تحليل دولة حزب الله
سامر فرنجية

2008 - 2025: نهاية حقبة

14 آب 2025

جلستان يفصل بينهما عالمٌ كامل

جلسة 5 أيار 2008: 

بعد اجتماع دام أكثر من ثماني ساعات، خرج ما تبقى من الحكومة اللبنانية بقرار ملاحقة المسؤولين عن شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله، والتي اعتبرتها الحكومة اعتداء على سيادة الدولة والمال العام، كما قرّرت إعادة قائد جهاز أمن المطار وفيق شقير إلى ملاك الجيش، على خلفية مسألة مراقبة المطار من قبل حزب الله. صدر القراران عن حكومة كانت المعارضة آنذاك قد انسحبت منها واعتبرتها «غير شرعية»، وبعد أشهر من التوترات الأمنية المتنقلة. بين 5 أيار و7 أيار، يومان من الترقّب، أفرغت العاصمة من حركتها المعتادة بانتظار ردّة فعل حزب الله. تصاعدت وتيرة التهديدات، وصولًا إلى اعتبار نصرالله أنّ من حق المقاومة الدفاع عن نفسها. وفي السابع من أيار، بدأ اجتياح بيروت والجبل، مع تسكير طرقات في مناطق الحلفاء المسيحيين. عادت مظاهر الحرب الأهلية إلى العاصمة، وانتشرت الميليشيات في الشوارع. تراجعت الحكومة عن القرارين، وتبعاً لتقليد مؤتمرات التسوية، اجتمع الفرقاء اللبنانيون في الدوحة. انتهت حالة التوتر الداخلي، وتكرّس حزب الله كاللاعب الأساسي في الساحة اللبنانية، وتكرّس سلاحه كضابط للايقاع الداخلي. 

جلسة 7 آب 2025: 

أعلنت الحكومة اللبنانية، بغياب الوزراء الشيعة، موافقتها على «أهداف الورقة الأميركية»، وذلك بعدما أقرّت، في جلسة 5 آب 2025، مبدأ تطبيق حصر السلاح بيد الدولة ضمن مهلة تمتدّ حتى نهاية العام الحالي. الحكومة لم تكن فاقدة للشرعية هذه المرة، والمدينة لم تفرغ من سيّاحها. بعض مواكب الدراجات النارية، واستياء عبّر عنه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، بعبارة يروحوا يبلطوا البحر. لا ترقّب ولا قلق، وإذا كان هناك من تسكير طرقات، فهو جرّاء عجقة السير الصيفية. 


قرار حكوميّ على شكل تقرير طبيبٍ شرعيّ

بين الجلستين، ثمّة عالم بأكمله ولّى، عالمٌ من الاحتمالات والوعود والمستحيلات والعنف والقتل. أبطاله لم يعودوا هنا، بين من قُتِل ومن غادر ومن اختفى من الساحة. شوارعه لم تعد ذاتها، مشاعره تعبت من تراكم الأزمات والحروب والنكسات. كلماته لم تعد تعني شيئًا، مهما حاول البعض إعادة تدويرها. بعيدًا عن سؤال مصير السلاح، هناك حقبة من تاريخ لبنان المعاصر قد طُويت، ليأتي القرار الحكومي الأخير كاعتراف «رسميّ» بنهاية هذه الحقبة. اعتراف رسميّ، لكنّه هزيلٌ أيضًا، وكأنّنا كنا ننتظر نهايةً أكثر عظمةً أو فخامةً من هذا البيان المقتضب، نهايةً بحجم الأحداث التي احتوت عليها هذه المرحلة، من حروب واغتيالات وانهيارات. ربّما كانت النهاية مخيّبة للآمال لأنّها، كتقرير طبيب شرعي، جاءت لتعلن وفاة قد حصلت، وفاة لا علاقة للحكومة بها غير تأكيدها رسميًا. في عام 2008، كان القراران أقرب لمحاولة قتل حزب الله. في 2025، كانت الجلستان مجرّد إعلان وفاة.


نهاية مشاريع سياسيّة

ليس السلاح هو ما انتهى، أو فقدَ شرعيّته الرسمية في الجلستين الأخيرتين للحكومة. بل هو المشروع السياسي الذي بُنِي حول هذا السلاح، وكذلك المشروع السياسي المقابل، الذي قام حول فكرة السلام. 

مشروع المقاومة: 

ما انتهى مع قرار الحكومة ليس السلاح وحسب، بل مشروع المقاومة، ووعده بقيام معادلة «ردع» مع إسرائيل. لكن أبعد من ذلك، هو المشروع السياسي الذي قام على مركزية حزب الله، ومن حوله حلفاؤه السياسيّون، والذي ظهر، على الأقل خلال السنوات التي تلت اتفاق الدوحة، وكأنّه مشروع هيمنة جديدة، أي مشروع سيطرة سياسية وثقافية تفوق السيطرة العسكرية، مشروع قد يؤسس لتَمَوْضُع مختلف للبلاد، يناقض روايات «الضعف» التي قامت على أساسها الأنظمة السياسية المتعاقبة في لبنان. مسار انهيار هذا المشروع، من تآكل شرعيات سلاحه إلى انهيار «الأغطية» الداخلية وصولًا إلى ضعف الراعي الإقليمي، بات معروفاً اليوم. هذا المشروع لم يعد موجودًا، وبات السلاح مجرّد دفاع طائفي عن النفْس.

