اللامبالاة
من بين ماكينات السلطة، كان حزب الله أول من أعلن مرشّحيه للانتخابات.
لم يكن هذا الإعلان المبكر إشارة لحماسة حزب الله إزاء الاستحقاق القادم. بالعكس، شكّل الإعلان تأكيدًا على أن حزب الله لا يبالي ولا تعنيه طقوس الديموقراطية، مهما كانت شكليّة. فأعاد المرشّحين ذاتهم، مع البرنامج ذاته، والشعار نفسه، مضيفًا إليه كلمة «باقون».
فإذا كان لا بدّ من هذه الانتخابات، سنخوضها من حواضر البيت.
العناد
«باقون»… يبدو شعار حزب الله جوابًا لسؤال لم يطرحه أحد.
لامبالاة المقاومة تخفي عنادًا، عناد من يرفض أن يعترف بأنّ الأمور قد تغيّرت بعض الشيء بين عامي 2018 و2022. فحزب الله لا يريد أن يعترف بأن البلاد شهدت انهيارًا وثورة وهجرة وتدميرًا وانفجارًا. تلك الأمور عابرة وسطحية وهامشية لمن يقاوم وجود أميركا في قرى الجنوب. فلا داعي لتغيير أي فاصلة في المقاربة الانتخابية. ما كان يصلح في 2018، ما زال يصلح في 2022.
العناد في وجه الواقع من ميزات حزب الله.
الملل
أعلن حزب الله لجمهوره أنّ ما من انتخابات في مناطق نفوذه في 15 أيّار المقبل.
ليس هناك ما يقدّمه حزب الله لهذا الجمهور إلّا الثبات، ثبات بات أشبه بعقاب جماعي لجمهور فكّر، وإن للحظة، بمساءلة ممثّليه السياسيّين عن أسباب انهيار دمّر حياتهم. ففرض عليهم نفس الوجوه ونفس الكلام الفارغ، وكأنّه يريد لِلمَلَل أن يكون أداةً تأديبيّة. فعزلَ مناطقه عن هذا الاستحقاق، وأعلن أنّ في مملكته، لا جديد يستحق التعبير.
لا داعي لانتخابات، فمجلس شورى الحزب ينتخب عنكم.
سخط
علينا أن نُنجح كلّ نوابنا وكلّ حلفائنا. وحتى لو كان هناك مرشّح عليه نقاط، هدفنا أن ننجحه.
حزب الله لن يخوض الانتخابات في مناطقه، بل من أجل حلفائه، كما جاء في كلام أمينه العام. اعتادت المقاومة، في الآونة الأخيرة، على امتلاك حلفاء أمّنوا لها ما يشبه أكثرية نيابية. بيد أن حلفاءه اليوم منهارون، ويحتاجون لمن يؤمّن لهم بعضًا من الأصوات لكي يحافظوا على كسرة من كتلهم. فأجبروه بأن يدخل هذه اللعبة السمجة التي يسمّونها الانتخابات، ليؤمّن بعضًا من امتداداته في باقي الطوائف.
ففي 15 أيّار، سيخوض حزب الله الانتخابات، ولكن ليس في مناطقه.
التهديد
لم يشكّل وجود حزب الله في مجلس النواب يومًا مصدرًا لسيطرته، كما لم تكن مشاركته في الحكومات من ميزات عمله السياسي. فمصادر سيطرته خارجة عن المؤسسات وطقوسها الانتخابية. هو فيها كمجرّد مراقب، دوره أن يتأكّد أنّ الحلفاء، قبل الأعداء، لا يتآمرون على المقاومة.
فالحزب ليس من محبّي العازل الانتخابي، هو من روّاد كاتم الصوت. وقد شَبَّهَ الانتخابات القادمة، لمن يريد الاعتراض عليه، بحرب تموز جديدة. فاحتكار تمثيل الطائفة الشيعية كان ثمنه دماً، ولن يقبل الحزب باختراقه من خلال أصوات ناخبين أو من خلال رياضيات الحاصل الانتخابي.
وهنا تكمن عقدة الانتخابات القادمة. سوف تشهد البلاد تنافسًا، ربّما غير عادل، في سائر المناطق، لكن ليس في مناطق الحزب. فضجيج الانتخابات لا يعلو فوق كاتم الصوت.