آنسة أو سيّدة؟
تحويل سؤال من صيغة المؤنّث إلى صيغة المذكّر أمر مستحيل لغويًا.
كلمة آنسة غير قابلة للتذكير. فقد ابتكر اللغوي عبدلله البستاني لفظ «آنسة» لترجمة اللقب الفرنسي «مادوموازيل»، على أساس أن كلمة «آنسة» تجمع على آنسات أو أوانس، أي الفتاة الطيبة النفس.
ورغم رفض عدد من اللغويّين هذا اللقب لعدم وجود أصول له في اللغة العربية وظنًّا منهم أنّ لقب سيّدة يمكن التخاطب عبره مع السيدة والآنسة في آن واحد، إلا أنّه أصبح أمرًا مفروغًا منه.
أمّا لقب «دوموازيل»، فيعود تكريسه إلى قانون نابوليون للأحوال الشخصية عام 1804 والذي نصّ على عدم تحرّر النساء بعد الزواج. فيبقين قاصرات مدى الحياة، محرومات من حقوقهن المدنية كما هي حالة الأطفال، وينتقلن من وصاية آبائهن– مادوموازيل– إلى وصاية أزوجهنّ –مدام.
وعن كلمة «دوموازيل» التي تستعملها بعض الممثلات الفرنسيات قبل أسمائهن، أمثال كاترين دونوف والراحلة جانّ مورو، فيأتي تيمّنًا وتكريمًا لزميلاتهنّ في القرن الثامن عشر اللواتي كنّ يُمنعن من الزواج الكنسي– ففي حينها لم يكن الزواج المدني موجودًا. ذلك أنّ المؤسّسة الكنسية حرمت الممثلات، معتبرةً أنّ مهنة التمثيل تدفع إلى السلوك السيّئ.
أمّا عن لقب «سيّدة»، حسب معجم المعاني الجامع، فيطلق على «كلّ امرأة متزوّجة أو غير متزوجة تعبيرًا عن الاحترام، لامرأة ذات مركز أو صفة رسميَّة، مثلاً السيّدة المديرة، سيّدة الدولة الأولى، وهو لقب فاطمة سيّدة أهل الجنّة وخديجة سيّدة نساء العالمين والسيّدة مريم البتول».
لكن لمَ الإصرار على سؤال مدام أو دوموازيل؟ حين حرّرت اللغة العربية المؤنّث من سطوة المجتمعات الذكورية؟
الجواب في سلسلة مشاهد من الحياة اليومية:
مدام أو دوموازيل؟ سأل طبيب نسائي مريضة، وحين قالت له دوموازيل، أجابها: «غريب هيدا المرض ما بيجي إلّا للنسوان.»
مدام أو دوموازيل؟ سأل سائق سيّارة عمومية راكبة، وحين قالت له مدام، أجابها: «وليش منّك لابسة محبسك؟»
مدام أو دوموازيل؟ سأل أستاذ جامعي طالبة، وحين قالت له مدام، أجابها: «إيه مبيّن عليكِ.»
مدام أو دوموازيل؟ سأل مصفّف شعر زبونة، وحين قالت له دوموازيل، أجابها: «عجلي تجوزي بكرا ببطّل حدا ياخدك.»
مدام أو دوموازيل؟ سأل جابي كهرباء إمرأة أمام باب بيتها، وحين قالت له مدام، أجابها: «وليش مش حاطّة إسم جوزك ع الباب؟»
وعليه فإنّ سؤال مدام أو دوموازيل؟ لا ينمّط فقط وضع المرأة الإجتماعي، متزوجة كانت أو عزباء، مطلّقة أو أرملة، فارضًا عليها التعريف عن نفسها من خلال «وليّ أمرها – الذكر الأكبر – أبًا كان أو زوجًا»، محجّمًا كلّ خياراتها وحريّتها الشخصية إلى «فتاة طيّبة النفس أو السيّدة عقيلته»، بل هو باب للتحرّش اللفظي، المكرّس في مجتمعنا الأبوي، والذي يجعل من أجسادنا أجسادًا مستباحة نساءً كنّا أو رجالًا.