قضية الأسبوع هندسة الانهيار الاقتصادي
ميغافون ㅤ

قانون رفع السريّة المصرفيّة

مسوّدة لمسار إصلاحي

19 نيسان 2025

قوانين إصلاحيّة في وجه لوبي المصارف

أفضت جلسة اللجان النيابيّة المشتركة، الأربعاء الماضي، إلى تمرير مشروع قانون رفع السريّة المصرفيّة، بصيغة قريبة جدًا لتلك المُحالة من قبل الحكومة. وبهذا الشكل، فشلت جميع محاولات تفخيخ مشروع القانون، أو تعديله بصورة تُفرغه من أهدافه الأساسيّة. وبهذا الشكل أيضاً، لم يبقَ أمام مشروع القانون سوى مرحلة واحدة، وهي المصادقة عليه في الهيئة العامّة للمجلس، قبل أن يصبح قانونًا ساري المفعول بمجرّد توقيع رئيس الجمهوريّة عليه ونشره في الجريدة الرسميّة. أمّا خيار ردّه من قبل الرئاسة الأولى، فيبدو مستبعدًا طالما أنّ صيغته النهائيّة لم تبتعد عن تلك التي أقرّتها الحكومة، والتي شارك فريق الرئيس في إعدادها بالتنسيق مع بعثة صندوق النقد الدولي.

إلى جانب هذا المسار، من المفترض أن تبدأ اللجان المشتركة قريبًا بدراسة مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، المُحال من قبل الحكومة أيضًا، والمُحاط- تمامًا كمشروع قانون رفع السريّة المصرفيّة- بتحفّظات اللوبي المصرفي. إذ سيحدّد هذا المسار صلاحيّات مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف عن إعادة هيكلة القطاع. 

أمّا أمّ المعارك بالنسبة لهذا اللوبي، فستكون عند صياغة أولى مسوّدات قانون الانتظام المالي في الحكومة، والذي سيحدّد كيفيّة توزيع الخسائر المصرفيّة، وقدر الودائع المضمونة، وحجم الأموال التي سيحتاج أصحاب المصارف إلى تأمينها لإعادة رسملة مصارفهم والاحتفاظ بملكيّتها. 

بعد سنوات من الانتظار، بات المسار الإصلاحي يأخذ شكل قوانين، تحت ضغط خارجي، ولا سيّما من جانب صندوق النقد. يثير هذا التطوّر مخاوف لوبي المصارف الذي اشتدّت حملاته الإعلامية ضدّ الإصلاح ودفاعًا عن مصالحه المتجذّرة بعمق النظام اللبناني. 


مكتسبات رفع السريّة المصرفيّة

ثمّة ما يكفي من مكتسبات للتفاؤل بمشروع قانون رفع السريّة المصرفيّة، إن تمّ إقراره في الهيئة العامّة، وفق الصيغة التي تمّ إقرارها يوم الأربعاء في اللجان المشتركة.

أولًا: صلاحيّة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف في رفع السريّة المصرفيّة عن حسابات محدّدة بعينها وفي كشف العمليّات التي جرت من خلالها، فضلًا عن كشف أرصدة مجموعة من الحسابات دفعة واحدة. كان لوبي المصارف قد حاول الضغط في الإعلام وداخل المجلس لتكرار سيناريو العام 2022، حين تمّ إقرار قانون سابق لرفع السريّة المصرفيّة، لكن مع تفخيخ مضمونه بما يمنع المصرف واللجنة من الاطلاع على تفاصيل الحسابات أو أرصدتها أو أسمائها، لتقتصر صلاحيّاتهما على معرفة معلومات عامّة مثل الحجم الإجمالي للودائع الصغيرة أو الكبيرة في كلّ مصرف.

ثانيًا: المفعول الرجعي لغاية 10 سنين، وهو ما يسمح للمصرف المركزي ولجنة الرقابة بالعودة إلى الوراء في الزمن والاطّلاع على داتا العمليّات السابقة لهذه الفترة. ويُعدّ إقرار هذا المبدأ مكسبًا مهمًّا، لأنّه سيسمح بالعودة إلى أرباح الهندسات الماليّة التي جرت قبل العام 2019، ومن ثم اتخاذ إجراءات تكفل شطبها أو استعادتها. وكانت جمعيّة المصارف قد تحفّظت في مذكرة عمّمتها على المصارف على مبدأ استعادة الأرباح بهذا الشكل، وهو ما يفسّر الهجمة الإعلاميّة التي شنّها اللوبي المصرفي على كل مبدأ المفعول الرجعي.

ثالثًا: صلاحيّة مصرف لبنان ولجنة الرقابة في رفع السريّة، ليس لغايات إعادة هيكلة المصارف فقط، بل أيضًا لغايات التدقيق والمراقبة والمراجعة الروتينيّة. وهذا بالضبط ما يختلف جذريًا عن الصيغة التي تمّ إقرارها عام 2022، والتي حصرت رفع السريّة المصرفيّة لصالح مصرف لبنان في حالات إعادة الهيكلة. وبهذا الشكل، سنكون أمام تحوّل جذري دائم، لا يرتبط حصرًا بالمعالجات التي ستجري للأزمة القائمة اليوم.


ثغراتٌ لم يعالجها مشروع القانون

في مقابل هذه المكاسب، انطوى مشروع القانون، كما أُقِرّ في اللجان المشتركة، على ثغرات لا ترقى إلى مستوى تفخيخ القانون أو شلّ مفاعيلها كما جرى عام 2022، لكن من المهم التوقّف عندها.

أوّلًا: قرّرت اللجان المشتركة شطب ذكر شركات التدقيق التي يكلفها مصرف لبنان، من ضمن الجهات التي تملك صلاحيّة رفع السريّة المصرفيّة. وبهذا الشكل، لن يكون بإمكان هذا النوع من الشركات القيام بتدقيق محاسبي أو جنائي، بناءً على تكليف المصرف المركزي، إلا بموجب تشريع آخر. مع الإشارة إلى أنّ الجلسة لحظت ضرورة منح الشركات لاحقًا هذه الصلاحيّة، لإتمام عمليّة إعادة الهيكلة بناءً على تدقيق مُجدٍ، إلا أنّ النوّاب فضلوا لحظ هذه الصلاحيّة ضمن قانون إصلاح أوضاع المصارف.

ثانيًا: بقيت آليّات تنفيذ هذا القانون مرتبطة بقرارات تصدر عن وزير الماليّة، وهو ما يثير هواجس بشأن إمكانيّة تأخير صدور هذه القرارات، بهدف تأخير تنفيذ القانون. غير أن ضرورة تنفيذ القانون، لإتمام إعادة هيكلة المصارف ومراقبة المصارف التي ستخضع لعمليّة إصلاح الوضع، ستفرض عاجلًا أم آجلًا صدور هذه القرارات.


المسارات المُرتَقبة

ثمّة ثلاث محطّات مرتقبة، سيرتفع على وقعها سعار اللوبي المصرفي المتشائم من هذه التطوّرات. 

  1.  سيكون على الهيئة العامّة للمجلس إقرار الصيغة التي تمّ الاتفاق عليها لمشروع قانون رفع السريّة المصرفيّة. وسيحاول اللوبي المصرفي للمرّة الأخيرة، تمرير تعديلات جديدة قبل التصويت، ومنها تلك التي تمسّ بمبدأ المفعول الرجعي.

  2. ستبدأ اللجان المشتركة بمناقشة مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف. وسيحاول هنا اللوبي المصرفي، كما أعلن جهارًا في مذكرة مكتوبة، تعديل بعض جوانب مشروع القانون، من خلال تقليص صلاحيّة لجنة الرقابة على المصارف، أو تمثيل المصارف نفسها في اللجنة التي ستقرّر إمكانيّة تصفية أيّ مصرف أو إجباره على إصلاح أوضاعه الماليّة.

  3. من المرتقب أن تزيد الضغوط الإعلاميّة والسياسيّة التي يمارسها هذا اللوبي على الحكومة، عند مناقشة قانون الانتظام المالي. والهدف بطبيعة الحال، زيادة قدر الخسائر التي سيتم تحميلها للدولة، عبر تحويل جزء من الودائع إلى ديون عامّة، في مقابل تقليص الكلفة التي سيتحمّلها أصحاب المصارف من خلال إعادة رسملة مصارفهم.

على هذه الجبهات الثلاث، سيقاتل اللوبي المصرفي دفاعًا عن مصالحه. وسيستمرّ بالهجوم على المنصّات الإعلاميّة والنوّاب والاقتصاديّين الذي يصوّبون على مناوراته السياسيّة والإعلاميّة.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
محاكمة إسلام علوش 
تزامناً مع زيارة ترامب للرياض منظمات تطالب بوقف قمع الصحافيّين في السعودية
إدانة الممثّل جيرار ديبارديو بالاعتداء الجنسي 
إسرائيل تغتال الصحافي حسن إصليح
احتجاجات في طرابلس إثر تأخّر إعلان نتائج الانتخابات
تحليل

من «كاتدرائيّة» كورتيس يارفين إلى أوليغارشيّة أحمد ناجي 

طارق أبي سمرا