ثلاث رسائل لنقابة الصحافيّين
إلى تيّار الاستقلال: لا تفسدوا تجربة خالد البلشي؛
إلى رفاقي في مجلس النقابة: لا تخافوا السلّم الذي أتى بكم إلى هذا المكان؛
إلى الصحافيين: لن يكفي أن ننتخب رجلاً شجاعاً ليخوض كلّ هذه المعارك وحده.
منذ 25 عاماً بالتمام والكمال، بدأَت تجربتي مع نقابة الصحافيين. وصلتُ إليها عبر سلالم النقابة، كنتُ طالبةً في العام الأوّل من الجامعة، أدرس الإعلام، واندلَعَت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في نفس الوقت الذي استلم فيه الصحافيون المبنى الجديد في شارع عبد الخالق ثروت. المسافة من الجامعة للنقابة نقطعها سيراً على الأقدام أحياناً. نواصل التظاهر بين الجامعة والنقابة ونشعر أنّ المسافة بينهما هي ذلك الطريق الطويل الذي بدأناه ولم ينتهِ بعد. عرفتُ النقيب الحالي خالد البلشي وبعض أعضاء مجلس النقابة على سلالم الصحافيين: نُطالب، نُشاغب، ونَكسر دائرة احتكار الإعلام والعمل السياسي.
أغلبنا عملَ في الصحف الخاصّة والمُعارِضة، لم تحتوِنا المؤسّسات القومية. شاخت ولم تستطع استقبال وتحمّل هذه الأجيال التي رأَت في الصحافة مشروعاً للعدالة الاجتماعية والتغيير السياسي. وقد انتعشَت هذه الأجيال خلال عامَي ما بعد الثورة، حيث ظهرت التعدّدية التي كنّا نحلم بها، ثم سرعان ما انقضّ العسكر على كل المنجزات وأكلَها جميعها من أجل بناء إعلام يسبّح بحمد الحاكم ويُعيد إنتاج أسوأ ما في إعلام الحقبة الناصرية.
كنّا أبناء التجارب المارقة التي قتل النظام الحالي أغلبها. تحوّل بعضها إلى منابر لدعم السلطة الحالية، والباقي، أغلق أبوابه للحصار والإفلاس. ومَن تبقّى ظلّ يمارس المهنة من خلال الثقوب القليلة التي لم يستطع النظام إغلاقها، ثم ظهر الحجب، لعزل المواقع المتمرّدة والعاملين فيها.
كان النظام الدكتاتوري في مصر يسير عكس الزمن، كالعادة. لكنّ الحجب لم يمنع قطّ انتشار الموادّ الصحفية المميّزة والمعلومات التي تحاول صحف المتّحدة وإعلامها تجاهلها أو التعتيم عليها. وذلك إلى أن جاءت الرسالة الكبيرة: أتى الصحافيون المصريون برئيس تحرير صحيفة محجوبة ليصير نقيباً للصحافيين. وليس لمرّةٍ واحدة كتصويتٍ عقابي في مواجهة مرشّح الدولة، بل مرّتين متتاليتين. وقد جاء هذه المرّة مكتسحاً مرشّح النظام الذي جاء بحزمةٍ من الرشى المغرية. رفض أعضاء النقابة هذا التطاول وهذا التحقير، رغم المعاناة، وكان درساً مبهراً.
طوال تاريخ نقابة الصحافيين المصريين، كانت هذه الجماعة، خارج السياق دوماً، غير كاملة الاستئناس والتدجين. ومنذ التأسيس، وحتى في عزّ الجبروت الناصري، وتأميم كل الصحف لصالح النظام، وقفَت النقابة في مواجهة النظام السياسي حين اندلعت مظاهرات الطلبة في العام 1968 وانحازَت النقابة إلى مطالب الطلبة والشعب، وصدر بيان رسمي لدعم المطالب المتعلّقة بمحاسبة المسؤولين عن هزيمة 67، والمطالبة بتوسيع قاعدة الديموقراطية في البلاد. وفي عصر السادات، تصدّت نقابة الصحافيين لزيارة السادات لدولة الاحتلال الصهيوني، ومن حينها صدر القرار التاريخي الذي تُصوّت عليه الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين في كل اجتماع، والذي ينصّ على وقف كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني. وقد أثار هذا القرار غضب السادات، لكنّه لم يستطع إملاء رغبته على نقابة الصحافيين وأعضائها. فصل السادات الصحافيين المعارضين من المؤسّسات وحاول فصلهم من نقابة الصحافيين، فظهرت حينها جملة نقيب النقباء كامل زهيري: «العضوية كالجنسية»!
وفي عنفوان رجال مبارك وتسلّطهم على كل موارد ومصادر الإعلام لمدّة تصل إلى 25 سنةً تقريباً، ورغم أنّ الدولة تحكّمت بقيادات الجهاز الديناصوري «ماسبيرو»، وكذلك بكلّ المؤسّسات الصحفية الكبرى، وعلى رأسها «الأهرام»، إلّا أنّ هذا لم يمتدّ أبداً إلى السيطرة على نقابة الصحافيين. ورغم وجود نقيب حكومي يدير النقابة مع مؤسّسة «الأهرام»، إلّا أنّ الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين استطاعت رفض وتوقيف مشروع قانون يغتال المهنة، وهو القانون 93 الذي أصدرته الدولة وأوقفه الصحافيون بعد الاعتصام والاحتجاج الذي استمرّ لأسابيع حتّى نجحت مساعي الصحافيين، رغم وجود نقيب حكومي.
بالمناسبة، وفي ظلّ السنوات التي شهدت وجود نقباء حكوميين (إبراهيم نافع، مكرم محمد أحمد)، عرف جيلي من طلبة الجامعات سلالم الصحافيّين التي تحوّلت خلال هذا الوقت إلى ملاذٍ وملجأ لكلّ الاحتجاجات الشعبية للتضامن مع فلسطين والعراق وكذلك ضدّ توريث الحكم لنجل مبارك، وضدّ الفساد، ومع كل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمصريين.
أمّا الزمن الذي عاصرتُ بعضاً منه وشهدتُ أحداثه، فقد تعلّمت من خلاله، أنّه مهما بلغت قوّة النظام، فإنّه لا يأمَن غضبة الصحافيين المصريين. يوم الاجتماع المشهود في أيار/مايو 2016 مثلاً، وتحت حكم الرئيس الحالي الذي قتل المجتمع المدني وكل أشكال المعارضة، تجرّأت الأجهزة البوليسية واقتحمَت النقابة للقبض على اثنَين من الصحافيين الزملاء. حينها، نزل الصحافيون من الفجر إلى مقرّ النقابة وعُقد أكبر اجتماع للصحافيين ضدّ ممارسات الداخلية. وأجمَع الصحافيّون (معارضةً وموالاة) على تسويد صورة وزير الداخلية في كل الصحف الصادرة والمواقع، ومطالبة الرئيس بوقف هذه الممارسات.
يشكّل السرد السابق مدخلاً لفهم طبيعة نقابة الصحافيين المصريين: كيف تُعبّر هذه النقابة عن ضمير الناس في هذا البلد، وكلّما كان الظلام حالكاً، وكلّما تحكّمت الدكتاتورية في المصائر وضمائر الإعلاميين، خرجت هذه النقابة عن الصفّ المطيع، وقدّمت أوراقَ اعتماد جديدة تجعلها باقية، نابضة وحيّة. وما أريد توضيحه هنا، أنّ معركتنا في الإصرار على وجود خالد البلشي نقيباً، ودخول هذا العدد الكبير من صحافيّي المعارضة المحسوبين على اليسار أو على ثورة يناير، ما هو إلا امتدادٌ لهذه الروح وتعبير عن موقفنا ممّا يحدث في المجتمع المصري والحياة السياسية المتدهورة في ظلال الدكتاتورية العنيفة التي نعيشها منذ أكثر من عقد. لا يملك الصحافيون صحفهم، بل تملكها المخابرات. لا يملك أغلب الصحافيين قوتهم، بل تتحكّم فيه قيادات «المتّحدة» التي تبثّ فساد بعضهم. لا يملك الصحافيون رأيهم، فالأخ الأكبر يراقبهم ويكبت أصواتهم ويهدّدهم بقطع أرزاقهم، لكنّهم بلا شك وفي هذه اللحظة، يملكون نقابتهم.
ننظر إلى تجربة انتخابات الصحافيين، كونها الديموقراطية الوحيدة في بلادنا، بكثير من الذهول والحيرة. كيف انفلتت تجربة وحيدة كعلامة على الممكن في ظلّ المستحيلات. الناس في بلادي عزفت عن المشاركة في الانتخابات كما كان الحال قبل الثورة، وعاد صندوق الاقتراع إلى أحضان الفلوس والنفوذ. الناس في مصر لا يعرفون نوّاب الشعب. المجلس الحالي ما هو إلّا بوابة لتمرير القوانين والتشريعات التي تخدم النظام، حتّى انتخابات النقابات التي كانت مسرحاً للمنافسة بين التيّارات السياسية، تشهد سيطرة تامّة لرجال الأمن والأحزاب الموالية للسلطة. ولنا في تجربة انتخابات نقابة المهندسين المصريين خير دليل، حين انتصر نقيب تيّار الاستقلال النقابي على مرشّحي الدولة، حاولوا سحب الثقة من النقيب المنتخب طارق النبراوي، وحين جاءت مؤشرات التصويت في صالح تجديد الثقة في النقيب المستقلّ، هاجمت مجموعة من البلطجية التابعين لأحد أحزاب السلطة، صناديق الانتخابات، لمحاولة تغيير نتيجة التصويت. لكنّ الرأي العام ساند المهندسين في معركتهم، فيما انكشف أنّ الدولة لا تقبل أن تخرج نقابةً بهذا الحجم عن سيطرتها. بالطبع، حاول أقطاب الدولة تكرار مشهد نقابة المهندسين داخل نقابة الصحافيين، لكنّهم أدركوا أنّ الثمن سيكون فادحاً. فانتخابات الصحافيين محدودة الأعداد ومن الصعب تزويرها كما هو الحال في النقابات الكبيرة، كذلك لدينا أعراف ثابتة في التصويت والفرز ولا يمكن للدولة أن تتدخّل بالنتائج إلّا في استثناءات كما حدث بالفعل مع خالد البلشي الذي تعمّدت الدولة إسقاطه من عضوية المجلس، عندما نُقلت الانتخابات إلى خارج مقرّ النقابة وقت وباء كورونا. لكنّ المفاجأة كانت أنّ من أُسقطَ من العضوية، جاءت به الجمعية نقيباً!
هذا هو الردّ. ورغم كل ما سبق، نجحت إرادة الصحافيين، ولكن هل ستنجو تجربة الديموقراطية الوحيدة وسط غابة الدكتاتورية في مصر؟ يتحمّل النقيب الحالي ومجلسه، هذه المسؤولية الكبيرة. لديهم تحديات ولدينا تساؤلات، لديهم
التزامات ولدينا مخاوف وتوقّعات، لدى رفاقي السابقين، السلطة، ولدينا حقّ النقد والتصويب.
أحاول الآن تجنّب كل المشاعر الشخصية التي تربطني بخالد، رفيقنا ونقيبنا، قبل أن يصبح نقيباً للصحافيين جميعاً. أحاول أيضاً تجنّب سعادتي الخاصّة بفوزه وفوز صديقتي إيمان عوف بعضوية المجلس، واحدة من فريق المشاغِبات اللواتي عرفتهنَّ على السلالم، صحافيي الركن الشمال من الجمعية العمومية، ورفيقة كل معارك الحقوق والحريات داخل النقابة. كما يضمّ المجلس عدداً من الزملاء المُخلصين للعمل النقابي وقد عرفَتهم الجمعية العمومية بجهودهم خلال السنوات الماضية. ينتمون إلى ما يُطلق عليه «تيار الاستقلال النقابي»،، وبما أنّ الجماعة الصحفية اختارت في هذه اللحظة هذا التيار ليشكّل نصف مجلس النقابة، بالإضافة الى منصب النقيب، فلديهم فرصة وشرعية للعمل على ما طالبوا غيرهم به حينما كانوا في صفوف المعارضة.
نحن نعرف ماذا تفعل السلطة بالناس، حتّى الأخيار منهم. لدينا تجربة المناضل الناصري العريق الذي سخّر عمره للهتاف للحرية وحقوق العمّال وحين صار وزيراً، طلب الشرطة بوجه العمّال، وذهب ليهتف لرئيسٍ جاء بعد مذبحتَين. ولدينا الصحافي المعارض، ربيب المفاهيم القومية والعروبية، والذي برز اسمه مع تغطيات الحراك السياسي قبل الثورة ثمّ صار صوتاً وَقوراً للنظام. تفتّحت كل الطرقات أمامه. صار من أصحاب الملايين، وحصل مؤخّراً على منصب كبير في شركة المخابرات للإعلام.
من خلال تجربة العامَين الماضيين في إدارة خالد البلشي للنقابة، أؤكّد على نظافة يديه وضميره. من الصعب القول إنّ الرجل قد غيّره المنصب الذي حصل عليه، بل توسّعت قدرته على دعم الصحافيين في أزماتهم بحكم منصبه، وفتح مكتبه للجميع بلا استثناء. ردّ الاعتبار لكرامة الصحافيين، حين ربط الخدمات بالحقوق، وقاد النقابة لدورها الاعتباري ضدّ الحرب على غزة. فُتحت النقابة للجميع، وعادت السلالم مساحة للأجيال الجديدة من الطلاب. ولكن مع الدورة الجديدة للنقيب ومجلسه، نحن جميعاً أمام اختبار ليس فقط للنزاهة ولكن للفعل والمبادرة: أن تتحوّل مطالب الصحافيين إلى معارك تخوضها النقابة والجمعية العمومية بأكملها للمطالبة بحرية الصحافة ورفع الحجب عن المواقع وخروج الصحافيين المُعتقلين في السجون منذ سنوات؛ وأن تُقدّم النقابة الدعم الكافي للعاملين في المهنة في الشوارع ومواقع العمل بعدما صارت التغطية الميدانية من المغامرات الكبرى التي تهدّد سلامة وأمن الصحافيين.
لن يكفي أن ننتخب رجلاً شجاع ليخوض كل هذه المعارك وحده، بالنيابة عن جموع الصحافيين. نحن نعرف جيّداً مصدر الداء، حين يتحوّل المنصب إلى شرفةِ منزلٍ عالٍ، وأن يتمّ النفخ في قدرات الشخص بحيث يتوهّم أنّه قادر على الإنجاز وحده، بينما يتحوّل الجميع حوله إلى كومبارسات ومساعدين وليس شركاء.
أكره أن يتمّ التعامل مع خالد البلشي باعتباره المحرّر الذي سوف ينقذ مهنتنا التعيسة. لن يفعلها وحده، أو يتمّ التعامل معه باعتباره سوبر خالد، لأنّ مَن يستحق لقب السوبر، في الواقع، هو الجمعية العمومية التي أتَت به وسط هذه الأوضاع القاسية. وعلى هذه الجمعية أن تستكمل دورها وتُساند النقيب وأعضاء المجلس في المعارك المقبلة، وألّا تكتفي بالفرجة. وأن نتجنّب جميعاً تحويل عملية التغيير التي نريدها للمهنة والمجتمع، إلى عملية صناعة الفرد القائد الملهم، فاليسار وتيّار الاستقلال يُعيدان جزءاً من الأدبيات الناصرية، حيث يتمحور كل شيء حول القائد.
وما أراه خلال السنتَين الماضيتَين، أنّ الدائرة المحيطة بالنقيب تعزّز مخاوفه وتزيد منها حين تتّهم كل مَن ينتقد التجربة بأنّه متآمر ويهدّد تجربة خالد البلشي. هذا المناخ خلقَ كل الطغاة، ويعيد اليسار اليوم استخدام أدبيات السلطة في مواجهة المعارضة. يا للعجب!
أرى أنّ تجربة خالد تتجاوز تيّار الاستقلال كلياً، لأنّ زعامات هذا التيّار فشلت في مواجهة سنوات العصف وقادَت النقابة للتكفين حين دعموا ضياء رشوان النقيب السابق، وساهموا في صعوده حتَى صار رجل الرئيس المفضّل في الإعلام والمتحدّث باسم معبر رفح المغلق في ظل الإبادة.
نتمنّى قيادةً بمواصفات ديموقراطية جديدة وليس على شاكلة ما أنتجته الحركة السياسية المصرية من قيادات خلال المرحلة الماضية. أغلب رؤساء الأحزاب مارسوا الانفراد بالسلطة، دفنوا أحزابهم وشبابهم في شراكات عبثية مع النظام وخرجوا خاسرين بلا قيمة أو تأثير على انفراد النظام بالحكم. مجرّد ديكور يُجمّل حكم الطاغية.
وأخشى ما أخشاه، أن يُفسد ما يُسمّى «تيّار الاستقلال» تجربة البلشي، «الدبّة تقتل صاحبها» ولا تشعر بذلك، خاصّةً وأنّ هذا التيّار لم يملك رؤيةً موضوعيةً لحقيقة وضع مرشّحيه في الانتخابات السابقة. تبنّى التيار في الانتخابات الماضية مرشّحين لم يقدّموا شيئاً للجمعية العمومية وليس لديهم أيّ سجل في العمل النقابي، أو أنّهم فشلوا سابقاً وأصرّوا على مشاركتهم، لمجرّد ضرب مرشّحين آخرين جديرين ينتمون للتيار أيضاً، لكنّهم في نظر تيّار الاستقلال مشاغبون وغير طَيّعين بما يكفي. حتّى تيّار الاستقلال لا يريد مرشّحين مستقلّين بحقّ.
النقابة والسياسة: كأنّها علاقة عكسية، وهي ليست كذلك. محاولة إنكار واقع الأشياء لن تُغيّرها. استخدَمت الدولة رجالها من مدّعي المهنية والموضوعية كفزّاعةٍ لتجريد النقابات وتحويلها إلى جمعياتٍ خيرية أو أندية اجتماعية. تناسى البعض أنّ النقابات هدفها هو تنظيم مجموعات المصالح والمهن المختلفة للدفاع عن الحقوق، وهذه هي السياسة! وبالنسبة للصحافيين، نقابتنا مخوّلة دون غيرها من النقابات المهنية للدفاع عن الحريات، لأنّها أساس ممارسة المهنة، ومن الساذج فصل الحريات عن المهنة، وهذه هي السياسة أيضاً.
يحاول بعض الشيوخ من تيار الاستقلال الادّعاء أنّ الاحتجاجات التي تتبنّاها النقابة أو يُفتح لها المساحة، تؤثّر سلباً على تجربة النقيب الشاب، واتّهمونا كثيراً بأنّنا سوف نُغلق المساحة المفتوحة بالتهوّر السياسي وإقحام النقابة في ما ليس يعنيها، ويطلبون منّا التماهي مع قرارات المجلس. يريدون أن يصبح الجميع حمائم، لأنّ صقور المعارضة صارت في السلطة!
ومن المفارقات أنّ مَن يقولون هذا، سبق وفتحوا سلالم نقابة الصحافيين لاحتجاجات حركة «كفاية» ضدّ الرئيس المخلوع مبارك، في لحظةٍ استثنائيةٍ غيّرت وجه المعارضة في مصر. وسبق أن فتحوا النقابة لاحتجاجات المصريين ضدّ بيع جزيرتَي تيران وصنافير للسعودية. ونتيجةً مباشرةً لذلك، عوقبت نقابة الصحافيين، وتحمّلنا ستّ سنوات من الحصار والتضييق واعتقال الصحافيين وتردّي أحوال المهنة. ولم تكن محاولة انتخاب خالد البلشي الذي جاء أيضاً عبر سلالم النقابة، إلّا ردّاً على هذه الحالة وموقفاً من تكفين نقابة الصحافيين وتحويلها إلى نادٍ اجتماعي.
أغلب الظنّ أنّ رياح الدكتاتورية العنيفة، خلعت كثيرين من جذورهم. لا بأس في ذلك. لكنّهم لن يمنعونا من أن نرى الطريق. لن يغلقوا أبواب نقابة الصحافيين بحجّة حمايتها. حين أغلقت النقابة، ضعُفَت وهانت وهانت مصالح أعضائها. لن نرضى أن نسلّم هذه النقابة مكسورة الجناح للأجيال الجديدة. عرفناها نقابة الرأي، ذات سلالم حيّة نابضة بالصوت، ونريد أن نسلّمها لمن سيأتي بعدنا كما استلمناها، ساحةً للضمير.