تعليق هندسة الانهيار الاقتصادي
علي هاشم

الدولة حين تنكر قانون الجاذبيّة

16 آذار 2021

تتعدّد الأسباب التي باتت معروفة للتهاوي المستمر في سعر الصرف:

من انعدام التحويلات الواردة بالعملة الصعبة إلى النظام المالي المتعثّر، المليء بالخسائر غير المعالَجة حتى اللحظة، إلى انكفاء الأسواق عن بيع الدولار في ظلّ عدم الثقة بمستقبل سعر صرف الليرة.

وفي مكان آخر، لعبت إجراءات مصرف لبنان والمصارف التجاريّة لعبتها:

من امتصاص دولارات السوق السوداء لمصلحة حسابات المصارف الخارجيّة، إلى ضخ السيولة بالليرة لتمويل إنفاق الدولة وسداد مستحقاتها للمصارف، وسداد التزامات المصارف للمودعين.

في كل هذه الأحداث، كانت السلطة النقديّة– أي حاكميّة مصرف لبنان والجهات الرقابيّة في المصرف– تدرك جيّداً ما تفعله، من ناحية تحميل جميع المقيمين وطأة الإجراءات التي تتخذها في سياق التعامل مع بعض خسائر الأزمة. بمعنى آخر، جاءت جميع هذه الإجراءات متعمّدة بخلفيتها ومنطقها ونتائجها على سعر الصرف.

لكن إجراءات السلطة التنفيذيّة الأخيرة في المقلب الآخر، والتي جاءت كردة فعل على ارتفاع سعر صرف الدولار، عكست مزيجاً من التخبّط والجهل وقلّة الإلمام بالملف، إلى الحد الذي دفع كثيرين إلى تشبيه ما تقوم به السلطة بنكران قانون الجاذبيّة في الفيزياء.

فتجاهل قوانين السوق التي تحكم حركة سعر الصرف اليوم، وتجاهل الإجراءات التي تضرب جميع توازنات هذه السوق، والذهاب إلى نظريات المؤامرة وإجراءات مكافحتها، لا يعكس سوى مقاربة بدائيّة وسطحيّة لا تنسجم مع جديّة المرحلة والمخاطر المحدقة بجميع المقيمين.


لامت السلطة تطبيقات سعر الصرف على الإنترنت، وذهبت بعيداً في وضع الخطط الكفيلة بشل نشاطها أو إبعادها عن متناول المتداولين بالعملة الصعبة في السوق.

مثّلت هذه التطبيقات المصدر المرجعي الوحيد الذي يسهّل على بائعي العملة الصعبة العودة إليه لتحديد السعر المعتمد في السوق الموازية. ولن تعني مكافحة هذه التطبيقات سوى لجم عمليات التداول أو دفع المتداولين إلى إعتماد أسعار أعلى للتحوّط وتفادي تكبّد أي خسارة في عمليات التداول.

ثم وقع الخيار كالعادة على الصرّافين ليكونوا شماعة الأزمة مرة أخرى.

رغم انعدام الشفافيّة التي تحكم عمل الصرّافين، وهذه مسألة طبيعيّة في ظل تعثّر النظام المالي وعدم وجود سعر صرف عائم وواضح ضمن هذا النظام، مثّل لجم عمليات الصرّافين ودفعهم للإبتعاد عن المشهد بشكل صارم ضربةً أخرى لسعر الصرف. فبعد انسحاب غالبيّة الصرّافين من مجموعات التواصل المستخدمة لتداول العملة الصعبة، غاب عن المشهد الوسطاء الذين تولّوا تسهيل عمليات التبادل، فزادت صعوبة تأمين الدولارات بكميات وازنة من قبل المستوردين والتجار.

قد يكون ابتعاد الصرّافين عن المشهد بهذا الشكل مسألة مقصودة من قبلهم، للردّ بشكل موجع على استهدافهم، مع العلم أن بدائيّة السلطة في التعامل مع الصرّافين في السوق الموازية، لا تعفي هؤلاء من مسؤوليتهم المتعلّقة بالكثير من المخالفات السابقة، كتواطئهم مع مصرف لبنان في احتكار الدولارات المدعومة التي كانت تصل إلى أيديهم طوال الأشهر الماضية دون أن يستفيد منها أحد من المقيمين.

بالتوازي مع كل هذه التبريرات التي تحيل أزمة سعر الصرف إلى مؤامرات بعيدة عن منطق عمل السوق، جاء ما نُقل عن رئيس الجمهوريّة الذي قارن ما تتعرّض له البلاد اليوم على المستوى النقدي بهجوم المدافع الذي تعرّض له في تشرين الأول من العام 1990، مبشّراً الجميع أنّه سيصمد أمام هذه الهجمة تماماً كما رفض التنازل تحت ضغط المدافع في ذلك الوقت.

كان ذلك التصريح كافياً ليدرك الجميع أننا أمام سلطة يعيش رأسها في عالم آخر، ولا يرى في كل ما تمر به البلاد سوى لعبة تستهدفه وتستهدف ليّ ذراعه في الصراع الذي يخوضه صهره على الحصص في الحكومة المقبلة.


في كلّ الحالات، لا تتعلّق خطورة مقاربة السلطة اليوم لمسألة سعر الصرف بتداعيات قراراتها المتخبطة فحسب، كقرارات مكافحة عمل الصرّافين أو منصات سعر الصرف. فأخطر ما في الأمر هو أن هذه المقاربات تدل على أن من في الحكم لا يملك رؤية فعليّة لكيفيّة التعامل مع الموضوع، ولا يملك أدنى أدوات الحل في ظل التدهور السريع الذي تشهده غالبيّة شرائح المجتمع اليوم في مستواها المعيشي. وفي ظل هذا الضياع الذي يحكم عمل السلطة التنفيذيّة، من الطبيعي أن يبقى مصرف لبنان طليق اليدين ليعيد هندسة الكتلة النقديّة وقيمتها والنظام المالي بأسره على هواه، بعيداً عن أولويات أو هواجس تُعنى بمصالح واستقرار محدودي الدخل. وهذا بالضبط ما نرى نتائجه اليوم.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
تعليق

سوريا

زياد ماجد
ضابطا موساد يكشفان تفاصيل إضافية حول تفجيرات «البيجرز» واللاسلكي
16,200 شخص في نظام الأسد متورّط بارتكاب جرائم ضدّ الشعب السوري
السلطة الفلسطينية تحتجز 237 عنصراً رفضوا المشاركة بعمليّة جنين
القوّات الإسرائيليّة ترفع علم الاحتلال عند مدخل الناقورة
12 شاحنة مساعدات فقط دخلت شمال غزّة خلال شهرين