بدك تفهم شغلة يا سمير بخصوص المشروع، المهندس ما شغلته يغيّر المجتمع. هيدي شغلة النايب أو الوزير، هني بيشتغلوا سياسة، المهندس شغلته يعمّر.
هكذا ردّ أحد دكاترة العمارة على طرحيَ لمشروع التخرّج، حين حاولت أن أخرج من صندوق المشاريع التي تتماشى مع منطق النظام والريوع والخدمات، وأن أمضي بمشروعٍ أقرب إلى المجتمع عموماً، وإلى فئاته المهمّشة خصوصاً.
تذكّرت هذه الإجابة لحظةَ إعلان نتائج انتخابات نقابة المهندسين، أمس. تذكّرتها لأنّ مقاول السلطة عبدو سكّرية، وقد ترشّح في وجه نقيبنا عارف ياسين، أسفَ في مقابلةٍ له عن دمج السياسة بالانتخابات، مردّداً النظرة القائلة بأنّ المهندس شغلته يعمّر. لكنّي تذكّرت تلك الإجابة أيضاً لأنّ النقيب عارف، بالمقابل، كان واضحاً: معركتنا سياسية.
المهم، نالت بروباغندا السلطة نصيبها، بعدما ثابرت على فصل النقابيّ عن السياسيّ، وشَيطنت البرامج التي تدفع بالنقابة صوب قضايا أوسع من صيغتها الهندسيّة الضيّقة.
المهندسون حسَموا قرارهم، وقرّشوا شيئاً من خضّة الانتفاضة في المكان المناسب، بفضل تحضيرٍ مناسب. حسموا بخطابهم أيضاً أن المسألة النقابية مسألة سياسية، والحديث عن «مستقلّين» اليوم هو خطوة إلى الوراء. وهذه بذاتها خطوة إلى الأمام نسبةً لما سبق.
لكنّها خطوة إلى الأمام في مجتمعٍ ينهار، فهل هي كافية نسبةً لما سيأتي؟
لنبنِ على يوم أمس ونرَ:
- صحيح، النقابة انتفضت. لكنها انتفاضة حدودها الطبقة الوسطى، وأصحاب المهن الحرّة تحديداً. هل ستحلّ مأساة الانهيار؟ كلا، ليس مطلوباً منها أن تحلّها، علماً أنّ في مقدورها فرض بعض القرارات التي من شأنها تخفيف حدّة الاستغلال والفوضى المجتمعية (ملف الإيجارات، الأملاك العامة، الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي).
- ضمن الطبقة الوسطى نفسها، عكست الانتخابات انسلاخاً للقواعد عن أحزاب السلطة. يعود ذلك من جهة لجهود لائحة المعارضة، ومن جهة أخرى، لعجز السلطة عن بناء محدلتها، أو حتى عن تبرير خياراتها.
- لكنّ الانسلاخ النقابي لا يعني أنّ «السلطة سقطت». والأكيد أنّ قياس الانتخابات النيابية المقبلة على انتخابات النقابة الحالية، هو ضرب من الغباء للسبَبين المذكورَين آنفاً، إضافةً لجملة عوامل أخرى. لا، لن تشكّل الانتخابات المقبلة ضربةً قاضية للسلطة كما حصل أمس: ابحثوا في «شبكة العلاقات الزبائنية». الحذر ضروري في عدم التهافت وراء بدعة خوض الانتخابات النيابية فقط لأنّ انتخاباتٍ ما أعطتنا زخماً إضافياً.
حازت «النقابة تنتفض» على المجلس، فماذا بعد؟
- القاعدة المادية لقوى السلطة ليست في الناخبين فقط، بل أيضاً في المنتسبين والعاملين ضمن النقابة. ضرب السلطة في النقابة لا يمكن أن يقف عند يوم الانتخابات، بل عليه أن يطال الحياة اليومية للنقابة، وعلى رأسها: التعامل مع ملف التوظيف العشوائي والمحاصصاتي.
- ضرب السلطة يأتي منقوصاً إن لم يتماشَ مع تنظيم كافة القوى العاملة وتأطيرها نقابياً، بالمعنى الدقيق للكلمة. في هذا السياق، «وحدة الطبقة العاملة» يبدو شعاراً عملانياً. ماذا ينقص لطرحه؟ نتحدّث بالتحديد عن القوى العاملة غير اللبنانية، والتي تشكّل نسبةً لا يستهان بها من قاعدة المهندسين والعمّال في هذا المجال، والذين يتعرّضون لدرجات فظيعة من الاستغلال.
- ضرب القاعدة المادية للسلطة في النقابة وترتيب القوى العاملة، إلى أن تصبح النقابة لاعباً فاعلاً في الحياة السياسية في البلد. لا في ما سينعكس على الحياة اليومية للمقيمين فحسب، بل أيضاً على مستوى القرارات الكبرى، مثلاً، ترتيب المرفأ ومحيطه اليوم ومواجهة مشاريع الخصخصة والفرز الطبقي.
يتحمّل المجلس الجديد إذاً مسؤوليةً تاريخية في تحديد موقع النقابة في المجتمع، كما يواجه تحدّياً في إرساء نموذج يسخّر سلطة نقابة طبقة وسطى في الصالح العام للفئات الأكثر تهميشاً. المعركة إذاً سياسية، وقد بدأت للتَوّ، وتتخطّى الحدود النقابية الضيّقة.
أمّا الدكاترة الذين يوعزون إلى طلّابهم بأن «المهندس ما خصّه يشتغل سياسة»، فاليوم نقول لكم: خدوا.