كان للحرب الإسرائيلية على لبنان لغتها البصرية الخاصة، تمثلت بخرائط المناطق المستهدفة الزرقاء. سلسلة خرائط، تنشر دوريًا كل بضعة ساعات، تقدّم صورة من فوق عن مدينة تقصف، أو تسمح لنا باختبار كيف نظر الغزاة إلينا. لكن من تحت، لم يكن هناك خرائط، بل منازل وشقق، تخلع وتدمر وتنخلع، ومعها حياة وذكريات وأحاسيس انبنت من حولها.
أغمِض عينيك.
أنت تقف أمام باب الشقة الخشبي. الباب الحديدي البني مفتوح على غير عادة. نظنُّ أن الباب تُرِك مفتوحًا لعجلة الرحيل، ويعاظم من ظنِّنا أنَّ أصحاب الشقة كانوا يعنون بإغلاق الباب الحديدي في الآونة الأخيرة حتى عندما يكونون داخل الشقة. وقد يكون حرصهم هذا جزءًا من الحس الأمني المتزايد في المنطقة، والمدفوع بأخبار متناقلة «أكدها» الجيران في مجموعة الواتساب التابعة للبناية، أو ربما قد يكون سبب إقفاله الدائم الرغبة الدائمة بالشعور بالقدرة بالسيطرة على المكان وحمايته.
من تحت الدَّواسة السوداء، التقِط مفتاح الباب الخشبي. يفتَرِض المنطق الأمني أن يُقلِع أصحاب الشقة عن هذه العادة خاصةً مع تركهم الباب الحديدي مفتوحًا. هل نسوا المفتاح الإضافي هناك بعد رحيلهم المفاجئ؟ أم أنهم افترضوا صعوبة الزيارة، فأبقوه هناك لظنهم أنَّهم قد يحتاجون الجيران أو أي عابر في المكان لزيارة الشقة؟ وإن صحّ الافتراض الأخير، ألِهذا تركوا الباب الحديدي مفتوحًا؟ مدخل الشقة يفضي إلى رواق متوسط الطول. على الحائط الأيسر، تمامًا خلف باب الشقة المفتوح، علبة كهرباء، وفيها المحوِّلات الكهربائية المخصَّصة للغُرَف، ومحوِّل إضافي لمولِّد الاشتراك. كان من المفترَض أن يُضاف محوِّل آخر لكهرباء الطاقة الشمسية، لكنَّ المشروع لم ينفَّذ بسبب خلافات مع الجيران حول المساحة المسموح استخدامها على سطح المبنى لنصب الألواح الشمسية. نعرف من المتواتر من أخبار الحي أنَّ أصحاب الشقة يحيلون الخلاف إلى تدخل أصحاب المولدات الكهربائية في الحي لمنع تنفيذ المشروع.
تحت العلبة دْروسْوار صغير، وفي خزانته السفلية تتراصّ الأحذية النسائية والرجالية المختلفة. على سطح الدْروسْوار، صحن خشبي فيه سماعات أذن طبية، لا نعرف لِمَ تُركَت السماعات الطبية في المنزل، ولكنَّنا نفترض أنَّ صاحبها (الأب؟) كان يتفادى استخدامها في الآونة الأخيرة، واختار أن لا يسمع أصوات القصف والمسيرات بدقة في المنزل أو خارجه. وثلاثة سكاكر مغلفة، السكاكر بلا سكر، ما يرجِّح إصابة فرد أو أكثر من العائلة بمرض السكري. وعدَّاد الصلوات على النبي محمَّد، وثلاثة مسابح، العدَّاد من بغداد. أما المسبحة البيضاء، فمن الكوفة، وعلى عكس المسابح المتروكة في غرفة النوم الرئيسية التي تستخدمها الأم في صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فإنَّ ربة المنزل تستخدم هذه المسبحة بعد صلاة الفجر فقط كي لا توقظ زوجها، وفي النهار في أوقات متباعدة عن الصلوات الأربع الأخرى. تُكبِّر 34 مرة (الله أكبر)، وتُحمدِل بعدها 33 مرة (الحمدلله)، ثم تُنهي بالتسبيح 33 مرة (سبحان الله) اقتداءً بفاطمة الزهراء. أما المسبحتان الأخريان، فلربّ المنزل يأخذهما معه قبل أن يخرج ويضعهما في الصحن بعد عودته. والكثير من البطاقات والقوائم. تتنوع البطاقات بين بطاقات السوبرماركت وقوائم المطاعم السريعة، وخدمات الأعمال والإصلاح المنزلي (سنغرة، واشتراكات كهرباء وإنترنت، وعروض لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية)… أما في الدُّرج، فمجموعة من الشمع والكبريت وقداحة وكشَّاف ببطارية وفواتير كهرباء. إن فواتير الكهرباء قديمة لدرجة أنها بسعر صرف الليرة القديم قبل الانهيار. لا نعرف إن توقفت الدولة بعدها عن إرسال الفواتير، أم قرَّر أهل البيت عدم استلامها، أم أنهم يحتفظون بالفواتير الجديدة في أمكنة أخرى.
تحت الدْروسْوار شحاطتان، وقبالته على الحائط الأيمن، مرآة حائط بإطار برونزي بشرخ في زاويتها العلوية اليسرى. من القليل الذي تعرضنا إليه في زياراتنا السابقة، تأكيد الأم على محبتها للمرآة بعد تعليقنا عن جمالها. هل منعت الأم استبدال المرآة، رغم الشرخ الذي فيها، لأنها ورثتها عن والديها أم أنها غرضها المفضَّل الذي اشترته بنفسها فحسب في زمنٍ سابقٍ كانت تنزل فيه إلى السوق؟ وتحت المرآة صندوقان: صندوق الصدقة وصندوق هيئة دعم المقاومة. كان وضع الصندوقين تحت المرآة مدعاة أخذ وردّ بين أفراد العائلة. فهناك من اقترح تركهما على الدرج قرب الباب كي يتبرَّع الصاعدون والنازلون، لكنَّ ضيق المساحة هناك حتَّم إرجاعهما إلى الداخل. هذا ما نعرفه من أنصاف الحكايات التي تناقلها الجيران. وإذا ما صحّت الحكايا، يمكننا تخيُّل مرور الأم الدائم بالقرب من الصندوقين وإبعادها لهما قدر المستطاع كي لا يظهرا في مشهد المرآة. ويمكن لنا توسعة حكايتنا الخاصة لتشمل شك الأم المستمر بوجود من يغيّر موضع الصندوقين ويعيدهما حيث كانا. المرجّح أن ما من أحد يعدِّل في أمكنة الأشياء بعد الأم، ولعلَّ شكَّها هو وليد نوبات القلق التي تنتابها من وقت لآخر بالترافق مع أحداث يومها. حائطا الرواق مطليَّان باللون الكريمي، يبدو لون الرواق الكريمي كخيار، غريبًا واستثنائيًا، ولا يشبه اللون الأبيض للجدران في باقي الغرف. قد يكون القرار اتخذ لحاقًا بنصيحة أحد المعارف أو الأقرباء فاعتُمِد الخيار بلا مساءلة حقيقية. وإن مضيتَ في الرواق خطوتين إلى الأمام بعد الدْروسْوار والمرآة، ستجد حمام الضيوف على يمينك بينما يقبع المطبخ قبالة الحمام إلى يسارك.
في المطبخ طاولة لا تملك الأسرة غرفة سفرة، والطاولة قابلة للتوسيع لتحتل مساحة أوسع وهم يوسعونها عندما يستضيفون زوارًا (مثلما استضافونا على الغداء ذات يوم) أو في حالة اجتماع العائلة الموسعة على الترويقة نهار الأحد. مغطاة بغطاء قماشي يعلوه غطاء آخر من النايلون وضع الغطاء النايلون هو طريقة الأم لتنظيف أسرع ولتحمي الغطاء القماشي من الغسل اليومي المتكرر. وخزائن علوية وسفلية في الجوارير أدوات مطبخية يصعب حصرها، ومثلها في الخزائن العلوية والسفلية، لكن لطنجرة الضغط الموضوعة في الخزانة اليمنى العلوية معزّة خاصة عند الأم. ومجلى وغاز بأربع عيون وبراد ماء وثلاجة لا نعرف كيف تستخدم للعائلة الثلاجة من دون أن يتلف المخزَّن فيها في ظل التقنين القاسي الذي تخضع له المنطقة، لكنَّ الأقرب للمنطق أنَّ العائلة تقتصد في الإنارة عندما تستخدم كهرباء الاشتراك وتعطي الأولية للبراد والثلاجة. هذا لا يمنع وقوع حوادث التلف مع سوء خدمة المولد، وربما لهذا السبب كانت العائلة تستكشف إمكانية تركيب ألواح الطاقة الشمسية. وبراد أكل. على البراد، روزنامة الحزب تختلف تصميمات الروزنامات من سنة لسنة، لكنَّ صورتي السيد وصاحب الزمان ثابتتا الوجود في كل التصميمات. مثبَّتة بمغناطيسيات على شكل فواكه، ولائحة بالناقص من الخضروات والفواكه والمنظفات. باب المطبخ الألومنيوم منزوع من مكانه ويفضي إلى شرفة مزجّجة من السقف إلى الدرابزين تحوَّلت إلى غرفة غسيل نحن عندما نقول «غرفة الغسيل» إنما نستخدم عبارة الأم فحسب. لكنَّ الواقع أنها ليست بغرفة. هي مجرد غسالة أوتوماتيك طرفها الأيمن العلوي يأكله الصدأ، لكنَّها ما زالت تعمل. والأم عادةً ما تنقل الملابس المغسولة في الطشت البلاستيكي الذي تتركه فوق الغسالة إلى شرفة غرفة النوم الرئيسية حيث تنشر الغسيل هناك. لقد طرحت أكثر من مرة فكرة تركيب منشر غسيل خارج شرفة المطبخ، لكنَّ مطلبها لم ينفَّذ لأسباب لم نعرفها، ولكنَّنا نقدِّر أنّ نصب المناشر قد يكون من ممنوعات لجنة البناية أو بسبب موقع الشرفة على شارع عام، ما قد يستتبع غرامة من البلدية. ومونة. تحتوي خزانة المونة على البهارات والبقوليات والسكر والأرز والبرغل. وللزيتون والزيت الذي يشتريه الأب من أقربائه ومعارفه في الضيع الجنوبية حضور دائم في الرف العلوي. أما الأم، فلم تتخلَّ عن عادة تموين الأكل الذي يمكن تخزينه خارج البراد، وهي عادة من زمن الحرب الأهلية فاقمها مؤخرًا ازدياد تقنين الكهرباء والهلع الذي انتاب الأم بداية حجر الكورونا. زيادة عن ذلك، فإن الأم تقوم بكبس الزيتون واللفت والخيار والمقتى بنفسها.
إن عدتَ إلى الرواق، وتقدمتَ مجددًا إلى الأمام ستجد غرفة الجلوس إلى يمينك، وفيها كنبتان بثلاثة مقاعد وكنبتان صغيرتان تتّسعان لشخص واحد. على الحائط الجانبي، المقابل للكنبتين الصغيرتين، لوحة معلَّقة لثلاثة أحصنة تعدو في الريح. وفي زاوية الغرفة، طاولة بتلفزيون، وعليها مجموعة من صور الأولاد تتوزّع صور الأولاد بين صور التخرّج والزفاف، ويبدو لنا أنَّ من يتزوج منهم تتبدَّل صورة تخرجه بصورة زفافه. والأحفاد، وتحتها ثلاث طاولات قهوة صغيرة يمكن تنظيمها داخل بعضها. إنَّ الطاولات هذه مستجدة على الشقة، فهذه المرة الأولى التي نراها، وقد تكون من مشتريات الوالدين في زياراتهما القريبة لسوريا أو للعراق. لا نستطيع التأكد على وجه التحديد. على الأرض سجادة عجمية مستطيلة الشكل، لا نعرف إن كانت العائلة قد اشترت السجادة من إيران أم من السوق المحلي أم أنها قد ورثتها من الآباء، لكنَّها كانت هناك منذ زيارتنا الأولى للشقة قبل سنوات، وعليها بضعة حروق من فحم الأرجيلة وكانون الشتاء. وفوق الطاولة مكيف أبيض مصفر الحواف مركَّب في الزاوية العليا من الجدار، وإلى يمين المكيف تمامًا فوق الباب المفضي للشرفة، صورة مبروزة للسيد حسن نصر الله. لم توضع شريطة سوداء حول الصورة رغم أنَّ الأسرة، بحسب معرفتنا، قد غادرت المنزل بعد أيام من اغتيال السيد.
