إنّه الربيع مجدّدًا
8
دقائق

سنة على مخيّمات غزّة

لم تكن هناك لحظة لالتقاط الأنفاس، ناهيك بالجلوس والتأمل وإحياء الذكرى. وإذا كان السابع عشر من نيسان قد شهد مرور عام على أكبر احتجاجات مناهضة للحرب في جيل كامل، فإن المشهد الآن يبدو قاتمًا إلى حدّ الاستحالة. وكان من الطبيعي، في بداية هذا العام، الاعتقاد بأن اتفاق وقف إطلاق النار قد يشكل خطوة صغيرة، على الأقل، نحو وضع حدّ لهذا الكابوس، بالرغم من هشاشة اعتقاد كهذا. لكن حتى هذا بات وهمًا، فالأمر برمّته لم يتخطَّ كونه مجرّد استراحةٍ في خضمّ حالة الحرب الدائمة التي تعمل المستعمرة الاستيطانية على ترسيخها منذ أن وطأت أقدامها غزة قبل عام ونصف. ليس هناك ما يضاهي فداحة التصعيد المتجدد في الإبادة الجماعية إلّا هامش المناورة الإقليمي غير المسبوق الذي باتت إسرائيل تتمتع به في الآونة الأخيرة، إذ أحرزت تقدمًا على جميع جبهات حرب إسناد فلسطين: تمّ تطويع جنوب لبنان وجرى الاستيلاء على أراض جديدة على طول الحدود السورية بالتوازي مع الغزو المتواصل لشمالي الضفة الغربية - المخيمات في جنين ونابلس وطولكرم- ويجري كل هذا بينما تتعرض صنعاء لقصف أميركي مباشر ومتواصل.

كثيرون ممّن تحلوا بالشجاعة الكافية للوقوف في وجه آلة الحرب على مدار العام والنصف الماضيين، يجدون أنفسهم اليوم معزولين وخائفين، وخوفهم أكثر من مبرّر،

كثيرون ممّن تحلوا بالشجاعة الكافية للوقوف في وجه آلة الحرب على مدار العام والنصف الماضيين، يجدون أنفسهم اليوم معزولين وخائفين، وخوفهم أكثر من مبرّر

إذ تشكل الاعتقالات خارج نطاق القانون وعمليات الاختطاف وأشكال الترهيب الأخرى التي لا حصر لها، الترسانةَ الموسّعة للقمع الذي تمارسه الدولة في فترة ولاية ترامب الثانية، والتي تُستخدم لتهشيم ما تبقى من الحراك المناهض للحرب داخل حرم الجامعات الأميركية، حيث بات يختفي طالبٌ تلو الآخر من المشهد. كيف نحمي بعضنا بعضاً؟ ومن هو الهدف التالي؟ وهل بإمكان أي شخص أن يعتبر نفسه آمنًا؟ هذه هي الأسئلة التي تدور في أذهان الجميع اليوم. 

كلما اشتدّت وطأة الحاضر وضغوطه، ازدادت صعوبة الوقوف على أطلال الماضي، حتى القريب منه كربيع العام المنصرم مثلًا. ومع ذلك، لا ينبغي للإرهاق أن يؤدي بنا إلى العدمية: فقد نميلُ إلى التقليل من أهمية التقدّم المحرز في العام الماضي واعتباره وهمًا. بيد أنّ أيّ مشروع جماعي جادّ يسعى إلى الاستجابة للأزمة الحالية- بكل تجلياتها الوحشية– لا يمكن أن يسمح لنفسه بالانجرار إلى مثل هذه الخلاصة. لكن لا ينبغي أن نغفل أيضاً عن حقيقة أن عدم تسجيل أيّ تنازلات أو مكاسب كبيرة في السنة الفائتة يجعل من العمل الذي أُنجز خلال العام الماضي ناقصًا إلى حدّ يرثى له.

عودة الأمور إلى نصابها

فلنبادر هنا إلى إنعاش ذاكرتنا. في العام الماضي، تجاوزت موجة الاعتصامات  في حرم الجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية الأهدافَ الأولية المتمثلة بسحب الاستثمارات المؤسسية من إسرائيل، وبدا- ولو لوهلة قصيرة- أنّ هذه الاعتصامات تمارس ضغطًا مباشرًا على إدارة بايدن لوقف المساعدات العسكرية وتسريع مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. ومثّلت تلك الاحتجاجات مدخلًا أساسيًّا- وإن كان غير كافٍ على نحو يثير السخط- للنضال من أجل حرية فلسطين في قلب إمبراطورية كانت لما لا يقلّ عن نصف قرن، وما زالت، الضامنَ الأساسي لإخضاعها.

غير أن حماسة الربيع، على الأقل من حيث الزخم، لم تصمد حتى بداية العام الدراسي الجديد. فقد أدّت الإجراءات القانونية والتأديبية ضد الطلاب دورًا ملموسًا في كبح هذا الزخم، كما ساهمت التدابير الجديدة التي فرضتها إدارات جامعية جديدة في «عودة الأمور إلى نصابها». وقد زادت الانتخابات الرئاسية الأميركية، إلى جانب التحوّل الإسرائيلي نحو شنّ حرب في لبنان، من تعقيد جهود إعادة التعبئة. ونتيجة لذلك، أصبحت الاحتجاجات الجامعية في هذا الخريف مشهدًا نادرًا. وبحلول الوقت الذي جرى فيه التوصل إلى وقف لإطلاق النار في كانون الثاني، لم يعد الضغط الشعبي عاملًا تحسب له الحكومة الأميركية أيّ حساب؛ إذ إن المحاولة الأخيرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، على الأرجح، كانت مدفوعة برغبة ترامب في استفزاز الإدارة المنتهية ولايتها من خلال مبادرة طرحها كبير مفاوضيه الدوليين، ستيف ويتكوف.

تتقاطع إذن حملة الاعتقالات والاحتجازات الأخيرة مع لحظة من التراجع النسبي، بدأت قبل أشهر من تنصيب ترامب. وهذه حقيقة جوهرية ينبغي أخذها في الاعتبار، لا بهدف جلد الحراك ومعاقبته (رغم أن تذكير أنفسنا بنقائصه يبقى دائمًا أمرًا نافعًا)، بل لتحديد ما المستجدّ فعلاً في سياق الأزمة الراهنة. يضاف إلى ذلك أن الاضطهاد والاحتجاز غير القانوني لرفاقنا- محمود، محسن، لقاء، رميسة، علي رضا، مومودو، رانجاني، يونسو، بدر خان وغيرهم كثيرون لم نأتِ على ذكرهم بعد- لهو أمر غير مقبول ويجب مقاومته عند كل منعطف. وفي بعض الحالات، استهدفت وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة شخصياتٍ معروفةً في حراك مخيمات الاحتجاجات الطلابية، واستهدفت في حالات أخرى، باحثين ومفكرين ملتزمين يشكّلون القاعدة الفكرية والتنظيمية لهذا الحراك. وقد كانت الشبكة التي ألقتها سلطات الهجرة واسعةً بشكل ملحوظ، حيث شملت الإلغاء التعسفي لتأشيرات طلاب لم يسبق لهم الانخراط في النشاط السياسي الجامعي. ولا يعني هذا، بطبيعة الحال، أنّ الاعتقالات لم تكن موجّهة بدقّة (فنحن نعلم، في الواقع، بوجود قوائم أُعدّت بعناية وسُلّمت إلى أجهزة إنفاذ القانون من قبل مجموعة موثوقة من المخبرين الصهاينة)، لكنّ التأكيد على هذا الطابع الانتقائي والدقيق للاعتقالات هو ما يشكّل حجر الأساس في النهج الراهن للدولة، وهو نهج يركز بوضوح على بثّ شعور عامّ بالخوف، سواء داخل الحراك أو في صفوف حلفائه المحتملين.

هي إذن حملة واسعة النطاق من القمع وتطويع المؤسسات التي تمارسها الدولة، وهي حملة لا تستهدف الطلاب وحسب. فالمشهد البشع لرحلات الترحيل الأخيرة إلى السلفادور ليس إلا المثال الأوضح لما يرتقي إلى حملة ترحيل جماعي (طُرد خلالها قرابة 40 ألف شخص في الشهر الأول من ولاية ترامب) تستهدف العمال المهاجرين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

الهجوم على الجامعات

أمّا الهجوم على التعليم العالي، فلا يُختزَل في كونه ردّ فعل مباشرًا على الحراك المناهِض للحرب، بل هو وبشكل أكثر دقة توظيفٌ للدعم الشعبي الواسع لإسرائيل كذريعة ملائمة لشنّ حملة صليبية محافِظة طال الإعداد لها. ورغم حدّة الهجوم، فإن استهدافه لمجموعات ومصالح مختلفة، بما في ذلك مؤسسات ليبرالية، يكشف عن إمكانيات واعدة للتضامن والمقاومة الشعبية في وجه هذا الهجوم. ولا توجد، في هذه اللحظة، فئة أكثر قدرة على التكامل والتوحد من فئة «العمّال غير المسجلين»، الذين لا تسعى الإدارة الحالية إلى القضاء عليهم بقدر ما تسعى إلى تعميم نموذج التعاطي معهم وإخضاعهم ضمن جميع قطاعات القوى العاملة، بما في ذلك القطاع الأكاديمي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الجامعات التي واجهت أشدّ أشكال القمع من قبل قوات الشرطة خلال العام الماضي كانت في الغالب الجامعات الأقرب إلى المدن وإلى مراكز النضال النشط خارج أسوار الحرم الجامعي، حيث أدّى رد الفعل المفرط من قبل الشرطة دورًا في الحفاظ على الظروف المحلية المؤاتية لفرض سطوة الإمبراطورية، ومنع انتشار نموذج التمرّد وتعميمه (فلنتوقّف هنا عند ما حصل في جامعة إيموري في أتلانتا وجامعة نورث إيسترن وجامعتي جنوب كاليفورنيا وكاليفورنيا لوس أنجلوس والجامعات في نيويورك).

قد يختلف القمع الراهن عمّا واجهه الحراك في عهد بايدن من حيث النطاق والحدّة.

إن خطر الذوبان في مشروع «مقاومة» ليبرالية أجوف لا يقل خطورة عن أي تهديد آخر يواجهه الحراك في الوقت الراهن. ولا يليق بأي تشكيل سياسي يرفع راية مناهضة الإمبريالية أن يحصر نفسه في مثل هذا المشروع المحدود.

إلّا أنّ موجة الاعتقالات الأخيرة لا تُعدّ خروجًا جذريًا عن السياسات التي أرستها الإدارة السابقة- أي سياسات تعليق الحريات المدنية بشكل جماعي لتوفير غطاء لمجازر إسرائيل- ولا عن النظام الوحشي من العنف الذي يمارس على طول الحدود على الجاليات المهاجرة لعقود. وبالنسبة لموضوعنا، يكمن الفارق الجوهري بين النظام القائم والفاشية الصاعدة في سعي الأول إلى إخفاء العنف البنيوي الكامن في آليات عمله والتنصّل منه.  ولهذا السبب بالتحديد، ومع تنامي الهجوم الليبرالي المضادّ في مواجهة الهجوم الترامبي، ينبغي على اليسار أن يكون قادرًا على الاستفادة من هامش المناورة الذي قد يتيحه أي صراع داخل النخبة الحاكمة، من دون السقوط في فخ الاستسلام للدفاع عن نظام ليبرالي نعلم علم اليقين أنه ضالع في الإبادة الجماعية. إن خطر الذوبان في مشروع «مقاومة» ليبرالية أجوف لا يقل خطورة عن أي تهديد آخر يواجهه الحراك في الوقت الراهن. ولا يليق بأي تشكيل سياسي يرفع راية مناهضة الإمبريالية أن يحصر نفسه في مثل هذا المشروع المحدود.

الجامعات اليوم

بالرغم من أنّ إرث مخيّمات الاحتجاج الطلابية الأخيرة ينطوي على إمكانات غير مكتشفة حتى الآن، فإنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت الحاجة تدعو إلى مراجعة شاملة للاستراتيجية المعتمدة. ولا شك أن الدعوة إلى تجاوز إطار الجامعة للبحث عن مساحات خارجه تبدو منطقيةً، وبالأخص من أجل إعادة تسليط الضوء على الإبادة الجماعية المستمرة، والسعي لاستعادة القدرة التي شعر بها القيّمون على الحراك، ولو بشكل عابر، خلال العام المنصرم، في التأثير بشكل مباشر على أدوات الدولة الإمبريالية. لكن من الضروري التذكير بأنّ مدى هذا التأثير (الذي بلغ مستوى قوةٍ وطنيةٍ) لم يكن إلا انعكاسًا للقوة الفردية للجماعات المنخرطة في الاحتجاجات الطلابية. وقد شكّل غياب التنسيق المنظّم على المستوى الوطني أحد أبرز مواطن الضعف في حراك العام الماضي، سواء من خلال عدم وجود إدارة ذاتية مباشرة للمخيمات الاحتجاجية، أو عدم توجيهها عبر نوع من هيئة تمثيلية موحّدة كان من الممكن أن تُخاطب الدولة باسم الحراك. وإذ تكثر الحملات على المستويين المحلي والوطني، لا يبدو أن هناك علاقة مماثلة في الولايات المتحدة بين حراك جماهيري واسع وطليعة من دعاة العمل المباشر، بخلاف ما هو قائم في بريطانيا على سبيل المثال، حيث تنشط هذه القوى بدرجة كبيرة خارج نطاق الجامعة.

ويدعو كل هذا إلى التساؤل عما إذا كانت هناك، في حال اندلاع تعبئة شعبية جماهيرية عارمة لوقف الإبادة الجماعية، مساحة أكثرُ ملاءمةً من الجامعة لمواصلة تنويع التكتيكات اللازمة لإرساء سياسة تضامنية فعالة مع فلسطين. لقد ترسّخت مكانة الأكاديميا داخل البنية الفكرية والمادية للمنظومة الإمبريالية، مما يجعلها بشكل دائم عرضة للاهتزاز، لا بسبب ضعفها، بل لأن استمراريتها في نظر الجمهور تمنحها موقعًا حساسًا يسهل استهدافه، لا سيما مع تكيف الطلاب مع ما ينطوي عليه هذا الاضطراب من مخاطر جديدة.

كيف يمكن الدفع بعجلة التغيير من داخل الحرم الجامعي، من دون الانخداع بالقوى التي تحشد لإنقاذها؟ وكيف يمكن صياغة تحالفات بين الجامعات وخارجها، تحالفات تُعيد للحراك موقعه، بل وربّما تدفعه إلى ما هو أبعد مما تحقق سابقًا؟ إن العودة إلى تقييم تكتيكات العام الماضي قد تفتح بابًا لفهم أولي في هذا الإطار. فقد شكّلت المعسكرات الطلابية نقطة تحول في الخطاب العام من خلال تعميم مفهوم مُحدّد للجامعة الخاصة، وتقديم صورة بديلة لها، صورة مختلفة تمامًا عن تلك التي لطالما دأب ناقدو الجامعة المحافظون ومؤيدوها الليبراليون على تسويقها باعتبارها كيانًا استثنائيًا. وما طرحه الحراك لم يكن سؤالًا عن الخطابات المعلنة للجامعة (هوس التيار اليميني والوسطي على حد سواء)، بل عمّا تفعله بالأموال التي تراكمها من المانحين المُستثمرين في وظائفها المُتعددة: كرأسمال رمزي وقناة لشبكات النفوذ والمحسوبية وكمنبر لصياغة الخطاب العام.

وإذا كان التحالف الشعبي للقوى الاجتماعية اللازمُ لمواجهة تحديات اللحظة الراهنة سيشمل الجامعة، فعليها على الأقل أن تُقدّم نفسها كحليف موثوق، كمؤسسة تستحق الإنقاذ ويمكن إعادة توجيهها بعيدًا عن شبكات رأس المال والممتلكات والحرب

لقد طرح الحراك في أبهى تجلياته مطلبًا محوريًا، ألا وهو: بما أن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن عملها، وبالتالي عن توسيع محفظتها الاستثمارية، فإنهم يستحقون أن يكون لهم رأي في كيفية إعادة توزيع القيمة- التي يساهمون في خلقها- من قِبل موظفي الجامعة ومديري الاستثمار. وبينما يتمّ حشد المانحين لمواجهة الأزمة المتجلية في سحب التمويل الفيدرالي، يجري تزويد الإداريين بحجة أخرى لتبرير إدارة هباتهم من قِبل فئة من الخبراء العاملين خارج نطاق اختصاص من ينتجون القيمة الفعلية التي تستفيد منها الجامعة. وهذا بحد ذاته هو الامتياز الذي يُؤسِّس قدرة الجامعة على تمويل إبادة جماعية من دون عقاب. ويتعيّن على الحراك أن يستعدّ لمواجهة هذه المطالبات القادمة، بينما يعمل على تعميق نطاق النزاعات الاجتماعية التي قد يتداخل معها مطلب سحب الاستثمارات، ليجري ربطه مرة أخرى بقضايا مألوفة بالفعل خلال السنوات الأخيرة، مثل النضال ضد مصنعي الأسلحة والانهيار المناخي وصناعة السجون وجشع  محصّلي الديون العامة.

وإذا كان التحالف الشعبي للقوى الاجتماعية اللازمُ لمواجهة تحديات اللحظة الراهنة سيشمل الجامعة، فعليها على الأقل أن تُقدّم نفسها كحليف موثوق، كمؤسسة تستحق الإنقاذ ويمكن إعادة توجيهها بعيدًا عن شبكات رأس المال والممتلكات والحرب التي تجسدها وتدعمها حاليًا. في هذا الصدد، كتب طلاب جامعة إيموري في ربيع العام الماضي نلاحظ أنه لا يوجد ما هو خارج الجامعة على وجه الأرض.

هل من خيار آخر؟

صحيح أن المهمة هائلة، بطيئة ومضنية، إلى درجة تكاد تكون مُهينة أمام كل ما يحصل حالياً. لكن هل من خيار آخر؟ حتى قبل عام، كان أفق سحب الاستثمارات يبدو غير كافٍ على الإطلاق عند مقارنته بحجم معاناة غزة. لكن لم يكن الهدف من هذا المطلب استنفاد إمكانات الحراك. فقد كان المطلبُ الأكثر إلحاحًا آنذاك، كما هو الحال الآن، يتمثل بوقف القتل؛ وهو مطلب لم يكن أبدًا في متناول الطلاب المحتجين، بيد أن احتمالية تحققه، ومهما كانت بعيدةً، قد لاحَت في الأفق، في نهاية المطاف، لبضعة أسابيع عصيبة. أما ما كان مقصودًا هنا، وما كان يمكن ربما بلورته على نحو أكثر وعيًا، فهو ببساطة التعبير عن المطلب عینه القاضي بإنهاء التواطؤ على المستوى الوطني، بالاستناد إلى تحديد المستويين الزمنيين اللذين يتواصل من خلالهما العنف الإمبريالي، واللذين تمكنت المخيمات الاحتجاجية من توحيدهما ضمن هدف واحد في ذروة قوتها، وهما الوتيرة الثابتة للتواطؤ المالي وسرعة الحرب المفتوحة. ربّما يمثل هذا الأمر الإرثَ الباقي من العام الماضي، إلى جانب البهجة التحويلية التي لا تُوصف، والتي تصاحب أي جهدٍ لتجسيد شروط الحرية الجماعية، مهما تكن محدودة في الزمان والمكان الحقيقيين. إن العودة إلى تلك اللحظة من الوضوح السياسي، بالنسبة لغزة، ولكن أيضا بالنسبة لنا، لا يمكن أن تحصل في وقت أقرب من ذلك.

أمّا عن الشعور بمدى تأخّرنا في هذه المهمة، فيمكن الاستشهاد بهذا المثال: في كانون الأول 1919، وصل اثنان من الفوضويّين المخضرمين إلى مركز الترحيل في جزيرة إيليس ليصعدا على متن السفينة «يو إس إس بوفورد»، برفقة نحو 250 راديكاليًا آخرين من المقرّر ترحيلهم إلى الاتحاد السوفياتي. وكان هذان قد كرّسا جزءًا كبيرًا من السنوات السابقة لمقاومة جنون الحرب الإمبريالية التي أودت مع اقتراب نهايتها بحياة عشرات الملايين من البشر. وفي تحدٍّ صريح لنفيهما، ذكرَت إيما غولدمان وألكسندر بيركمان، في آخر نقد لاذعٍ مكتوب بخط اليد وموجّه ضد الولايات المتحدة ما يلي:

إذا كنت تكره الظلم والاستبداد، وتحبّ الحرية والجمال، فثمة عمل ينتظرك. وإذا كانت مظاهر القمع تثير سخطك، ويؤلمك مشهد البؤس والقبح، فثمة عمل ينتظرك. وإذا كانت بلادك عزيزة عليك وتربطك بشعبها صلةُ الانتماءِ والمصير، فثمة عمل ينتظرك. هناك الكثير مما يجب فعله.

إنّه الربيع مجدّدًا
ملحوظـــــــــــــــــــــــــــة

ترجمة كريستين الريّس عطاالله. نُشِر هذا النص بالإنجليزية على موقع Verso تحت عنوان "Spring Again". 

اخترنا لك

150 جامعة أميركيّة تتّحد ضدّ ترامب وهارفارد تقاضي إدارته
اعتقال طالب في أميركا بعد استدعائه لمقابلة التجنيس
السلطات الأميركية تعتقل طالبة تركية لدعمها فلسطين 
جامعة كولومبيا طالبة تدّعي على إدارة ترامب في مواجهة محاولات ترحيلها
هكذا تمّ اعتقال محمود خليل أمام زوجته
طلاب أميركيّون يتحدّون قرار ترامب بمنع التظاهر
فلسطين تعود إلى الجامعات الأميركيّة
05-09-2024
تقرير
فلسطين تعود إلى الجامعات الأميركيّة
نعمت شفيق تستقيل: هكذا قمعت طلّاب كولومبيا
15-08-2024
تقرير
نعمت شفيق تستقيل: هكذا قمعت طلّاب كولومبيا
المخيّمات من أجل غزّة 
حديث

المخيّمات من أجل غزّة 

سلمى شامل، سامر فرنجية، Endnotes
أعلام فلسطين في حفلات التخرّج والمخيّمات تنتقل إلى أوروبا
08-05-2024
تقرير
أعلام فلسطين في حفلات التخرّج والمخيّمات تنتقل إلى أوروبا
الشرطة الأميركية تحتلّ الجامعات
02-05-2024
تقرير
الشرطة الأميركية تحتلّ الجامعات

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
فكشن

قهوة الريش

عمر ليزا وكارن كيروز
ملفّ الوزير السابق أمين سلام
05-06-2025
تقرير
ملفّ الوزير السابق أمين سلام
عصابة عائليّة في وزارة الاقتصاد
جبهة المقاومة الإسلامية بسوريا
ملفّ المرفأ
05-06-2025
تقرير
ملفّ المرفأ
غازي زعيتر إلى التحقيق
غاراتٌ على الضاحية 
حدث اليوم - الخميس 5 حزيران 2025
05-06-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 5 حزيران 2025