قضية الأسبوع نظام الكراهية
ميغافون ㅤ

عودة رائحة الكراهية

الدفاع عن «الاختلاف» من أجل «الاختلاف»

6 أيلول 2025

رائحة معركة ثقافية جديدة

نعرف هذه الرائحة جيدًا، هذا الخليط من العفن القديم والغضب المفتعل والطهارة المصطنعة. نعرف كيف تُصنع من قبل أطراف، ليس عندها إلّا الكراهية لكي تنتعش وتخرج من مخابئها لكي «تستنكر» شيئًا ما بإسم الدين أو العائلة أو الأخلاق العامة، مطالبةً بمنعه أو إلغائه أو حذفه، تحت تهديد «شارع» بات له شخصية معنوية، وذلك قبل أن يخرج أحدهم ليتكلّم بإسمه وإسم المجتمع من ورائه. مقاطع تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، تهديدات مبهمة بعنف، مطالبة من الدولة بأن تحسم وإلّا…، رجال دين وجنود رب، قضاء وأمن، نعرف جيدًا رائحة هذه السلسلة من الألاعيب.

في الآونة الأخيرة، بتنا نشمّ عودة تلك الرائحة، على خلفية تهديد عرضٍ راقص، سبقته محاولة لمنع حفل موسيقي بطرابلس. وقبلها، جرى اقتحام عرض كوميدي في طرابلس أيضاً، وشُنَّت حملة تحريض وتكفير على خلفية عرض مسرحي في مدينة صيدا. بينهما، حملات تخوين لوسائل إعلامية. ربّما هذه الرائحة العفنة ستمرّ من دون أثر، لكنّنا نتذكر حملات الكراهية في الماضي، وكيف تنتقل من مزحة سمجة إلى طوفان من العنف الخبيث خلال بضعة أيام. 


قبل الموسم السياحي والحرب وطوفان الأقصى

فقبل أكتوبر 2023، وإبادته وحروبه والسجالات حول السلاح، كنّا في خضمّ معركة ثقافية وعنصرية، طالت لاجئين سوريين ومجتمع الميم-عين وكوميديين ومراكز طبية وأفلاماً ومسبحاً ومدافعين عن الحريّات، في معركة ضد «الشذوذ» وحّدت أطرافاً طائفية كانت السياسة قد قسّمتها. لم تمنع الحرب استمرار البعض بهذا النهج، مع حملات طالت كوميديّةً، اضطرت إلى مغادرة البلاد تحت وطأة التهديد. كان موسمًا للكراهية، أعطي فيه الحق لأي مجموعة شبّان بالتعدّي على أي مهمّش أو مختلف، قبل أن يأتي موسم الإبادة ويفرض تعليقًا للصيد الداخلي. ربّما كان النموذج لهذه الحملات في عام 2019، مع منع حفل «مشروع ليلى»، وذلك قبل أن تأتي الثورة وتغيّر، وإن كان لفترة محدّدة، المناخ العام. 

هناك محطات أخرى في تاريخ هذه الحملات من الكراهية. ولمن عايشها حساسية مرتفعة حيالها وحيال الرائحة التي تواكبها. نعرف جيدًا أن نفحةً من هذه الرائحة غالبًا ما تكون مقدِّمة لتدفق من الكراهية والعنف والقمع.


كراهية أزمة الطوائف

نسميها كراهية، لكنّها ليست كذلك وحسب. فالكراهية هي من أعراض أزمة أعمق، أزمة أو أزمات، تتطلب البحث عن ضعيف أو غريب أو مختلف، لتصويره كدخيل على المجتمع وكسببٍ لانقساماته أو مآسيه، ضحية يمكن أن تمتصّ فائض العنف وتزيحه عمّا قد يشكّل سببها الفعلي، ليشكّل حذفها دلالة عن عودة طهارة المجتمع المهدّدة، المهدّدة دوماً. 

لكنها ليست مجرّد عرض، هي تقنية، تستعملها أطراف ليس لها ما تقدّمه إلّا هذا الخوف الدائم والمتاجرة بأحاسيس الاستياء والغضب الدفين. أطراف تجد في هذا التعنيف للأضعف مصدراً للإحساس بالقوة والتفوق قد لا تجده خارج هذه الصراعات المفتعلة. هي تقنية تنتعش بلحظات الأزمات، في لحظات الضياع السياسي أو لحظات تفلُّت الجمهور من سيطرة أحزابه. 

مزيج الأزمة والافتعال يتجلى في طرق مختلفة لدى المكوّنات المختلفة. عند المجموعات السنيّة، والتي فقدت ممثّلها السياسي، وبالتالي دورها في البلد، ثمّة من يقدّم الكراهية كردّ اعتبار لطائفة مهمّشة سياسيًا، وإن كان من باب الأخلاق، كمدخل للتفاوض على المعركة القادمة لتحديد ممثلي الطائفة. أمّا عند حزب الله، فقدّم هذا الخطاب مدخلًا لإعادة السيطرة على «بيئته» من خلال اختراع معركة على «الشذوذ»، بعد تآكل شرعياته السياسية. وجاء صعود هذا الخطاب كفرصة لمصالح اقتصادية وجدت فيه مخرجًا للتنصّل من مسؤوليتها عن الانهيار المالي. وهي الألاعيب نفسها التي أتقنها مموّل الأوبرا الإسرائيلية للسيطرة على الخطاب المحلي وتدوير مصرفه كحامٍ للأخلاق العامة

الجميع وجد في الكراهية مخرجًا لأزمته، ليصبح للضعيف وظيفة بنيوية، وهي إنقاذ السلطات من مأزقها من خلال التضحية به.  


الإصلاح و«الاختلاف»

قد تكون مجرّد نفحة رائحة كراهية، وقد تقطع مع تجدّد الصراع حول السلاح أو تقلّب الأوضاع السياسية. لكنّ ما هو مقلق، ويجعلنا نحذّر حتى من هذه النفحة البسيطة، هو أنّنا، ومنذ صعود هذه الحملات، لم نطور أدوات وخطاباً لمواجهة «نظام الكراهية» هذا (ربّما باستثناء ما حصل بعد منع حفل «مشروع ليلى» في عام 2019). فبقيت القوى التغييرية تواجه هذه الحملات بخطاب خجول، يتلطى وراء فكرة «الدفاع عن الحريّات»، والتي تدافع عن الضحايا من دون تبنيهم لتحافظ على المسافة المقبولة اجتماعيًا منها. فالخطاب الإصلاحي، الذي يشكّل رافعة العهد الجديد، لا يحبّ السجالات كما لا يريد الدخول في خلافات حول القيَم الاجتماعية. قد يدافع عنها بإسم فكرة مبهمة عن «الحريّات» أو خوفًا على السياحة، لكنّ ملعبه في مكان آخر.

وهنا تكمن ثغرة «الإصلاح» كمشروع سياسي، النابعة من قصوره في فهم «الكراهية». فخصومه، ومنذ بداية الثورة فهموا أنّ عليهم نقل المعركة إلى هذا المستوى، لكي ينجحوا في تخوين هذه القوى. ونجحوا في ذلك، مرارًا وتكرارًا، شيطنوا «الهوامش» أولًا، قبل الانقلاب على «المتن»، الأكثر «وجاهة»، حتى وإن حاول وضع مسافة بينه وبين «الشذوذ». الخجل بالدفاع هو الانتصار الأوّل لمحور الكراهية. 

من دون الدفاع، ليس عن «حق الاختلاف» وحسب، بل عن مضمون الاختلاف، ومن دون الهجوم على مطلقي هذه الحملات كـ«تجار للكراهية»، ستبقى المواجهة لصالح مطلق أيّ حملة، مهما كان سخيفًا. فالتغيير هو أيضًا تغيير في القيَم والأخلاق، تغيير غالبًا ما يبدأ بإقناع المجتمع برؤية ما هو عليه فعليًا، بدل الهروب إلى أوهام الطهارة والأخلاق، أو، وما قد يكون أسوأ، الخضوع لابتزاز من يتاجر بهذه الأوهام. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً