الآن ليس هو الوقت الجيّد للمواعدة والذهاب إلى الحانة. فايس تايم وسكايب والمكالمات والرسائل النصّية الهاتفية، وعبر تطبيقنا، كلّها حلول رومانسية جداً في هذه اللحظة.
تطبيق OkCupid للمواعدة على حسابه على تويتر
التباعد الاجتماعي لا يعني الانفصال التام
تطبيق «تيندر» على حسابه على تويتر
قد ينتهي العالم ولا ينتهي الجنس. وعليه، لا بدّ من المتعة كنوعٍ من مقاومة الموت والخوف منه. إعداد الطعام والرغبة في مشاركة صوره على مواقع التواصل هو متعة. القراءة ومشاركة نصوص من الكتب هو متعة، والموسيقى ومشاركتها في زمن العزلة متعة أيضاً. لكنّ الجنس هو المتعة الخبيئة خلف كلّ هذا، وقد يكون هدفها جميعاً. أي نتيجتها السرّية. لكن ماذا عن الجنس نفسه الذي يشتكي المحبوسون في منازلهم وغرفهم وبيوتهم من توقّفه؟
هل يتوقّف الجنس (فعلاً) في زمن الأزمات؟
تصوغ الأزمات أفاهيم أخرى للرغبة واللذّة الجنسيّة، وتجدِّد أساليبها، وتشرِّع أبواب التعارف غير التقليديّ لدخول عوالمها. فتتيح مجالات أوسع عند الفرد لفهم ممارساته الجنسية وطرق التعبير عنها. وقد تسجنه في أسئلته الحائرة عن جسمه ولذّته وهواماته معاً، بعد اختفاء مساحاته وشركائه خارج زمان الأوبئة.
ومع محدِّدات فيروس كورونا في ضمر العلاقات الاجتماعيّة والشخصيّة، أعيد طرح إشكاليّة المتعة الجنسيّة في زمن اللاإتّصال الجسمانيّ والتباعد الاجتماعيّ، وإمكانيّتها في لحظة الاتصال التكنولوجي، كنوعٍ تعويضيٍّ يمارسه البعض لأوّل مرّة أو يستعيده البعض الآخر، مع ميلٍ غريزيٍّ للمعرفة والاكتشاف بشكلٍ آخر.
باتت تطبيقات المُواعَدة والتواصل الاجتماعي مساحاتٍ بديلةً للجنس، وخلقت عالماً موازياً للاستهلاك الجنسيّ والعاطفيّ. حديقة خلفية لكلّ المتع والفنتازمات واللذّات المتخيَّلة.
وتستغلّ السوقُ التكنولوجية فكرة الحجر وظروفها لتشغيل تطبيقاتها وتحقيق أرباح هائلة، كما فعلت أيضاً مواقع البورنوغرافيا التي ارتفع عدد مشتركيها بسبب الحجر/ السجن الذي قمع الحريات والممارسات، وقمع معها مسألة الجنس العابر.
وكما يعيد الفرد المسجون بين جدران غرفته، اكتشافه المحتوى البورنوغرافي واكتشافه متعته مع الذات كآلية تفريغ، ها هو يعدّ نفسه لاكتشاف (أو إعادة اكتشاف) اللذّة المتخيّلة. تلك اللذّة الشرسة المُقيمة بالصور والمشاهد المُقلّة أو المحادثات المكتوبة أو المسجّلة بأصواتٍ وهمساتٍ وتأوّهاتٍ توارب اللذّة في لغتها المقتضبة، بين أفراد تفصلهم ربّما قارّات ومحيطات ولغات وثقافات، ويجمعهم الفانتازم. مدخل الغابة الساحرة للجنس، خارج معادلة اللحم باللحم، وضمن معادلة الخيال بالخيال.
وكما الحاجة اليوم إلى الكمّامات والكفوف البلاستيكية، هناك حاجة إلى «النيودز».
تردّ هذه الحاجة الأفراد إلى صلب الحياة، الذات في كونها «محورًا للخطاب وإعادة إنتاجه»، على ما يرى الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، مفسِّراً أنّ الذات هي أصل النقاش والبدء لمعرفة اللذّة والرغبة والمتعة انطلاقاً من معرفتها.
وفي هذه الظروف السجينة، ليس أحسن من معرفة الذات، طالما أصبح الفرد على تماسّ معها ومع رغباتها ومخاوفها ولذّاتها. وأمسى الجنس مع الذات في زمن الكورونا هو ما تنصح به الإدارات الصحية في العالم، مؤكِّدة أنّ الاستمناء هو أفضل حلّ آمن لممارسة الجنس من دون التعرّض لاحتمال الاصابة بالفيروس.
هكذا صرنا نقرأ على مواقع التواصل أشبه بإعلان صريح لحاجة الأفراد إلى الجنس، خارج بيئة البورنو وصناعته. هناك ميلٌ إلى حميميّة متخيَّلة مع أفراد آخرين، يعرفون الحدّ الأدنى عن حياتهم، لمشاركتهم أجسامهم بالصور والفيديوهات. وكما كان هذا الأمر أشبه برغبةٍ سرّية، صار التصريح عنها لا يقلق أحداً على مبدأ وشعار: ساند مي نيودز (أرسلوا لي صوراً حميميّة). وهو أشبه بإعلان طارئ للتضامن الإجتماعي.
ساند مي نيودز شعار التعاضُد الأهليّ السرّي لمواجهة الوحدة والفراغ وغياب اللمس، ومدخلٌ لاكتشاف الآخر والذات من خلال تشكيل خيالات الأجساد واللذّات والسوائل.
قد ينتهي العالم ولا ينتهي الجنس، أقلّه في الحاسوب الشخصي والهاتف النقّال.