الدور الأوّل
انتهى الدور الأول، دور المجموعات، في كأس العالم 2022 وتأهّل منتخبان من أميركا الجنوبية (البرازيل والأرجنتين) ومنتخب من أميركا الشمالية (الولايات المتّحدة) ومنتخبان من أفريقيا (المغرب والسنغال) وثلاثة منتخبات من آسيا وأوقيانيا (اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا)، وثمانية منتخبات من أوروبا (فرنسا وإنكلترا وهولندا وبولندا وإسبانيا والبرتغال وكرواتيا وسويسرا).
خرجت على نحو صادم من هذا الدور كلّ من ألمانيا وبلجيكا.
ألمانيا بسبب ضعف دفاعها وبطء بناء لاعبيها الهجمات لمباغتة الخصوم. ظهر الأمر جليّاً في المباراة مع اليابان إذ غالباً ما أتاح الألمان لليابانيين الوقت لحسن التمركز الدفاعي في مواجهة هجماتهم والارتداد عليها بكرات سريعة تستغلّ التموضع الألماني الهجومي عند خسارة الكرة وسوء تطبيق مصيدة التسلّل ليسجّلوا مرّتين. ورغم التحسّن الألماني في آخر المباراة نتيجة التبديلات الهجومية، ثم في الشوط الثاني في مواجهة إسبانيا، وبعد ذلك تقديم عرض مقبول هجومياً (ومتوسّط دفاعياً) في المباراة الأخيرة ضد كوستاريكا الضعيفة، إلّا أن آثار الخسارة الأولى أطاحت بألمانيا، وأكّدت أن المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها الكرة الألمانية منذ فوزها بكأس العالم 2014 لم تفضِ بعد إلى نجاح في إيجاد انسجام بين اللاعبين الخبراء والصاعدين، وأن التعويل على تفاهم لاعبي بايرن ميونخ وعددهم كبير في المنتخب لم يكن كافياً. فهم أفضل مع ناديهم ممّا هم مع المنتخب لأسباب ترتبط بخصائص المنافسة في الدوري الألماني وبخطط مدرّبهم هناك.
الثانية، بلجيكا، خرجت بسبب عقم هجومها الذي لم يسجّل إلا مرّة واحدة في ثلاث مباريات رغم وجود لاعبين مثل دي بروين وآزار وكاراسكو ثم لوكاكو. ولولا حارس مرماها كورتوا، الذي أنقذها من أكثر من هدف محقّق، لخسرت مبارياتها الثلاث. والأرجح أن خروجها المبكّر هذا، وهي كانت ثالثة كأس العالم 2018، لن يطيح بالجهاز الفني فقط (إذ استقال مارتينيز) بل قد يدفع لاعبين أيضاً إلى «التقاعد الدولي»، أو التفكير بما إذا كان عليهم ترك مراكزهم للاعبين جدد بعد فشلهم الذريع.
وبالإضافة إلى الخروج الألماني والبلجيكي، شهد كأس العالم مفاجآت عديدة.
تمثّلت أولاها بتأهّل المغرب الذي قدّم عروضاً قوية، وتصدّر مجموعته أمام كرواتيا، وأظهرت تشكيلته توازناً جيداً بين الدفاع والهجوم وتنظيماً منضبطاً في وسط الملعب وقدرة على تحمّل الضغط الهجومي للخصوم. ولم يدخل مرماه سوى هدف واحد في ثلاث مباريات، لم يخسر أياً منها. وهو بذلك انفرد مع هولندا وإنكلترا بكونهم المتصدّرين الوحيدين الذين لم يُهزموا في دور المجموعات.
ثاني المفاجآت كان تأهّل اليابان وكوريا الجنوبية مبعدَين ألمانيا والأوروغواي، التي لم تنجح من جهتها في فرض إيقاع لعبها سوى في المباراة الأخيرة ضد غانا.
أما ثالث المفاجآت الذي لم يؤثّر على التأهّل، فكان فوز السعودية على الأرجنتين في مباراة كبيرة خاضتها وسيطرت فيها على مجريات المباراة، خاصة في الشوط الثاني. ويُعدّ هدف الدوسري في مرمى مارتينيز من أجمل أهداف المونديال حتى الآن.
ويمكن القول إن الأداء في البطولة ككلّ هذه المرّة أفضل في الدور الأول ممّا كان عليه في الكؤوس الأخيرة. والمنافسات ظلت في جميع المجموعات قائمة بعد مرحلتين إما على بطاقتَي التأهّل (حال 5 مجموعات) وإما على البطاقة الثانية (حال 3 مجموعات). وهذا يشير إلى تقارب في المستوى وندّية وتشويق ونتائج صَعُب في الكثير من الأحيان التكهّن بها. وباستثناء قطر وكندا اللتين خسرتا جميع مبارياتهما، وصربيا والدانمارك وويلز التي لم تفز في أيٍ من مبارياتها، فإن الفرق الـ27 الباقية فازت جميعها على الأقلّ في مباراة واحدة، ولم تنجح أيّ منها في الفوز في جميع المباريات.
وإذا كانت أكثرية لاعبي المنتخبات الأميركية الجنوبية والأفريقية وبالطبع الأوروبية تلعب في نوادٍ أوروبية (في إنكلترا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا ثم في ألمانيا وهولندا وبلجيكا)، فإن أكثرية اللاعبين الآسيويين والأستراليّين والأميركيين الشماليّين يلعبون في بطولات بلادهم. وهذا قد يكون من العناصر التي مكّنت أربعة منتخبات (كوريا واليابان وأستراليا والولايات المتّحدة) من مفاجأة منافسيها لعدم المعرفة الدقيقة بخصائص لاعبيها وتقنيّاتهم وسرعتهم وحسن تمركزهم في الملعب وعلاقاتهم بمساحات اللعب.
المنتخبات الأقوى حتى الآن
برزت في هذا الدور عدّة منتخبات قدّمت عروضاً قويّة أو بدا أنها قادرة على التحسّن اضطراداً في أدائها، لما تملكه من لاعبين أفراد ومن أوتوماتيكيات لعب جماعي ومن لياقة أو قوة بدنية وسرعة في الانتقال من الدفاع إلى الهجوم وبالعكس.
في طليعة هذه المنتخبات تأتي منتخبات المغرب والولايات المتّحدة وكرواتيا وهولندا التي حقّقت نتائج جيّدة ولم تخسر أي مباراة وتوازنت خطوطها ولم يتلقّ كل منها سوى هدف واحد. تأتي من بعدها سويسرا والبرتغال وإسبانيا والأرجنتين التي تفاوت مستوى أدائها بين مباراة وأخرى. أظهرت سويسرا تنظيماً دائماً ومزعجاً لخصومها، لكنها لم تلعب هجومياً إلا في مواجهة صربيا. والبرتغال يملك لاعبين بينهم ثلاثة أو أربعة من الأفضل في مراكزهم في العالم، إلا أنه لم يبرز بعد كفريق متماسك وقويّ كفايةً. أما إسبانيا، فأكثرت من اللعب العقيم ولم تكن هجومية وبفعالية عالية سوى في مباراتها ضد كوستاريكا صاحبة أضعف خطّ دفاع في البطولة. غير أنّ لاعبي إسبانيا يستطيعون التحسّن مع الوقت نظراً لخبرة بعضهم وسرعة بعضهم الآخر والثقة التي يسيطرون من خلالها على المباريات. والأمر إياه ينطبق على المنتخب الأرجنتيني الذي رفع مستواه اضطراداً بعد بداية سيئة أمام السعودية وهو يملك جميع المؤهلات للتقدّم أكثر نحو المراحل الأخيرة من البطولة.
أما المنتخبات التي ظهرت في مباراتين من ثلاثة في مستوى أعلى من مستويات باقي الفرق، فهي منتخبات فرنسا وإنكلترا والبرازيل.
المنتخب الفرنسي أظهر قدرة على تنويع أساليب اللعب وعلى اختراق دفاعات خصومه والتهديف من جميع الاتجاهات. وبرز خطّ وسطه دفاعياً وهجومياً مازجاً الخبرة والسرعة. نقطتا ضعفه، في المقابل، هما خطّ الدفاع والبدلاء. فالدفاع يرتبك عند التعرّض للضغط أو التعامل مع الكرات الثابتة، والبدلاء ليسوا بنفس سرعة الأساسيين أو مهارتهم أو خبرتهم، وتجربتهم غير الموفّقة في مواجهة تونس أظهرت ذلك.
من جهته قدم المنتخب الإنكليزي عرضين جيّدين ضد إيران وويلز. يملك هجوماً قوياً، وخطَّي وسط ودفاع منظّمين. نقطة ضعفه تتمثّل في كثرة اعتماده على سرعة لاعبيه الذين إن واجهوا خصوماً بسرعتهم وبقوّتهم البدنية يفقدون الأفضلية. برز ذلك في المباراة ضد الولايات المتّحدة، وفي الشوط الأول من المباراة مع ويلز. وكان لإعادة تنظيم الفريق وتعديل مساحة لعب هاري كاين في الشوط الثاني من المباراة الأخيرة أن أعادا لهم الخطورة والقدرة التهديفية.
أما المنتخب البرازيلي، فيُعطي الانطباع أنه يلعب من دون جهد كبير. شوطه الأول ضد صربيا كان متوسّطاً قبل أن يرفع مستوى أدائه في الشوط الثاني. مباراته مع سويسرا كانت أيضاً جيدة وقوية في شوطها الثاني فقط. ومباراته الأخيرة التي دفع فيها بالبدلاء ضد الكاميرون كانت أقلّ من متوسّطة. لكنّ البرازيليين يستطيعون الارتقاء بمستواهم وحسم النتيجة عند التعرّض للخطر، وإراحتهم اللاعبين الأساسيين في آخر مراحل الدور الأول قد تُعيدهم بدفع كبير في الأدوار المقبلة. ويُنتظر أن ينضمّ إليهم من جديد صانع ألعابهم نيمار إن تأهلّوا إلى الربع نهائي.
في أي حال، من المؤكّد أنّ الدور الثاني– دور الـ16– سيكون حامياً في جميع المواجهات، وليس مستبعداً وقوع مفاجآت فيه أو وصول عدد من مبارياته إلى ركلات الجزاء الترجيحية التي تتطلّب خبرة وهدوء أعصاب، ودراسة لأساليب تسديد اللاعبين ونقاط قوّة وضعف حرّاس المرمى.