يوميات
سلسلة
ممارسات ثقافية
روي ديب

أي فنّ أريد؟

16 نيسان 2022

انتقلت في التفكير مؤخّراً من سؤال «أيّ فنّ نريد؟» إلى «أي فنّ أريد؟». 
دفعتني الفترة الأخيرة من العيش في بيروت إلى إعادة التفكير، بشكل أناني، في رغبتي في العيش هنا، في الإنتاج هنا. في 5 آب 2021، في النهار الذي تلا ذكرى السنة الأولى لتفجير بيروت، وضعت على ورقة بيضاء لائحة بإيجابيات وسلبيات العيش في بيروت والرحيل منها. لائحة براغماتية، بعيدة عن العواطف والآمال والحنين. وقرّرت البقاء. ليس حبّاً بالوطن، ولا إيماناً بالتغيير. على العكس، أيقنت يومها أنّ التغيير- وإن كان لا بد أن يأتي، وأنّ ما من طغاة استمروا إلى الأبد- فإنّه يتطلّب وقتاً طويلاً في لبنان، وأنا لا أمتلك هذا الوقت. اخترت البقاء، لأسباب شخصية، من غير المهمّ مشاركتها في العامّ. 

ترافق هذا الخيار مع قرارات أخرى، منها ما يدور في فلك المحتوى الفنّي والمخاطبة. لمَن أصنع ما أصنع؟ مَن أخاطب؟ في زمن ينتصر فيه صوت الجريمة والفساد والغباء فوق الحقّ والعدالة والمحاسبة والمنطق. 
في زمن يتلاشى فيه المعنى. 
أبسط الأشياء فقدت معناها. 
أبسط الحقوق والمبادئ فقدت معناها.


أنا خائف
أنا هشّ، ضعيف، وخائف.


في تشرين 2021، لبيّتُ دعوة فنانة تشيلية/أميركية، كونستانس هوكداي، لتسجيل خطاب صوتيّ، أخاطب فيه الأمّة، وكأنّي قائدها. ماذا لو كنت رئيساً، وكان عليّ مخاطبة الشعب، اليوم؟ ماذا أقول؟ 


لم أعد قادراً على الشعور بأي شيء، أشعر بالخدر. 
أحدّق في الفراغ، حيث أعلم أن تحت هذا الهواء الكثيف، وتحت هذه المياه، هنالك الكثير من الألم الذي لم أعد أستطيع سماعه. 
لقد فشلنا. 
لقد أصبحنا وحوشاً.  


يبدو لي أن الدور الوحيد الذي باستطاعة أي فنان القيام به اليوم هو الحرتقة. أو بالأحرى، فليفعل كلٌّ ما يريد. إنّي غير قادر اليوم على رؤية الصورة الأكبر، ولا أن أتخيّل دور الفنان ضمن الجماعة. أنا أريد الحرتقة. أريد أن أتكلم عن تفاصيلي الشخصية، عن الفرق ما بين النطرة والسهيان. أريد أن أتكلم عن تلك العلاقة الغريبة بين الشهوة الجنسية والكارثة، أريد أن أشتم كسمّن، أيري بكل شي، كس إخت الساعة، يلعن أبوكن عرص، منايك ولاد قحاب، عرص، عرص، عرص… ما أجمل الشتيمة

هل فعلاً «كل ما تبقّى لنا هو الرحيل»؟ قد أرحل يوماً ما، لكن ما دمتُ هنا، سوف أحرتق. لن أنتج فنّاً يخاطب جمهوراً عريضاً، أو جمهوراً مثقّفاً يتنقل ما بين المكعبات البيضاء. أنتج لنفسي، لكي أستمر، لكي لا أنتظر. 


قبل كنت إسهى، بس هلق بنطر 
السهيان في شي حلو
النطرة لأ
علاقة الوقت مع السهيان ولما توعى منه مختلفة
في يكون مرق كتير وقت وفي يكون لأ
مع النطرة الوقت دايماً طويل 


أريد أن أكون مزعجاً، لا إصلاحياً ولا مساهماً في بناء مجتمع أو دولة أو حتى مجموعة صغيرة.
ربما عليّ تبنّي توصيات مكتب الرقابة في الأمن العام اللبناني عند منع فيلمي الطويل «بيت البحر»، حين وصفوه بأنه يشجّع على تعاطي المخدرات وعلى المثليّة الجنسيّة وازدراء التقاليد الدينية وتهديد الذكوريّة عبر شخصيات نسائيّة في الفيلم، لم يستطيعوا أن يجدوا لها مساحة في تصوراتهم للمجتمعات الأبويّة. يا ليت بإستطاعة السينما أن تفعل كلّ ذلك! ولكن ربّما تلك يجب أن تكون أجندتي.  
هذا ما أفعله، وأريد فعله. ربّما ألتقي مع فنّانين آخرين، وربما من دون أن أدري أساهم في قلق جماعي حول حرتقة منشودة. لكنّي اليوم أخطو وحيداً وعن قصدٍ صوب البحث عن «أي فنّ أريد؟»

 

سلسلة

ممارسات ثقافية

«الفن بعد الكارثة»، «الممارسات الثقافية بعد الانهيار»، «الثقافة بعد التمويل»… طرق مختلفة لمقاربة سؤال واحد، بات أقرب إلى لعنة تلاحق ممارسات عليها أنّ تبرّر وجودها دوريًا بإسم كارثة أكبر: الحرب، الانهيار، الأزمة…
ربّما كان في تكرار هذا السؤال إشارة إلى قلق خفيّ، قلق مَن يُنتج هنا، في حقول ثقافية دائمًا قيد الإنشاء، ودائمًا قيد التدمير. لكنّ في السؤال أيضًا دعوة لمعاينة حاضر أصبحت فيه الثقافة مطالبة بأن تكون أكثر ممّا هي، أن تكون إحدى الإجابات على أسئلة هذا الحاضر.

كاميرامان المخابرات والفن | نقد
أحياناً | نقد
عن عدم ضرورة العمل المسرحي اليوم | نقد
حول غرفتي | نقد
النقد الأدبيّ في الصحافة اللبنانيّة: اجترار الخواء | نقد
سي.ڤي. الكارثة | نقد

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
إسرائيل ترتكب مجزرةً في منطقة البسطا
62 شهيداً في عدوان الخميس 21 تشرين الثاني 2024
غارة إسرائيلية تقتل علي علام، مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في دورس
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 22/11/2024
3,645 شهيداً، 15,355 جريحاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان