يعاني نادي النجمة الرياضي، صاحب الشعبية الأكبر في الرياضة الأكثر جماهيرية في لبنان، من أزمة كبرى، بعض أسبابها داخلي، وبعضها الآخر على صلة بحالة الانهيار التي تصيب البلد ككلّ.
سوء الإدارة والفشل في إحراز الألقاب
على الصعيد الداخلي، يُستخلص من سجلّ السنوات الماضية أن الإدارة التي يرأسها أسعد الصقال فشلت في قيادة الفريق الى الظفر بأي لقب بطولةٍ أو كأس.
بدا جليّاً أن التخبّط في التعامل مع المدرّبين والتبديلات الدورية التي طالت الجهاز الفني من دون أسباب مقنعة ساهمت في تردّي النتائج. كما أن الإدارة إياها أخفقت في استقدام لاعبين مميّزين يرفعون من مستوى الفريق، وتخلّت في الوقت نفسه عن لاعبين جيّدين لأسباب لم تكُن مرّة مقنعة أو مرتبطة باستراتيجية رياضية. وهي بهذا المعنى أساءت التصرّف وظهر على أدائها ارتجالٌ دائم، واتّهمها كثرٌ ممّن تعاملوا معها بالزبائنية وقلّة الحيلة. وعوض استدراك الأمر أو البحث عن حلول جدّية، اندفعت بتهوّر لمواجهة الاتحاد اللبناني لكرة القدم واتّهمت جهازه التحكيمي بالتسبّب بخسارة الفريق العديد من المباريات، وصولاً الى قرارها مقاطعة الدوري ثم عودتها المفاجئة عن القرار ثم تمنّعها عن حضور المباراة مع نادي العهد، بما أدّى الى شطب نقاطٍ للفريق جعل موسمه الحالي بلا طائل.
هذا لا يعني أن لا إشكاليات في تعامل الاتحاد مع الأندية أو أن لا وهن في الجهاز التحكيمي، ولا ينفي أيضاً أن للنجمة تاريخاً من المواجهات معهما ومن التظلّم من سلوكهما يعود الى آخر ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته. لكنّ الهروب من مشاكل داخلية مرتبطة بسوء التدبير وإلقاء المسؤولية حصراً على الحكّام والاتحاد سلوك غير مسؤول، ولم يعد يقنع معظم جماهير النادي المتعطّشة للانتصارات والألقاب المفقودة.
الأزمات المالية وغياب الاحتراف
يواجه نادي النجمة أيضاً، كمعظم النوادي الرياضية اليوم، مصاعب مترتّبة عن الأوضاع التي يعيشها لبنان، بما يتسبّب بضائقة مالية ويفاقم من الصعوبات ويحدّ القدرة على التطوّر وعلى تطبيق الاحتراف وتوفير مستلزماته للّاعبين والمدرّبين. ولا يبدو أن ثمة ما يوحي بتبدّل هذه الأوضاع أو باجتذاب شركات راعية ورؤوس أموال واستثمارات قادرة على تعديل الأمور أو السماح بإبقاء الرياضة والرياضيين بمنأى عن الأزمة العامة.
وهذا يؤدّي غالباً الى صراعات على المتاح من الموارد وتنافسٍ على النفوذ، ويوفّر الفرصة لسياسيّين متموّلين أو لطامحين لأدوار سياسية بأن يتدخّلوا للتأثير وللاستثمار الانتخابي. كما يسمح لإداريّين بالاستقواء سياسياً لتعيين أو «اختيار» أعوان لهم في مناصب ليسوا أهلاً لها.
ولا يخرج استظلال رئيس نادي النجمة اليوم برئيس الحكومة السابق سعد الحريري (الذي دعم النادي مالياً، كما دعم غريمه التاريخي نادي الأنصار) عن سياق العلاقة غير السويّة بين النوادي الرياضية والسياسيّين، ولًو أن الأمر ليس استثناءً لبنانياً أو عربياً، ولا علاقة له مباشرة بنتائج الفريق على أرض الملعب.
محاولات التوظيف السياسي والمسألة الطائفيّة
يضاف الى كلّ ذلك أنّ نادي النجمة تعرّض في التسعينات، مثلما يتعرّض منذ العام 2015، لابتزاز «مذهبي» ظهّر الكثير من الثقافة السياسية اللبنانية القائمة، وألقى الضوء على بعض الديناميات الطائفية أو المضادة للطائفية.
فالنادي البيروتي العريق، بإدارته المتنوعةِ انتماءاتُ أعضائها الطائفية مع أرجحيّةٍ تاريخية سنيّة، تناصره قاعدة شعبية متعدّدة الانتماءات الطوائفية والطبقية والسياسية، مع أرجحية كبرى شيعية. ولم تخفّف هذه الأرجحية الشيعية من حماس أصحابها لفريقهم حين يواجه فرقاً محسوبةً جغرافياً على الديموغرافيا الشيعية إيّاها (كالتضامن صور في الجنوب أو شباب الساحل- والبرج سابقاً- في الضاحية الجنوبية لبيروت)، بل على العكس، فهي تزيد من حماسهم ومن تعصّبهم لفريقهم «النبيذي».
الأهم والأكثر دلالة، أن صعود نادي العهد المحسوب مباشرة على حزب الله، وتحوّله في السنوات الأخيرة الى أبرز الفرق اللبنانية، لم يؤثّر إطلاقاً على القاعدة النجماوية، التي قد يؤيّد كثرٌ فيها الحزب الشيعي المسلّح ويهتفون لسيّده ولهويّته المذهبية، لكنّهم يعادون فريقه الرياضي بحدّة (فاقت عداءهم لغريمهم ومنافسهم التاريخي نادي الأنصار البيروتي). وهذا ليس دليل «فصلهم السياسة عن الرياضة» كما يتردّد، بل نتيجة أولوية النجمة عندهم على باقي الأولويات والهويّات، أقلّه خلال الدقائق التسعين التي يتابعون لاعبيهم خلالها أسبوعياً. ولعلّ الاستخدام المتكرّر من قبل بعض المستائين من الاستقلالية النجماوية المذكورة لمقولاتٍ تعدّ «التهجّم على العهد» نيلاً من «كرامة المقاومين ودماء الشهداء» يشير الى سلّم الهويات ويسعى لتخيير قسم من النجماويّين بين فريقهم و«فريق المقاومة»، وربط الأمر بقسمةٍ سياسية طائفية لبنانية، يريدونها مقسّمةً للجمهور النجماوي ذاته.
تحرّكات روابط الجمهور
في مواجهة ذلك، تأتي كلّ فترة تحرّكات روابط جمهور النجمة لتُبرز رفضها لأي ابتزاز. فمن اللجوء الى التظاهر في الشارع أواخر التسعينات ضد سياسات الاتحاد الكروي ومحاولاته إخضاع النادي لتسلّط أمينه العام، الى «انتفاضة» العام 2016 لفكّ الطوق الأمني عن الملاعب وفرض العودة الشعبية إلى مدرّجاتها، وصولاً إلى المبادرات اليوم المطالبة باستقالة رئيس النادي وإصلاح الشؤون الإدارية بعيداً عن المزايدات والقرارات المرتجلة والمُفضية فشلاً بعد فشل، يبدو الجمهور النجماوي جاهزاً للتحّرك دورياً دفاعاً عن ألوان فريقه ووفاءً للصورة الحقيقية أو المُتخيّلة لناديه وللموقع الذي يجب أن يحتلّه في ساحة كرة القدم اللبنانية.
وفي الحراك كما في التمنّع عن الخضوع للابتزازات ما يجعل النجمة- رغم الفوارق الكبرى سياسياً بين أدوار جمهوره وأدوار جماهير أندية كبرى برزت خلال الثورات العربية في مصر والجزائر أو تحرّكت سياسياً في المغرب وتونس وغيرهما- علامة فارقة في الخارطة الرياضية/ السياسية اللبنانية.