من أكثر المشاهد التي أمتعتنا و«شيَّرناها» على صفحات تواصلنا الاجتماعي منذ 17 تشرين تلك التي تُظهر أعداءنا «مزروكين» في زوايا أماكنهم الفاخرة، تلك الأماكن التي كانت أماكن آمنة قبل أن يتم «زركهم» بكاميرات الموبايلات لتوثيق عملية طردهم منها. وكلما كان الصيد أكبر كلَّما علا الأدرينالين ونحن نشاهد عملية الحصار والطرد: سياسيون، نواب، وزراء، زوجات سياسيين ونواب ووزراء، مصرفُّيون وزوجاتهم، حاكم مصرف و«مدامته».
مشاهدة انتقالهم من حالة الاسترخاء في مقاعدهم حيث يشعرون بأنهم يمتلكون المكان إلى حالة «النقزة» ثم محاولة اختيارهم لأسلوب التعاطي مع الموقف ومع الكاميرا هي مشاهد لم تكن مألوفة قبل 17 تشرين. مشاهد ممتعة تثير الضحك والفرح وتقشِّر بعض طبقات التكلُّس الذي أصاب تحركاتنا واحتجاجاتنا ونوعيَّتها. مفرح جدًّا ان نهزأ منهم وهم يدَّعون أمام الكاميرا بأنهم staying in character…their character وأحيانًا محاولتهم لعب دور المستمعون الذين يريدون أن يعرفوا عن كثب ما المشكلة، أن يصغوا إلى صوت «الشباب». يا الله شو مضحك.
خفتت وتيرة الهجمات عليهم كما خفتت هجمات المصارف بسبب الكورونا. لكن المتعة أو «فشَّة الخلق» تتجدَّد في كل مرة يتمّْ طرد أو محاولة طرد أحدهم أو إحداهن. ومع كلّْ تهييصٍ و«تلييك» لكل فيديو طرد مشيَّر، نستمع ونهزأ من الأبواق المُدينة لتلك الهجمات. أبواق إعلامية وصحفية وسياسية وفنية...أبواق «تبقبق» وبصراحة هذه «البقبقة» تزيدنا تهييصًّا... بقبقتهم بتغشِّينا ضحك.
لكنّ، وبرغم فشَّة الخلق، تبقى كل هذه المباغتات أو معظمها مغلَّفة بإتيكيت وآداب ولياقات لا تتلاءم مع أسبابها ولا مع فعل الزرك نفسه. ما زالت تربية والداتنا مؤثرة فينا برغم كلّ ما افتعلته هذه الحفنة المسؤولة عن خرابنا.
ففي أحد المشاهد الأخيرة لعمليات الطرد، عند مباغتة زوجة رياض سلامة وصديقاتها، طغى ما سمعته على ما شاهدته: «مدام سلامة» «مش جايين نزعجكن» «طلقيه» «بتعرفي شو عم يعمل زوجك فينا»…
لم يكن يشبه مشهد هجوم برغم عدد المهاجمين والمهاجمات الذين بدا من أصواتهم المنوَّعة أنهم ليسوا قلَّة. ولم تكن محاولة لزعزعة لحظات الهناء النسائية. بدت وكأنها زيارة مغلَّفة بكل تنبيهات الأمهات التي طغت قبل غيرها: «خليكن مهذبين يا ماما» «لأ قد ما كان» «ما بيسوى تحكوا هيك مع الناس».
جمل جعلت هذه المباغتة تبدو وكأنها زيارة ذات نزعة إصلاحية، مبنية على رغبة بنقاش مع العدو ووضع مرآة أمامه علَّه يستدرك ظلمه ويتوب. أرادوا أن يعرِّفوا «مدام سلامة» على ما فعله ويفعله زوجها، كأنَّها زوجة مضلَّلة، وكأنَّ رياض عدوها أيضا... أرادوا أن يخلِّصوها منه: «ليش ما بتطَّلقوا؟» ها؟ ليش؟ ليش؟
ما زلنا، كلنا وليس فقط المجموعات التي تبادر بهذه الهجمات، طيبين وسذَّجاً. لا نجرؤ على البصق في أطباقهم، ورميهم في مستوعبات الزبالة. بعضنا لا يزال يؤمن باللياقة ويخاف أن تسقط عنه صفة التحضر.
ما أفهمه من هدف لـ«عمليات الهجوم والطرد» هذه أو ما أريد أن يكون هدفهم، هو ليس فقط فعل مغادرة مكان، إنَّما هو الشعور بامتلاك قوة ما والوثوق بهذه القوة واستخدامها بما يؤذي هذا العدو. وليس ما يؤذيه أكثر من هذا الكسر لبريستيجهم ومرمغته بالأرض أمام النادل والنادلة، والأصدقاء والصديقات، أمام المارة، وصبي الأرغيلة...وأمام الكاميرا.
ما أفهمه من هدف أو ما أتمنى أن يكون الهدف هو كسرهم.