أُعلِن قبل أيّام خبر الترشيح الأوّل للانتخابات الرئاسيّة المصريّة التي ستجري العام المقبل. النائب السابق أحمد طنطاوي سيواجه الرئيس الحالي عبد الفتّاح السيسي. فهل من مواجهةٍ حقّاً؟
الوضع العامّ
يسود اعتقادٌ أنّ الشفافية والحياد هما أهمّ عناصر إدارة الانتخابات الرئاسية، لكن أعتقد، بالمقابل، أنّ هناك عنصر مهم يجب توافره لضمان تنظيم انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وهو عنصر «القوة» التي تمكّن القيّمين على الانتخابات (إن كانت لجنة مستقلة حيادية) من تنفيذ الضوابط والقوانين على جميع المرشّحين دون تحيّز أو استثناء.
في مصر، لدينا «الهيئة الوطنية للإنتخابات»، وهي الهيئة المنوط بها دون غيرها إدارة الانتخابات الرئاسية. سنفترض أنّها بالفعل هيئة مستقلّة تتّسم بالشفافية والحياد وأنّها سوف تحاول ممارسة دورها في إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابي، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين في الخارج… وصولاً إلى إعلان النتائج. سنفترض كل هذا، لكن يبقى السؤال: هل لديها القوة لفعل ذلك بحرية دون تدخّل الأجهزة الأمنية والمخابراتية التابعة للمؤسسة العسكرية التي تتحكّم بكل مؤسّسات الدولة، بما فيها الهيئة نفسها؟
أعتقد أنّ كلّ الأطراف تعلم أنّ العملية الانتخابية في مصر تُدار من داخل قصر القبّة، «مبنى المخابرات». وأنّها لم تكن نزيهة في يومٍ من الأيام، وأنّه في كلّ دورة، يقع عدد كبير من الممارسات اللاأخلاقية وغير النزيهة، من كل مؤسّسات الدولة الحكومية وغير الحكومية التي تديرها الأجهزة الأمنية من الباطن، مثل معظم الوكالات الإعلامية التي ترتكب عدداً كبيراً من «الجرائم الانتخابية»، وتقف جميعها في صفّ المؤسسة العسكرية.
طنطاوي يترشّح: التاريخ يعيد نفسه
قبل أيّام، أعلن أحمد طنطاوي، عضو مجلس النوّاب السابق ورئيس حزب «الكرامة» سابقاً، عودته من بيروت إلى مصر في 6 أيار ليخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في وجه الرئيس المصري العسكري عبد الفتاح السيسي.
وعلى الرغم من معرفتي بالنائب السابق واحترامي الكبير له ولتاريخه النضالي، استحضرتُ فور سماع قرار عودته اللحظة التي أعلن فيها حمدين صباحي ترشّحه لمنصب رئاسة الجمهورية عام 2014.
لا أساوي بين حمدين وطنطاوي، لا سيّما وأنّ للأخير مواقف أشدّ حدّةً في ما يخصّ السيسي، لكن كيف لا أقارن وكل شيءٍ مشابه: الإثنان صحافيّان، ونائبان سابقان في البرلمان، ورئيسان سابقان لحزب «الكرامة» نفسه، ويخوض طنطاوي المنافسة مع السيسي في نفس الظروف السياسية التي خاض بها الانتخابات من قبله حمدين صباحي… فكيف ننتظر نتيجة مختلفة
يعطي طنطاوي بهذه الخطوة النظامَ فرصةً لصبغ المسرحية الانتخابية بالديمقراطية. يتقبّل طنطاوي هذا الرأي، لكنّه يمضي بترشّحه حتّى الآن، تاركاً خيار الانسحاب مفتوحاً إذا ما تبيّن، بالنسبة له، أن ما يدور في مصر هذه المرّة ليس إلا مسرحية نتيجتها محسومة بالفعل.
رحلة إلى انتخابات 2014
أعلَم، يا أستاذ أحمد، أنّك تعلم ما حدث فى الانتخابات الرئاسية عام 2014. لكن من باب التذكير، سأُعيد سرد القصّة، متأمّلاً أن تسمعها منّي، فقد عشتُ في السجن سنيناً، وُضِع فيها عقلي داخل «ثلاجة الزمن»، وخرجت منذ بضعة أشهر فقط وما دار في 8 أعوام بالنسبة لك لم يمرّ عليه إلّا أشهر بالنسبة لي. أتذكّر المشهد وكأنّه بالأمس.
عبد الفتاح السيسي الذي كان وزيراً للدفاع، قتل المئات في الشوارع، أمام مرأى ومسمع العالم والشعب، بحجّة محاربة الإرهاب. لقد رأيتُ السماء تمطر رصاصاً على المدنيّين العُزّل، وكان بينهم أصدقاء لي استشهدوا فداء الحرية. وقد تجاهل الإعلام كل ذلك، لا بل صفّقوا وهلّلوا له وأذاعت كل قنوات الدولة أغنيةً خاصّة تحمل عنوان «تسلم الأيادي».
وكان واضحاً للجميع أنّ مصر لن يحكمها سوى ابن المؤسّسة العسكرية، عبد الفتّاح السيسي، فهو من كان يحمل السلاح ويملك الرصاص، ويحمي حدود إسرائيل. لذلك لم يتقدّم أحد للمنافسة في الانتخابات، إلى أن جاء حمدين صباحي وأعلن نيّته الترشّح للرئاسة، وحاول إقناع جميع القوى السياسية المعارضة أنّه إن لم ينجح، فسوف يشكّل جبهة معارضة قوية ضدّ نظام السيسي. في النهاية، فاز السيسي بالانتخابات بنسبة 96.9%، وأساء صباحي لنفسه ولشعبه حيث حصد أصواتاً أقلّ من الأصوات المُبطَلة في الانتخابات، ولم نرَ كذلك تلك الجبهة التي شكّلها للمعارضة.
وبالرغم من حقيقة أنّ الشعب المصري لم يشارك في هذه العملية الفاسدة التي كان يرأسها عسكري ببندقيته، إلا أن مشاركة حمدين أعطت فرصة للسيسي كي يدّعي أنّ الانتخابات كانت عملية ديمقراطية نزيهة، وأن شرعيته جاءت من الشارع وليس بقوة السلاح.
ما فعله حمدين صباحي في الانتخابات الماضية حوّله من معارض إلى أداة لترسيخ الحكم العسكري في البلاد. فقد ساهم في إضفاء شكل ديمقراطي للانتخابات، ما سهّل على السيسي مجابهة العالم وقضاءه على كل معارض أو منافس مُحتمل. فما إن نجح، حتّى قضى على كل القوى المؤمنة بثورة يناير وعلى رأسها «جبهة طريق الثورة» التي كانت مشكّلة من حقوقيّين ونشطاء وحركات ثورية معارضة، وتم اعتقال نشطائها كما سُحقَت كل التنظيمات الشبابية المعارضة والأحزاب القانونية وغير القانونية التي لم توالِ المؤسسة العسكرية.
الأكيد والواضح للعيان أنّ الوضع في مصر الآن أسوأ بكثير من عام 2014. فقد توحّشت الأجهزة الأمنية وسيطرت على كلّ مقاليد البلاد وأطاحت بكل المعارضين والمرشّحين المحتملين. بالمناسبة، يقبع داخل السجون المصرية اليوم، عبد المنعم أبو الفتوح، وهو مرشّح رئاسيّ سابق ورئيس حزب مصر القوية الذي حصد عام 2012 في الانتخابات الرئاسية 4 ملايين و65 ألف و239 صوتاً، ونائبه الأستاذ محمد القصاص. فكيف تكون هناك منافسة شريفة بين المرشّحين وهناك منافس محتمل ومرشّح داخل المعتقل؟ كيف ذلك، ويُزَجّ في السجن حتى الآن كلّ إنسان فكّر أو سيفكّر أو من الممكن أن يفكّر في منافسة السيسي؟ كيف ترى أن العسكر سيسمحون بغير السيسي رئيساً، حتّى لو على حساب كل القوانين والأعراف؟
أستاذ أحمد طنطاوي، لقد كان من حسن حظي أن تقابلنا في المنفى الاختياري، منفاي الاختياري «لبنان»، وأن تعرّفت عليك ووجدتك وطنيّ، دمث الخلق وطموح. لكنك أخبرتني عن محاولاتك فى الماضي، عندما كنت عضواً فى البرلمان، مثل تدخّلك للإفراج عنّي حين كنت مخفياً قسرياً، لكنّ الأمن رفض التعاون معك. ثم قلتَ لي حرفياً: «يبدو يا موكا أن فاتورتك كانت ثقيلة». وبالفعل، قضيتُ منذ ذلك الحين سبع سنين في السجن، لمجرّد تعبيري عن رأيي الذي يشكّل خطراً على نظام السيسي.
تخيّل يا أستاذ أحمد، أنّك حين كنتَ عضواً في البرلمان، لم تستطع إخراج مسجون تمّ إخفاؤه قسرياً، رغم أنّه حاصل على قرار إخلاء سبيل من المحكمة، فكيف تضمن نزاهة العملية الانتخابية وشفافية القائمين عليها وتوافر مبدأ تكافؤ الفرص وأنت مجرّد مواطن عادي؟
لا أشكّ في نزاهتك، ولكن أحدّثك كشاب مصري لا يستطيع أن يحصر عدد طلقات الخرطوش التي اخترقت جسده، حمل بين يديه جثث أصدقاء شوّهت معالمها طلقات النظام، بعد قرارات هزيلة وضعيفة من الساسة نتاج رؤية خاطئة للأمور من كلّ التيارات أفضت بنا إلى ما وصلنا اليه.