بحسب الأرقام الرسميّة، نجحت دول العالم العربي والمنطقة، باستثناء إيران، في احتواء مرض الكورونا بشكل لافت. وإن كُنت تشكّك في هذا النجاح، اطمئن. فهلعك في مكانه، ومنظّمة الصحة العالمية تشاركك القلق. حتّى إيران ذات الأرقام الرسمية المروّعة تخفي أرقاماً حقيقية يعتقد البعض أنّها أعلى بأضعاف.
ليس هذا متوقّعاً فحسب، بل حتميّ. فهذه الأنظمة لا تعرف طريقة للتعامل مع الصعوبات التي تواجه شعوبها إلا عبر إنكارها والتهرّب من مسؤوليتها عن تفاقمها، وليس لديها طريقة لمواجهة الأعداء، ومن ضمنهم طبعًا المواطنون المعارضون، غير التكبّر عليهم وقمعهم. لذلك، نرى تلك الدول تدمج اليوم بين مسارَيْن كارثيَّيْن، هما
- التكبُّر على الجرثومة والتعتيم على حقيقة تفشّيها
- التكبُّر على الفقراء متجاهلين النتائج الكارثية لمنعهم من العمل والامتناع عن تقديم التعويضات لهم.
لقد تجاهلتْ معظم أنظمة المنطقة خطورة الوصول الحتميّ للكورونا إلى بلادها، ولم تستعدّ له. كما امتنعت عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لحصر انتشار الوباء في بدايته، مثل تقليل عدد الآتين من بلادٍ موبوءة وفحص ومراقبة صحّة الذين وصلوا ومن احتكّ معهم بعد دخولهم وغيرها. ثمّ تأخرت في أخذ الإجراءات اللازمة للحدّ من تفشّي المرض بعدما بدأ ينتشر. ففي مصر التي كانت تدّعي كذبًا وجود أقلّ من 300 حالة حينها، لم يتمّ حينها منع التجمّعات وإقامة صلاة الجمعة في الجوامع. أمّا في العراق، فأحيا عشرات الآلاف ذكرى الإمام الكاظم بالرغم من حظر التجوّل المفروض هناك.
هذه النرجسيّة نفسها التي منعت إلغاء صلاة الجمعة في مصر وإحياء الذكرى في العراق، وصلت ذروتها في إيران. فالنظام يتصرّف هناك وكأنّ صورته عن نفسه تمنعه من تحمّل الإهانة التي نشعر بها جميعًا إزاء عجزه عن التخلّص من هذه الجرثومة ومنعها من قتلنا من دون تدمير اقتصادنا.
يرفض النظام الإيراني تقبّل واقع المرض والاعتراف بمسؤوليته في مفاقمة تفشّيه حتى بعد إصابة ما يقارب 9% من نوّاب البلاد وعدد من كبار المسؤولين، إضافةً إلى سلسلة من الفضائح والمواقف المحرجة وتسريبات لمشاهد مروّعة إبّان محاولة كتمان حقيقة تفشّي الكورونا في الأسابيع الأخيرة. فادّعى «الوليّ الفقيه» علي خامنئي، بعد إشارته إلى أنّ الأميركيّين متّهمون بإنتاج الفيروس، أنّ الوباء مصمّم خصيصاً لإيران باستخدام البيانات الجينية للإيرانيين التي حصلوا عليها من خلال وسائل مختلفة، فضلًا عن التحذير من أعداء إيران من الجنّ والأنس، ومن تعاون استخباراتي فيما بينهم.
ولكن ما قد يكون أخطر من ذلك هو تكبّر بعض الأنظمة على شعوبها وتحميل أفقرهم عبء تداعيات تفشّيه ومسؤولية الحدّ منه. فبعد تفشّي الكورونا بسبب عجز الأنظمة على حصره مبكرًا، تفرض بعض هذه الأنظمة إجراءات صارمة تصل إلى إعلان حالة طوارئ، أي تسليم الحكم للأجهزة الأمنية والجيوش ونشرها في شوارع البلاد لمواجهة المخالفين، مع ما يحمله ذلك من مخاطر واضحة على حرياتنا الشخصية. وقد سُجن 1600 شخص في الأردن منذ إعلان حظر التجوّل يوم السبت الفائت بعدما كانت قد أعلنت حالة الطوارئ في 17 آذار.
بطبيعة الحال، تمنع إجراءات كهذه الكثيرين من العمل أيضًا، خاصة الفقراء منهم. ولذلك نتائج كارثية. ففي لبنان مثلًا، تقارب نسبة الفقراء 40%، وبالتالي، وكما يؤكّد وزير الداخلية محمد فهمي، بعض الناس إذا ما اشتغلت ما بتاكل. ولكنه يكمّل ليقول لنتحمّل ونساعد بعضنا ولو أكلنا حبة زيتون. أمّا من يرفض ذلك، فسوف يُقمع. ما شاهدناه مع حرق سائق الأجرة لسيارته في المدينة الرياضية قد يكون مقدّمة لسلسلة من المشاهد المتشابهة في مئويتها.
التكبُّر ونكران الواقع كلّفا شعوب المنطقة غاليًا لعقود قبل وصول الكورونا. ساهما في اندلاع الحروب ودمّرا الاقتصاد. ولكنّنا قد نكون واقفين أمام أسوأ نتائجهما اليوم، إن بقيت هذه الأنظمة في مكانها وعلى نهجها.