على الحائط الخلفي قبالة صورة السيد، لوحة معلقة لآية الكرسي بخط النسخ: «اللَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ مَنْ ذا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِن عِلْمِهِ إلا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ والأرْضَ ولا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وهو الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ».
في الشرفة نبربج موصول بحنفية خارجية، ومتروك في أرضه في الزاوية. الستائر التي تحمي الشرفة من المطر بيج ومقلمة باللونين البني والبرتقالي، وإن نظرتَ من بينها، ترى شجرة الغاردينيا الوحيدة في الحي عند مدخل البناية. يستخدم الأب النبريج ليسقي شجرة الغاردينيا من الطابق الثاني حيث تقع الشقة، ويؤكد في أحاديث متكررة في محلات الحي، أنَّ شجرة الغاردينيا هي الشجرة الوحيدة من نوعها الباقية في المنطقة وتنبغي رعايتها. ورغم عدم قدرتنا على التأكد من المعلومة، فنحن متيقّنون من تكرار فعل السقاية، الذي لطالما أثار مشاكل مع سكان الطابق الأرضي والأول الذين اشتكوا من تسرب المياه إلى شرفاتهم.
العودة إلى الخلف، تجعلنا قبالة باب غرفة الجلوس المفتوح. فوق حاجب الباب لمبة بطارية مثبتة. تتكرّر اللمبة نفسها في جميع الغرف، ويبدو أنَّ للعائلة نظام بطارية خاصّاً تستخدمه للاقتصاد في استهلاك كهرباء المولد أو عند انقطاع كهرباء الشركة والمولد، وهذا نظام تكرَّرت رؤيتنا له في شقق أخرى. الرواق عند هذه المساحة، يتخذ شكل L مقلوبًا ويفضي إلى غرفتَيْ نوم الأولاد اللتيْن تتشاركان حمامًا قبالتهما، ثمَّ بغرفة النوم الرئيسية.
الغرفة الأولى تحوي سريرين وخزانة حائط ومكتبًا تُركت عليه وفي رفوفه بعض الأشياء القديمة غير المستخدمة. تشي حال الغرفة أنها غير مسكونة وتستخدَم أحيانًا للتخزين. هل كانت غرفة الولدَيْن الذكرَيْن قبل زواجهما أو سفرهما إلى إفريقيا؟ لا نعرف فعلًا، لكنَّ «الكراكيب» المتروكة على المكتب تعزِّز هذه النظرية. السريران موضّبان بحرامين بنّيَّيْن شتويَّيْن متماثليْن يحملان رسم نمر، وحرامات أخرى مطويّة ومتروكة على أحد السريرَيْن. لا أشياء معلّقة على الحائط بخلاف الستارة التي تغطّي شبّاك الغرفة بين السريرَيْن.
في الغرفة الثانية سرير واحد بُنِّي بحدائد نبيذية، مع كومودينة قربه وcd player، إنَّ الأقراص المدمجة المتروكة قرب الـCD player تتنوع بين القديم النسائي (ميادة الحناوي وأم كلثوم ووردة) والمعاصر الرجالي (كاظم الساهر وتامر حسني) والجديد النسائي (شيرين). وبمقارنتها مع الغرفة السابقة، يبدو أنَّ هذه الغرفة مسكونة من قبل الإبنة العزباء، وهذا، ربَّما، يؤكد نظريتنا عن الغرفة السابقة. ويبقى هذا ظنَّا إذ إننا لم ندخل الغرف في زياراتنا السابقة التي اقتصرت على الرواق والمطبخ وغرفة الجلوس وشرفتيهما وحمام الضيوف. ومدفأة على الغاز وخزانة مستقلة بنفسها بأربع درفات. أما المكتب القريب، فمملوء بالكتب والمجلات. يتكرّر وجود أعداد قديمة من مجلات الجرس وزهرة الخليج. أما الكتب، فنعثر بينها على «نسيان.com» لأحلام مستغانمي و«عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني و«باب الشمس» لالياس خوري، و«أميركا» لربيع جابر.
لغرفة النوم الرئيسية حمّام خاصّ، القساطل فيه خارجية ظاهرة. وفي الغرفة سرير ومنضدتان وخزائن بيضاء اللون، وكنبة تُرِكَت عليها مُصلِّية مثنية وفوقها السجدة والقرآن شريط القراءة متروك على صفحة من سورة النساء، وفيها نقرأ: «ولا تَهِنُوا في ابْتِغاءِ القَوْمِ إن تَكونوا تَأْلَمونَ فَإنَّهُمْ يَأْلَمونَ كما تَأْلَمُونَ وتَرْجُونَ من اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا». بينما علِّقت بضع مسابح على ذراع الكنبة. تتّصل الغرفة بشرفة في الشرفة، كان ربّ المنزل يمضي معظم أوقاته. وقد تفاقمت حالته هذه بعد توقّفه عن العمل، وحجز البنك لتقاعده. في الشرفة، يتأمّل ربّ المنزل الشارع، ويحاول حفظ الوجوه في شرفات المباني المقابلة بالقدر الكافي الذي تعينه عليه ذاكرته التي صارت تعمل في الآونة الأخيرة بطريقة غريبة، تصل أزمانًا بأزمان، ووجوهًا بوجوه، وأمكنة بأماكن. تحوي سبع نباتات، عرفنا من النباتات: ياسمينة وحبقة ونعناع، ولم نستطع التعرف على النباتات الأربع الباقية التي يبدو إنَّ اثنتيْن منها مريضتان، يؤكِّد ذلك لون ورقاتهما الأصفر وجفاف أطرافهما. هل وضعت النبتتان في أماكن خطأ تحت الشمس، أم أنهما سُقِيَتا كثيرًا، أم أنَّ هذه الأمراض وليدة غياب العائلة الأخير عن الشقة وبالتالي عدم السقاية؟ ومنشر غسيل حديدي، وتطلّ على خلفيات البنايات المجاورة. إنَّ المساحة بين البنايات متروكة لمبنى توقّف بناؤه عند الطابق الأول، فاستقرّ فيه الردم وما وقع من شرفات المباني المحيطة، وتحوَّل إلى مرتع لقطط الشارع التي يسمع السكان أصوات تزاوجها في الشتاء. أما في السماء، فتعبر أسراب الحمام من سطح مبنى لآخر مذكرةً البنايات أنها تتشارك جميعًا السماء، وهي السماء ذاتها التي سيسقط منها ما يُحيل بعض هذه المباني، ومنها المبنى الذي تقع فيه شقة العائلة، ردمًا.
تحذير عاجل للمتواجدين في الضاحية الجنوبية: لكل من يتواجد في المبنى المحدد بالمربع الأحمر وفق ما يعرض بالخريطة والمباني القريبة منه. أنتم موجودون بالقرب من منشآت تابعة لحزب الله، فمن أجل سلامتكم وسلامة أبناء عائلاتكم، أنتم مضطرّون لإخلاء هذه المباني فورًا والابتعاد عنها لمسافة 500 متر وفق ما يعرض في الخارطة.
افتَح عينيك.