انتهت انتخابات الجامعة الأميركيّة في بيروت بفوز استثنائي للنادي العلماني الذي حاز على أكبر كتلة داخل المجلس الطلابي بحصوله على 9 مقاعد من أصل 19، فيما توزّعت باقي المقاعد على عدّة حملات غير حزبيّة ومرشّحين منفردين. لكن بمعزل عن النتيجة نفسها، يمكن القول إنّ هذه الانتخابات كانت حافلة بالدلالات التي تعبّر عن الكثير في ما يخص الحالة الاعتراضيّة في البلاد.
مخطئ من يعتقد أن النادي العلماني خاض معركة سهلة بعد أن أعلنت جميع الأحزاب السياسيّة عزوفها عن المشاركة رسميًّا في الانتخابات، أو حين تبيّن أن الحملة التي أعدّها النادي كانت عمليِّا أكبر الحملات العلمانيّة المستقلّة التي عرفتها الجامعة. فمنذ البداية، كان التحدّي واضحًا: نفس الماكينات والهياكل الحزبيّة في الجامعة التي كانت تشارك في الاستحقاق الانتخابي بشعاراتها الطائفيّة المعروفة، اختارت التمويه والانخراط في الحملات الانتخابية «المستقلّة» لحجز مكان لها في الإستحقاق، وللإبقاء على حيويّة أعضائها وشبكة علاقاتهم الإنتخابيّة. وعلى هذا النحو، برزت العديد من الحملات التي إختلط في كلّ منها الحزبيون المقنَّعون مع كتلة من المستقلين غير العلمانيين أو المستقلين الراغبين بالتشبيك مع الأحزاب للإستفادة من أصواتها. كما فاقم من غموض المشهد إختلاط كل هؤلاء مع كتلة من المرشحين الذين إدعوا الإنفصال عن أحزابهم التي كانوا يحاولون من أسابيع قليلة إعادة إطلاق عملها في الجامعة.
كان المشهد شائكًا أمام النادي في الجامعة:
لماذا يختار الناخب النادي العلماني، وليس المستقل البراغماتي أو اللوائح المختلطة؟ كيف يبرر النادي الإبتعاد عن الآخرين والإنفراد بلائحته المعروفة «الخيار الجامعي»؟
ألن يرى الناخب في ذلك محاولة للإستفراد أو الإقصاء أو التصرّف كنادي «سلطة» على مستوى الجامعة الأميركيّة؟
كيف يتمكّن النادي من إستيعاب الموجة الشعبيّة التي أحدثها يوم 17 تشرين الأول، دون أن يختلط في صفوفه الحزبي والإنتهازي والطائفي والذكوري وغيرهم؟
كيف يواجه النادي موجة من المستقلّين المدعومة بشبكة من الحزبيين المحنّكين الذين يتقنون تركيب اللوائح ويعرفون كيف تؤكل الكتف، ودون أن يعادي المستقلين فعلاً في هذه الحملات؟
منذ البداية، عرف النادي في خطاب ماكيناته وأعضائه كيف يبرر تملّصه من فرض حملات ومجموعات المستقلين الأخرى على لوائحه، فإنسحاب الأحزاب رسميًا من المواجهة ترك الساحة خالية للنادي ولهذه الحملات المستقلّة، والنظام النسبي كفيل بإعطاء كل لائحة حصّتها من مقاعد المجلس دون أن يُلغي أحد الآخر. تعدد اللوائح إذًا سيغني المشهد بين هذه اللوائح ويرفع نسبة المشاركة. لكنّ النادي اختار في الوقت نفسه إستراتيجيّة المهادنة تجاه الآخرين، ولم يعمد إلى خطاب قاسٍ تجاه الحملات التي ضمّت مرشحين حزبيين مقنّعين، وقد يعود ذلك إلى عدم رغبته بترك جراح مفتوحة مع بعض الأفراد المستقلين فعلاً داخل هذه الحملات.
في كل الحالات، دخل المجتمع المدني على الخط. أراد شربل نحاس البحث عن موطئ قدم له داخل الجامعة الأميركيّة في بيروت، فاختار تقديم دعمه لمجموعة من المرشحين الذي يواجهون النادي العلماني، والذين كان بعضهم من ذوي الميول الحزبية والطائفيّة لا بل اليمينيّة أيضًا. وعمليًّا، أدّت خطوة نحاس إلى إعطاء بعض المرشحين الإشكاليين «صك براءة آباء الثورة»، بعد أن كان هؤلاء المرشحون يعانون طوال الأيام الماضية من عدم ثقة الجمهور بهم. في كل الحالات، ذكّرت خطوة نحاس هنا بتاريخه الحافل بهذا النوع من التدخلات الإنتهازيّة وغير الموفّقة، كحالة ترشّحه في مواجهة لائحة «بيروت مدينتي» في الماضي، أو تلويحه بضرب حملات نقابيّة معارضة ومواجهتها إن لم يُعطَ شخصيًّا مكانة وحصّة ما فيها.
في كل الحالات، خاض النادي العلماني المعركة بثيابه المعروفة، وبكل كتلة أفكاره وأولوياته التي حملها منذ 12 سنة. لم يهادن في الخطاب لإستيعاب موجة الثورة ومنافسة المستقلين المائعين أو الأحزاب المقنّعة، ووازن بين الإبتعاد عن وحل المستقلين وعدم التهجّم الذي قد يُفهم على أنه محاولة لإحتكار التمثيل المستقل في الجامعة.
تؤكّد نتيجة اليوم أن الوضوح في الخطاب والأداء السياسي الذي أدّى في سنوات سابقة إلى تحميل النادي وزر السقف السياسي المرتفع وتدفيعه ثمنه من خلال تكتّل الأحزاب ضدّه، ساهم في إعطاء النادي اليوم ثقة مجتمع الجامعة الأميركيّة، بعد كل ما جرى من متغيّرات منذ تشرين الأوّل الماضي. أما حملات المستقلين التي خلطت الحزبيين بغير الحزبيين، فنتج عنها فوز للوجوه الحزبية المعروفة، مقابل سقوط الوجوه المستقلّة، وذلك يعود طبعًا إلى طريقة الأحزاب المنظمة التي أدت إلى نجاح أعضائها داخل هذه اللوائح، خصوصًا وأن النظام الإنتخابي يعمل على أساس النسبية مع الصوت التفضيلي.
بإختصار، تجربة المبدئيّة أثمرت أخيرًا، وتجارب التذاكي وإدعاء البراغماتيّة وفتح القنوات مع الأحزاب تحت ستار إستيعاب الحزبيين السابقين أثبتت فشلها. أما أهم من سقط في أعين الكثير من طلاب الأميركيّة، فهم بعض آباء وديناصورات الثورة خارج الجامعة، الذين وجدوا في الإستحقاق مناسبة لسحب البساط من تحت أرجل النادي العلماني، كحالة شربل نحاس مثلاً.