قضية الأسبوع إعلام
ميغافون ㅤ

محاولات لتفخيخ قانون الإعلام الجديد

السلطة تُدخل تعديلاتها

13 أيلول 2025

مسار طويل نحو قانون جديد للإعلام

بات عمر مسار قانون الإعلام الجديد 15 سنةً.

في عام 2010، تقدّم النائب غسّان مخيبر ومنظّمة «مهارات» باقتراح قانون جديد للإعلام، لكنّه بقي عالقًا في مجلس النواب. عاد القانون ومرّ على لجانٍ عديدة وكاد أن يُفرَّغ من أي إصلاحات حتّى العام 2023، هذا قبل أن تدفع الضغوط المحلية والدولية لإعادة النظر بمشروع القانون. فشُكّلت، في عام 2024، لجنةً فرعيةً برئاسة النائب جورج عقيص لتحسين القانون، ضمّت ممثّلين عن «اتّحاد الصحافيين في لبنان» (نقابة الصحافة البديلة آنذاك). 

تضمّن اقتراح القانون المعدّل تعديلات إيجابية ومن بينها:

إنشاء هيئة وطنية مستقلّة للإعلام، وإلغاء التراخيص المسبقة والاكتفاء بـ«علم وخبر»، وإلغاء المحاكم الاستثنائية (العسكرية والمطبوعات) واستبدالها بغرفة مدنية خاصّة بالإعلام، ومنع عقوبة السجن في قضايا القدح والذم والتشهير، وتكريس الحق في الوصول إلى المعلومات مع حماية المصادر. 

جاء هذا الاقتراح المعدّل لقانون الإعلام، مع تأكيدات وزارية بمرجعية محكمة المطبوعات للبتّ بالدعاوى المقامة ضدّ الصحافيين، ليطفو بعضٌ من التفاؤل حيال وضع الإعلام في لبنان. 

هذا قبل التعديلات الأخيرة لوزير الإعلام بول مرقص…


انقلاب الوزير على القانون

هذا الأسبوع، تمّ «تسريب» اقتراحات وزير الإعلام الخطّية لتعديل القانون قبل مناقشته في لجنة الإدارة والعدل. وقد ضّمت تعديلات خطيرة، يمكن اعتبارها انقلابًا على روحية المشروع المقدّم سنة 2024. ومن بينها: 

    1. العودة إلى توقيف الصحافيّين: طالب وزير الإعلام بالسماح للمحاكم أن تحبس الصحافيين/ات احتياطيًا، رغم أنّ مشروع القانون كان يمنع هذا الإجراء قبل صدور الحكم بحقّهم.
    2. منع تناول المشتكين: حسب تعديلات الوزير، على الوسائل الإعلامية التوقّف عن تناول أي شخص قرّر أن يقاضيها، حتى تاريخ إصدار القضاء حكم نهائي بالموضوع.
    3. تقييد الإعلام الرقمي: ينص مشروع القانون على تشكيل هيئة مستقلّة للإعلام من 10 أعضاء لتنظيم القطاع، ويتمّ انتخاب أعضائها من قبل هيئات حقوقيّة وأكاديميّة وقضائيّة ونقابيّة. لكنّ الوزير قرّر تعديل هذه المادّة لإنشاء هيئة أخرى لتنظيم القطاع، يرشّح هو بنفسه أعضاءها.
    4. تراخيص بدل العلم والخبر: اعتمد مشروع القانون صيغة تقديم علم وخبر لتأسيس وسائل الإعلام، وترك التراخيص لحجز تردّدات البثّ الإذاعي والمرئي. أمّا الوزير، ففرض التراخيص على كل وسائل الإعلام، بما فيها المنصّات الإلكترونيّة، وهي تراخيص تصدرها نفس الهيئة التي يرشّح الوزير، بنفسه، أعضاءها.

يعزّز أوّل اقتراحَين السيطرة القضائية والأمنية على الصحافيين، حيث يصبح من الممكن لأي سياسي إغراق وسائل الإعلام بالشكاوى ومنعها من تناوله، كما يضع تهديد التوقيف الاحتياطي فوق رؤوس الصحافيين. أمّا الاقتراحان الأخيران، فيعزّزان سيطرة الوزير على القطاع من خلال سيطرته على الهيئة الناظمة، ومن خلالها، على التراخيص. 

عبر التعديلات المقترحة، يكون وزير الإعلام قد فخّخ مساراً عمره 15 سنةً، ليحوّل ما كان مفترض أن يكون قانونًا يحمي الصحافيين/ات من أجل ضمان حرية التعبير إلى أداة في يد السلطة لقمع هذه الحرية.


خوف السلطة من الإعلام المستقل

تذكّر هذه التعديلات بما آلت إليه الأمور بعد إقرار قانون «البثّ التلفزيوني والإذاعي» سنة 1994، والذي مهّد الطريق وقوننها للسيطرة السياسية على التلفزيونات، من خلال إخضاعها للمراقبة والمنع من جهة، وتوزيعها على الأحزاب والشخصيات السياسية، ما أدّى في آخر المطاف إلى إنتاج قطاع تلفزيوني مضبوط سياسيًا. فالسلطة السياسية تخاف الإعلام، وخاصّة الالكتروني منه والذي بقي خارج سيطرتها حتى الآن. ويتسلّل هذا الخوف إلى مستويات عديدة تُعيق إقرار القانون بطريقة مقبولة.

على مستوى وزير الإعلام

بعد الضجّة الإعلامية التي تلت تسريب الوثيقة، حاول وزير الإعلام نفي اقتراحه التعديلات، وهذا رغم تعميم وثيقة من قبل أمانة سرّ اللجنة، مع نصٍّ واضح يَنسب المقترحات لمرقص. فكان التفسير الأخير أن هذه المقترحات تمّ جمعها من أكثر من جهة، ولا تمثّل بالضرورة رأي الوزير. إنّما ذلك لا يلغي حقيقةَ أنّ هذه التعديلات قُدّمت للنقاش في اللجنة. 

هذا بالإضافة إلى أنّ الوزير من دعاة «الحرية المسؤولة»، وهي العبارة التي غالبًا ما استُعملت لوضع ضوابط على عمل الصحافة. وللتذكير فقط، كان مرقص قد استهلّ عمله كوزيرًا بجولة على المرجعيات الروحية للوقوف عند ملاحظاتها حول مشروع قانون الإعلام، حيث أكّد بعد لقائه شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز على ضرورة وضع ضوابط على حرية الإعلام، بحيث لا تنتقص من تلك الحرية وإنّما في الوقت عينه، تتجنّب وتتدارك أيّ آفات اجتماعيّة يمكنها أن تتلطّى خلف الحرية. منذ وصوله إلى مركزه، كرّر مرقص مرارًا وتكرارًا الحديث عن «تنظيم الحريات الإعلامية»، لحصرها بمن يراه يمتهن الصحافة والإعلام، ويمارسها على نحو صحيح ومحترف، ومستنثيًا منها مَن يتوَسّل الشتيمة على وسائل التواصل الاجتماعي.

على مستوى لجنة الادارة والعدل

العقبة الثانية أمام القانون هي لجنة الإدارة والعدل، التي تناقش حاليًا مشروع القانون. رئيس اللجنة النائب جورج عدوان ساند وزير الإعلام بنفيه وجود تعديلات، وحذّر من التسريبات الإعلامية. ومن المتوقّع، كما جرى في النقاشات السابقة، أنّ يحاول ممثّلو الأحزاب «تفخيخ» القانون، لتحويله إلى أداة لحماية مصالحهم وقدرتهم على السيطرة على القطاع بدل أن يكون قانونًا يحمي القطاع من تدخّلاتهم. 

على مستوى المناخ العام التخويني

يأتي نقاش قانون الإعلام الجديد في سياق حملات تخوينية طالت الإعلام المستقل والمنصّات الإلكترونية، أطلقها «إعلام المصارف» دفاعًا عن مصالح مموّليه. تتقاطع هذه الحملة مع مصالح السياسيين، حيث بات الإثنان ينظران بريبة إلى الإعلام المستقل، الخارج عن شبكات المصالح المشتركة التي تربطهما. فانطلقت حملة خوّنت هذا الإعلام وشكّكت بتمويله وانهالت الاستدعاءات الأمنية على الصحافيين/ات، حملة تخوين تحاكي دعوات الوزير إلى «حرية مسؤولة». فقبل يوم واحد من تسريب ورقة الملاحظات، كان الوزير في ضيافة تلفزيون ميشال المرّ الذي خاض المعركة الإعلامية ضدّ المؤسّسات الإعلامية المستقلّة، لتوقيع «اتّفاقية شراكة» بين وزارة الإعلام و«أكاديمية الأم. تي. في.» الإعلامية. 


حماية الإعلام المستقل من السلطة

قانون الإعلام الجديد مفصلي وسيحدّد مستقبل القطاع وطبيعة العلاقة بين المصالح السياسية والمالية من جهة والإعلام من جهة أخرى. ويأتي البحث بهذا القانون في لحظة فتح ملفات تتطلّب، كما في الماضي، إعلامًا مستقلًا قادرًا على الضغط من خلال علاقته بالرأي العام، على طبقة سياسية ومالية أظهرت منذ سنوات وعقود رغبةً بالسيطرة على هذا القطاع. فإن بقيَ إرثٌ من انتفاضة 17 تشرين، فهو هذا المناخ من المحاسبة وضغط الرأي العام، وما قام به الإعلام في غياب قضاء فعّال أو إدارة جدّية. هذا الإرث اليوم بخطر. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً