قضية الأسبوع فلسطين
ميغافون ㅤ

فانتازيا السلام في شرم الشيخ

18 تشرين الأول 2025

قد يكون ما جرى، الإثنين، في شرم الشيخ أغرب اتفاق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، اتفاق لم يوقّعه لا الإسرائيليون ولا الفلسطينيّون. وهو أغرب اتفاق لإنهاء إبادة، إذ وُقٍّع في غياب المرتكِب وغياب الضحيّة. الطرف الأوّل مدان من المحكمة الجنائية الدولية، ومحميّ دولياً في الآن نفسه. أمّا الطرف الثاني، فمصنّف إرهابياً من قِبل كثير من الحاضرين في حفل التوقيع. إنّه أيضاً أغرب اتفاق لإنهاء نزاعٍ ليس متفقاً على ماهيّته. فبالنسبة للبعض، حُلّت مسألة الأسرى. وبالنسبة لآخرين، تقدّمنا خطوةً في إعلان الدولة الفلسطينية. وبالنسبة لترامب، تمكّن من فرض السلام في ملفّ عمره ثلاثة آلاف عام، كما ادّعى.

هو اتفاق غريب، أكّد في شكله التهريجي وفي غياب المعنيّين عنه، على معالم المرحلة القادمة، مرحلة تصفية المسألة الفلسطينية بعد الإبادة.


ترامب: أنا سيّد العالم

في الواقع، النتيجة الأوضح في قمّة شرم الشيخ هي أنّ ترامب قدّم نفسه كسيّد للعالم. أوقف الزعماء الأوروبيّين خلفه وراح يناديهم كالتلاميذ برفع الأيدي، ويطلق النكات عنهم حيناً وعبارات الإطراء حيناً آخر، وهو في كلّ ذلك لا يثبّت إلا موقعهم الدونيّ تجاه قيادته الأميركية للعالم. أمّا دول الخليج، فلم يُخفِ ترامب أنّه لا يرى فيهم لا دولاً ولا حكّاماً، بل مجرّد «كاش»، الكثير من «الكاش»، كما قال صراحةً لممثّل دولة الإمارات. ولعلّ أكثر مَن فهِم دور هذه القمّة هما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف. سارع الأوّل لمنح ترامب «قلادة النيل» لإسهاماته في دعم السلام في العالم. أمّا الثاني، فأعاد بوضاعةٍ شديدة ترشيح ترامب مرّةً ثانية لنيل جائزة نوبل للسلام. 

لم تكن قمّةً لوقف الحرب أو لوضع أسس تفاوض مستقبلي. كانت قمة تتويج ترامب، وشرعنة مقاربته الخاصة للعلاقات الدولية. كما كانت مناسبة للبحث في المنافع الاقتصادية ما بعد الإبادة.


أُنسوا الدولة الفلسطينيّة

كان محمود عباس حاضراً في شرم الشيخ، لكن من غير المعروف بأيّ صفة. بالتأكيد، لم يُدعَ كرئيس للسلطة الفلسطينية ليتسلّم حُكم غزّة إلى جانب الضفّة. وبالتأكيد، لم يُدعَ ليضع شروطه لسلام مع إسرائيل، ولا لإعداد نفسه كي يصبح الرئيس الأوّل لدولة فلسطينيّة ستُعلَن قريباً. حتّى أنّ دونالد ترامب تجاهله تماماً، وما كان ليصافحه لو لم يصطحبه إلى المصطبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كمن يلفت نظر ترامب إلى وجود رئيس يدعى محمود عباس. كان الأخير أشبه ببيتر سيلرز في فيلم «الحفلة» حيث وجد اسمه في خانة المدعوّين عن طريق الخطأ. لكنّ عباس، بعكس سيليرز، أدرك سوء التفاهم، وقبل بموقعه الهامشيّ، لعلّه يحجز لنفسه مقعداً في دعوات أخرى قد تعترف برئيس لسلطة فلسطينية.

لم تهدف القمّة للقضاء على دور حماس السياسي والعسكري وحسب، بل على منافستها أيضًا ومعها على مسار الدولتين الذي طغى في العقود الأخيرة، ليخرج الفلسطينيّون من القمّة من دون أي تمثيل سياسي.


مَن هُم الموقّعون؟

وقّع على اتفاق شرم الشيخ، إلى جانب ترامب، ثلاثة قادة هم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. التواقيع الثلاثة، إذاً، هي لمن ضغط على حركة حماس كي تقبل بخطّة ترامب للسلام. وقد حظي السيسي بشرف استضافة اللقاء مكافأةً له على مساهمته بحصار قطاع غزّة خلال الإبادة. أمّا أمير قطر، فحظي بمكافآت إضافيّة تعويضاً عن قصف إسرائيل بلاده. فإلى جانب اتفاقية التعاون الدفاعي المعزّز التي أبرمتها معه الولايات المتحدة الأميركية، منحت الأخيرة أيضاً الإذن لقطر ببناء منشأة جوية داخل قاعدة عسكرية في ولاية أيداهو لاستضافة الطائرات القطرية وطيّاريها لأغراض تدريبيّة. أمّا أردوغان الذي نال الثناء من ترامب أكثر من مرّة، فقد ينال مكافأته لاحقاً، إمّا بتلبية مطالبه في سوريا أو في حصوله على طائرات أف-35 التي ما زال يتفاوض مع الأميركيّين بشأنها.

في غياب تمثيل فلسطيني، عادت دول الجوار إلى دورها في تمثيل هذه القضية والمتاجرة فيها، في ما يشبه عودة إلى ما قبل بروز فصائل فلسطينية مستقلة في منتصف القرن الفائت. 


لكن، علامَ وقّع القادة؟

انتهى المهرجان برفع الزعماء الأربعة صورة تواقيعهم على وثيقة تردّد بيانات المنظّمات غير الحكومية التي تعنى بنشر السلام والتعايش بين الأديان ونبذ العنف والتطرّف حول العالم. حتّى عبارة «الترحيب بالعلاقة الودّية بين إسرائيل وجيرانها الإقليميين» قد صدرت عن دول لديها علاقات أصلاً مع إسرائيل. لكن، رغم المضمون الركيك، تحمل صورة هذه التواقيع رمزيّةً كبرى، تزداد وضوحاً حين نعطفها على الموقع الهامشيّ الذي احتلّه أبو مازن في القمّة. لقد باتت القضية الفلسطينيّة خارج البحث. وبات للشعب الفلسطيني بقواه «المعتدلة» و«المقاوِمة» أوصياء مهمّتهم ألا يُفسِد أيّ فلسطينيّ من الآن فصاعداً مشاريع «الازدهار» التي تُعَدّ للمنطقة.  

مع الإجماع العالمي حول تصفية أي دور سياسي للفلسطينيين، بات المجال مفتوحًا لعودة مشاريع الاستعمار مُرفَقةً بوعود «الازدهار». 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً