  3. من خلال تسعيرة الدولار، سيعود هذا القطاع ليكون الأغلى في العالم. وهذا مؤشّر إلى منحى كلفة الحياة في البلد مستقبلاً، إذ لن يستفيد الاقتصاد من انهيار العملة، كما رُوّج، بل ستغدو الخدمات والسلع أغلى ثمناً وستصبح مخصّصة وموجّهة نحو الأغنياء والقادرين فقط. إن الدولرة لن تكون نتيجتها فقط خلق سوقين (market distortion)، بل ستكون ايضاً خلق مجتمعين متوازيين (society distortion).
  4. رابعاً واخيراً، ستقتل دولرة الاقتصاد، وتحديداً قطاع الاتصالات، أيّ فرصة لبروز اقتصاد معرفيّ وخدماتيّ حديث، وستعرّض قطاع الشركات (المعلوماتية، الاستشارات، التعليم، ...) المصدِّرة للخدمات إلى نكسة، مما سيزيد من هجرة الكفاءات. إننا نقتل بذلك آخر الميزات التفاضليّة لهذه المرحلة الصعبة. 

هذا ما ينتظرنا من «منظومة» مأزومة، مبتورة الوعود، لا تصبّ قراراتها إلا في خدمة مصالحها المباشرة، ودائماً على حساب المجتمع والاقتصاد، في الحاضر كما الآتي. وهي، بذلك، إنما تسعى لـ«تؤبّد» سلطتها وامتيازاتها التي وُرثت من ماضٍ لعين.

آخر الأخبار

حدث اليوم - فلسطين الاربعاء 24 نيسان 2024 
صور جديدة تكشف «ضربة أصفهان»
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 24/4/2024 
المخيّم الذي صار دخاناً
24-04-2024
أخبار
المخيّم الذي صار دخاناً
20 جامعة أميركيّة، 20 مخيّماً تضامنيّاً مع غزّة
تعليق

ما مغزى النقد؟

سامر فرنجية