يكتب النادي العلماني اليوم تاريخًا جديدًا. سقطت «قلاع الأحزاب» أمام لائحة «طالب» التي اكتسحت معظم الكليّات وفازت بجميع رؤسائها.
لا يمكن اعتبار هذه النتائج حالة سياسية منفردة ولا يمكن تحييدها عن الحالة الجماعية. أصبحت الجامعات أرضًا خصبة للتغيير وهذا ما أثبتته نتائج الجامعة اللبنانية الأميركية وجامعة رفيق الحريري والجامعة الأميركية في بيروت. مَن زعم أنّ شيئًا لم يتغيّر بعد 17 تشرين وانفجار المرفأ، كان مخطئًا. هناك من كسّر الأصنام، وهناك ما هبّط القلاع الحزبية الطائفية وهذا لا بدّ له أن يترجَم على الساحة السياسية.
الانتخابات الطلابية أوّل دليل حسّي وملموس على نتائج ثورة تشرين.
وضّحت هذه الانتخابات معالم إفلاسهم السياسي وتخبّطهم. لم تنفع تدخّلات مرجعياتهم لتحصين مراكزهم في الجامعة. لم ينفع التضليل الإعلامي ونشر الأخبار الكاذبة واتهامنا بالتورّط بمشاريع مشبوهة. لم تنفع مسرحياتهم ولا مشاكلهم المفتعلة وغير المفتعلة. لم ينفع التشبيح، وتحويل ساحة المعركة الديموقراطية الى ساحة حرب أهلية.
لم تعد لائحة «طالب» مجرّد خطاب مضاد بوجه خطاب الهوية الطائفية («جامعة البشير» و«اليسوعية إلنا» و«شيعة شيعة»). أصبحت بديلًا تقدميًا علمانيًا جديًا وأثبتت أنّ الجامعة لكل طلابها. أنّها جامعة التعددية والحركات الطلابية وساحة نضال لكامل القضايا، منذ نضالات الجامعة اللبنانية في منتصف القرن الماضي إلى نضال التحرر في العام 2000 ونضال حركة الاستقلال في العام 2005 إلى نضال الفساد والقمامة في العام 2015، وصولًا إلى ثورة 17 تشرين.
تلاقت الجهود هذه السنة حول دعم طلاب النادي العلماني والمستقلين في كل الجامعات، دعم جاء من ناشطين وناشطات، صحافيين وصحافيات، مجموعات وأفراد. «شبّكت» كامل مكوّنات القوى التغييرية فيما بينها، ما خلق هذه اللحظة السياسة وانتصارها الانتخابي، وهي لحظة يمكن البناء عليها. فالتغيير يمرّ من خلال تراكم التجارب كهذه ولحظاتها السياسية.
والفضل الأكبر يعود لثورة 17 تشرين.
اليوم 3 كانون الأول 2020
أعود بالذاكرة الى سنوات ماضية كنتُ فيها طالبة في جامعة القديس يوسف في كلية الحقوق هوفلان. أعود الى زمنٍ كنت أرى نفسي فيه غير معنية بالعملية الديموقراطية وبالاقتراع الانتخابي الذي حوّل أصوات الطلاب لمجرّد صدى لزعماء الأحزاب الطائفية في 8 و14 آذار. أعود إلى هذه الحقبة حيث كانت تهدى الانتصارات الوهمية لهؤلاء الزعماء بعد حفلات تشبيح متبادل في ساحات المعارك. أعود بالزمن الى تجربة خلق خيار ثالث، «صفحة بيضة»، فشلت بعد إصرار البعض على أن يكون خياراً لاسياسياً وأكاديمياً. أتذكر بعدها كيف قرّرنا، ولم نكن أكثر من ثلاثة أشخاص، ضرورة خلق مساحة سياسية بامتياز للسنة المقبلة. وهذا ما حصل. أتذكر كيف اقتحمنا ندوةً نظمها المجلس الطلابي واستضاف فيها نواب أحزاب السلطة من دون تمثيل لأي اختصاصي/ة أو ناشط/ة. من بعدها، تجمعنا وكنا 8 رفاق للتحضير لانتخابات السنة المنتظرة. وخضناها تحت اسم لائحة «طالب». وحزنا في كلية الحقوق والعلوم السياسية على 5 مقاعد من 11 في المجلس الطلابي. راهنت الأحزاب على انطفاء هذه التجربة واستهزأت بها. لكنّ لائحة النادي العلماني «طالب» توسّعت في العام 2018 الى معهد ادارة الاعمال ومعهد العلوم السياسية. صعب الدرب بعد ذلك، خصوصًا بعد إحباط الانتخابات النيابية في العام 2018. وعلى الرغم من فوز لائحة النادي العلماني بالتزكية في معهد العلوم السياسية وبعضوين داخل المجلس الطلابي في كلية الحقوق، بدا وكأنه لم يعد هناك مغزى لوجود النادي. لكنّنا صمّمنا على الإبقاء على النادي والتوسع والتشبيك مع المستقلين في كليات أخرى وتمكين التنسيق مع النادي العلماني في الجامعة الأميركية وشبكة «مدى».
انفجرت الثورة، وعاد معها الزخم والثقة بالنفس وبقدرتنا كشباب وكحركة طلابية علمانية مستقلة. انضم الى النادي العلماني ما يقارب الـ100 عضو من مختلف الكليات والأحرام الجامعية في اليسوعية تحت راية الديموقراطية والعلمانية والعدالة الاجتماعية. وكانت نتيجة هذا التراكم خوض انتخابات تاريخية بأكثر من 100 مرشحة ومرشح في 12 كلية. علا النادي العلماني على شتى الخطابات الطائفية والعنصرية والمناطقية وفاز على مَن كان يعتبر أعضاءه مهمّشين.
الخلاصة واضحة: التغيير لن يحصل بين ليلة وضحاها، لن يأتينا على طبق من فضّة. هو نتيجة نضال مستمر وتراكمات تنظيمية ولحظات سياسية، هو نتيجة تعب وإحباط وأمل.
اليوم، وبعد سلسلة انتصارات في الجامعات، يبقى الأمل أن يبنى عليها لانتصارات خارج الجامعات.