مشروع السلام: 

كان هناك أيضًا مشروع بديل، قبل أن يتحوّل إلى مجرّد رفض للسلاح باسم دولة مُبهَمة، مشروع قام حول تحالف 14 آذار الذي صاغ رفضه للسلاح على ثلاثة أسس: رواية الحرب الأهلية واتفاق الطائف، ومشروع السلام العربي، ووعود الاستقرار والازدهار.
قام رفض السلاح على اعتباره أنّ المحاولة الجديدة لمكوّنٍ لبنانيّ للسيطرة، محكومة بالفشل كالمحاولات التي سبقتها، ليصبح اتفاق الطائف تلاقياً لمهزومي الحروب الأهلية. باستثناء محاولة رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميّل إعادة تقديم هذه الفكرة، عندما دعا إلى «مؤتمر المصارحة والمصالحة» في جلسات مناقشة البيان الوزاري، بات ورثة 14 آذار يتكلّمون عن فكرة «دولة» مبهمة، مُعظمهم يدري أنّها مجرّد شعار يرشق فيه الآخرين.
كما قام رفض السلاح على مشروع السلام العربي، معتبراً أنّ هناك إمكانية لحل هذه الحروب على أسس عادلة وواقعيّة وسلميّة. سقط هذا المشروع مع دخول إسرائيل (مجدّدًا) في طورها الإباديّ والتوسّعيّ، ليبدو مطلب السلام كبديل عن السلاح أقرب إلى وهم، إن لم يكن تواطؤاً. 
أما الازدهار المعروض إن سلّم لبنان سلاحه، فيبدو أنّه نتيجة وعود كانت أكثر واقعية في الماضي، عندما كان لبنان «رهينة إيران»، كما كان يقال، مما هي اليوم، مع الرفض المستمر لأي مساعدة عربية للاقتصاد اللبناني المهدّم والمدمّر. 
هذا المشروع، هو الآخر، لم يعد موجودًا، وبات مطلب نزع السلاح مجرّد دفاع طائفيّ عن النفْس في وجه دفاع طائفيّ آخر عن النفس.


الطائف والتطبيع والتقسيم

بدل هذه المشاريع السياسية، هناك اليوم فتافيت مشاريع تتنافس، تميّزها قلّة جديّتها وكثرة سماجتها.

الطائف: 

حاول أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، ربط شرعية السلاح المتهاوية باتفاق الطائف، أو بتفسيره «الميثاقي» للاتفاق، كما جاء في بيان حزب الله الذي صدر في أعقاب جلسة حصر السلاح. لكنّ حزب الله يدرك أن اتفاق الطائف واضح في هدفه حصر السلاح في يد السلطة المركزية، وهو الاتفاق الذي صدر بعد الحرب الأهلية وميليشياتها المتناثرة. فالعودة إلى الطائف اليوم شبيهة بخطاب «شكراً سوريا» الذي ألقاه الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصرالله، بعد ثلاثة أسابيع على اغتيال رئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري، أي بكونهما محاولة للعودة إلى زمن ولّى. فعندما يتحدّث حزب الله عن الطائف، لا يقصد النص، بل زمنَ هذا الاتفاق، أي مرحلة الوصاية وصعود حزب الله. وإذا لم تكن هناك عودة إلى هذا الزمن، فالميثاقية هي المطلب، أي «التقسيم» بلغة الثنائي. 

التطبيع: 

مقابل هذا الموقف، هناك موقف ضمني بات يميل نحو «التطبيع». تصريح متسرّع لنائب من هنا، تسريبة إعلامية من هناك، «متطرّفون» يتبنّون الفكرة، بعض الكتّاب «يتجرّأون» للدفاع عن السلام، أوبرا إسرائيلية مدعومة من بنكرجي لبناني… تتقدّم الفكرة، المدعومة أميركيًا وعربيًا وربّما سوريًا في المستقبل القريب، لكي تصبح نقطة نهاية مسار الحرب. التطبيع ليس وريث محاولات السلام السابقة، وآخرها مبادرة السلام العربية، بل هو نتاج التخلّي عن أي مشروع عربي جامع، واستبداله بسياسة الأمر الواقع، أي الإبادة. لكنّ من يطرح هذه الفكرة يدرك هذا، بل يريده. فالتطبيع بطرحه اللبناني غيرُ معنيّ بإسرائيل أو الفلسطينيين أو السلام، بل يُرفَع كمطلب داخلي. بكلام أوضح، التطبيع هو المطلب الذي يسبق «التقسيم»، أي أن رفضه المتوقع هدفه تبرير مطلب التقسيم الآتي. 


لا ندمَ أو زعلَ على انتهاء هذه الحقبة الدموية من تاريخ لبنان. لكنّ ما يتنافس على وراثتها هو مشاريع فئوية، تطوّرت على يد مَن لا يعرف من تاريخ لبنان إلًا هذه الحقبة وصراعها الدوراني ومنطقها المحاكي، أو بكلام أوضح، من لا يفهم السياسة إلّا كسياسة «نكايات». منطق «النكايات» نهايته الملل والانفصال، وليس فيه إمكانية للتسوية. إنّه يعني أنّ الانفصال بات يلوح بالأفق. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 5/12/2025
70,000 م2 من الأملاك العامة البحرية عادت إلى اللبنانيين بقرار قضائي
ياسر أبو شباب: نهاية عميل
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
04-12-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 4 كانون الأول 2025 
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
04-12-2025
تقرير
العراق: حزب الله (غير) إرهابي
وقائع اجتماع «الميكانيزم»: المنطقة العازلة أوّلاً