قضية الأسبوع حكومة الإصلاح والإنقاذ
ميغافون ㅤ

الإصلاح من فوق

بين «الوقت الضائع» وهشاشة المستقبل

10 أيار 2025

بأقلّ من بضعة أشهر، استطاعت الحكومة الجديدة تمرير عدد من «القوانين الإصلاحية» التي بقي بعضها عالقًا لسنوات في زواريب الحكومات السابقة. من بين هذه القوانين، ما كان سجاليًا وتطلب صراعات مريرة لتمريره، وما كان سهلًا ولم يتطلب إلّا بعض الإرادة على صعيد الوزارات المعنية. ما يظهر بوضوح من الأشهر الأولى للحكومة الحالية هو «الوقت الضائع» الذي دفعت ثمنه البلاد. فعلى مدار السنوات الماضية، عرقلت القوى السياسية أي إصلاح، مهما كان بسيطًا، وضحّت به على مذبح الصراعات السياسية والمصالح الزبائنية.

لكنّ ما يظهر أيضًا هو الدور الخارجي في فرض هذه الإصلاحات التي تفتقد بمعظمها لأي دعم سياسي داخلي. فثمن التمادي بعدم معالجة الأزمة الاقتصادية ومن ثم الدخول بحرب مدمرة، أفقد الطبقة السياسية أهليتها السيادية، ليصبح الخارج هو المحرّك الأساسي في الداخل. هذا لا ينفي دور الوزراء المعنيين، لكنّه يسلّط الضوء على مكمن القوة الذي استطاع تخطّي عواقب الماضي. 

نحن أمام تجربة «إصلاحية من فوق»، استفادت من تخبّط الأحزاب السياسية، لتمرير قوانين إصلاحية، مدعومة من خارج طفح كيله من الألاعيب المعتادة للمسؤولين اللبنانيين. لكن رغم أهمية هذه الإصلاحات، تبقى هذه الانجازات هشّة في ظلّ خارج متقلّب وبغياب رافعة سياسية داخلية يمكن أن تواكب هذا الإصلاح. 


فجأة، بات الإصلاح ممكنًا

فجأة، بدأت الحكومة تنتج قرارات ومسوّدات قوانين «إصلاحية»، كان من شبه المستحيل حتى التفكير بها في السابق. من بينها، رزمة قوانين الإصلاح المالي، والتي بدأت مع تمرير مرسوم مشروع قانون رفع السريّة المصرفيّة في الحكومة ومن ثمّ في المجلس النيابي، متخطية عراقيل اللوبي المصرفي. كما استطاعت الحكومة إقرار مرسوم مشروع قانون إصلاح أوضاع المصارف، الذي نصّ على بنود جريئة توسّع من صلاحيّات الهيئة المصرفيّة العليا ولجنة الرقابة على المصارف، وتحدد معايير واضحة لعمليّة إصلاح أوضاع المصارف أو تصفيتها. إلى جانب الشقّ المالي، أقرّت الحكومة مشروع قانون تنظيم القضاء العدليّ، الذي يؤمن استقلالية القضاء ويطلق عملية إصلاح القضاء العدلي. ويأتي هذا الإقرار بعد أكثر من عشر سنوات من العرقلة التي منعت إقراره. 

لكنّ الإصلاحات لم تطَل دور الحكومة المالي والقضائي وحسب، بل امتدّت أيضاً إلى مجالات أخرى، مثل البيئة. تمّ إلغاء امتيازات المقالع التي كانت قد منحتها حكومة ميقاتي لشركات الترابة التي تعمل بمنطق المحاصصة التقليدي. إضافةً إلى ذلك، استردّت الحكومة ثلاثة مراسيم إشغال للأملاك البحرية (في عكار والبحصاص وصور)، أيضاً كانت حكومة ميقاتي قد منحتها غبّ الطلب، بصرف النظر عن أثرها البيئي. قرارات إصلاحية أخرى صدرت عن وزير الزراعة الذي أعلن حالة الطوارئ في قطاع الغابات، ومنع تجديد رخص التشحيل بهدف إنتاج الفحم – قانون معتمد منذ العام 1949. كما تحرّك الوزير لوقف الاتجار بالحيوانات البرية والطيور المحمية بموجب اتفاقية «سايتس». ويُلاحظ أن كل هذه الملفّات لم تكن تُذكر من قبل مسؤولين حكوميين حتّى.


سياسة «القنص الإصلاحي»

لا يعني ذلك أنه ليس هناك من ثغرات أو تخبّطات في الرؤية الإصلاحية للحكومة. لكنّ نجاح «الضغط الإصلاحي» يطرح أسئلة عن كيفية تمرير ما كان مستحيلًا قبل بضعة أشهر فقط. فلم تأتِ هذه القرارات والقوانين جراء بروز كتلة نيابية إصلاحية، أفرزت حكومة متجانسة، بدأت بتنفيذ برنامجها السياسي. هذا الطريق الطبيعي للتغيير السياسي لم يكن متاحًا. ما أنتج هذا التحوّل هو مناورة نيابية في لحظة تخبّط سياسي، سمحت بإيصال حكومة، تختلف بعض الشيء عن التي سبقتها. وجاءت تلك المناورة في لحظة «عودة الخارج»، محمولًا من الحاجة الداخلية الماسة لدعمه المالي، ما أتاح فرصة لفرض إصلاحات أساسية، كان النظام اللبناني، في شقّيه السياسي والاقتصادي، قد نجح في عرقلتها في الماضي. في ظل هذه المعادلة، استطاع عدد من الوزراء تمرير ما كان مستحيلًا، متخطين العراقيل السابقة، في عملية أشبه بالقنص السياسي.


الخارج المتقلّب

ليس خفيًا على أحد أن الخارج دفع لفرض عدد من القوانين الإصلاحية، لا سيّما الاقتصادية منها. لكنّ هذا الخارج ليس جمعية خيرية، بل لاعب سياسي، لديه مقارباته ومصالحه التي وإن كانت اليوم تدفع لإصلاح ما، فبسهولة قد تعود غدًا لدعم مصالحها المباشرة. هذا بالإضافة إلى أن الدعم للإصلاح يأتي مشروطًا بمطالب سياسية، قد لا يكون من السهل القبول بها. وقد تشكّل «معضلة صندوق النقد الدولي» دلالة عن هذا الخارج المزدوج، بين الحاجة له لكسر اعتراضات القطاع المصرفي وبين الخوف من برامجه الإصلاحية التي غالبًا ما أنتجت مآسي اجتماعية في البلدان التي وقعت تحت وصايته. فمن المفيد هنا التذكير بأن الاستثناء الحالي بضغط صندوق النقد لفرض بعض الإصلاحات المرتبطة بالأزمة المصرفيّة، قد ينقلب بمجرّد عودة الصندوق في أي لحظة إلى وصفاته التقليديّة في ملفّات أخرى. فإذا كانت مصلحة الصندوق تقتضي اليوم الحد من استخدام المال العام لإنقاذ المصارف، وهذا يصب في مصلحة اللبنانيّين، فمصلحته قد تفرض غداً التوجّه نحو شروط قاسية على المجتمع اللبناني، مثل التشدّد في التقشّف والذهاب بعيداً في مشاريع الخصخصة. بل وقد يتم توظيف نفوذ الدول الغربيّة داخل الصندوق، لفرض شروط سياسيّة لا ترتبط بالضرورة بمصالح لبنان الاقتصاديّة والماليّة.


الداخل الغائب

لكنّ الخطر الفعلي على العملية الإصلاحية يأتي من غياب رافعة سياسية داخلية، يمكن أن تؤمن حماية لهذه الإصلاحات وضمانة لاستمرارها على مدار السنوات القادمة. فنحن اليوم أمام حكومة عمرها محدود بالانتخابات النيابية القادمة، والتي قد تغيّر المعادلة التي أنتجت هكذا حكومة. وأمام خطر عودة الأحزاب التقليدية، وبالتالي العرقلة، إلى سدّة الحكم، تصبح ضرورة بناء هكذا رافعة، أكان في الخطاب العام أو في التحضير للانتخابات، حاجة ماسة للخروج من نموذج القنص الهشّ نحو بناء قوة سياسية قادرة على فرض تحوّل اجتماعي. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
محتجّون في طرابلس يلغون عرضاً كوميدياً
5 قيل هذا الأسبوع: 25 أيار - 31 أيار 2025
خيمة الحقيقة في الغوطة الشرقيّة: العدالة للمغيّبين
آليّات إسرائيلية تصدم قافلة للحجّاج في جنين
بعترف
برشلونة تقطع علاقاتها مع إسرائيل