قضية الأسبوع مصرف لبنان
ميغافون ㅤ

تعيين الحاكم الجديد

نهاية مُبكرة لـ«العهد الإصلاحيّ»

29 آذار 2025

تعيين بطعم الإملاء الرئاسي

نجحت المصارف، بجناحها الأكثر تطرُّفاً، بفرض مرشّحها لمنصب حاكم مصرف لبنان. لم تُعقْها الأزمة المالية التي تتحمّل المصارف مسؤوليتها، ولم يقف في وجهها «العهد الجديد» الذي قدّم نفسه كعهد إصلاح محمول على خطاب قسم شدّد على حقوق المودعين. 

لكنّ الواقع الأكثر مرارةً هو أنّ المصارف ما كانت لتحقّق هذا النصر على «العهد» لولا تمسّك الوصيّ على «العهد» بمرشّح المصارف كريم سعيد. فقد استعمل رئيس الجمهورية رصيده السياسي دفاعًا عن مرشحه، رافضًا جميع التسويات التي قدّمها رئيس الحكومة أو حتى القوى السياسية المتمثلة بالحكومة، حتى رضخت معظم هذه القوى لرغبات رئيس الجمهورية، تفاديًا لانفجار حكومي أو تماشيًا مع خطة المصارف.  

لهذا التعيين بطعم الإملاء الرئاسي دلالات سياسية تفوق مستقبل مصرف لبنان والقطاع المصرفي والسياسة المالية للبلاد، وتنذر بتحوّلات تؤسّس لمرحلة سياسية مقلقة. بكلام أوضح، يشكّل هذا التعيين نقطة تحوّل بين مرحلتين سياسيّتين، من المهمّ التوقف عندها. 

لكن، فلنبدأ أوّلاً بالتداعيات الاقتصاديّة لهذا التعيين.


مصرف لبنان بقبضة المصارف  

يخطئ التقدير من يحاول التقليل من شأن وأثر تطوّرٍ بحجم تعيين شخصيّة من طراز كريم سعيد في حاكميّة مصرف لبنان، عبر القول إنّ الحاكم سيضطر في نهاية الأمر إلى تنفيذ خطّة الحكومة الماليّة. لقد كانت تجربة رياض سلامة عام 2020، في وجه خطّة حكومة حسّان دياب، بل وفي وجه الحكومة نفسها، أبلغ دلالة عن حجم الصلاحيّات التي يمكن للحاكم استخدامها، في سبيل حماية المصالح المصرفيّة.

في واقع الأمر، يُعتبر الحاكم ممثّل الحكومة والدولة أمام صندوق النقد الدولي، وهو- بهذه الصفة تحديدًا- عضوٌ حكميٌّ في لجنة التفاوض الحكوميّة مع الصندوق. وبهذه الصلاحيّة بالذات، تمكّن سلامة عام 2020 من تقديم تقديرات مخالفة لخطّة الحكومة، بخصوص حجم الخسائر. كما نفّذ- عبر تعاميمه- إجراءات مناقضة لروحيّة الحلول التي طرحتها الخطّة. وبهذا النوع من الألاعيب، أعطى سلامة الورقة التي احتاجتها لجنة المال والموازنة للتدخّل آنذاك، بذريعة وجود خلافات داخل وفد التفاوض الحكومي.

لا شيء يمنع تكرار النموذج نفسه اليوم، بوجود سعيد الذي يُفصح أمام الدبلوماسيين عن امتعاضه من شروط صندوق النقد، بل ومن فكرة إعادة هيكلة المصارف نفسها. وهو في الوقت نفسه، معارض لفكرة رفع السريّة المصرفيّة، ما يتعارض مع مبدأ فتح الدفاتر والمحاسبة، ولإجراء إعادة هيكلة على قاعدة المساءلة. ما يُضمره سعيد هنا، معاكس حتّى للمبادئ العامّة التي تحدّث عنها رئيس الحكومة نفسه، في سياق الحديث عن مقترحاته لحلّ أزمة الودائع.

لسعيد أفكاره التي لا تقلّ خطورة، كما ظهر في الدراسة التي موّلتها شركته، أو كما أجهر في لقاءاته الخاصّة. استخدام الذهب لتعويم المصارف، وتحويل الودائع إلى دين عام، وتنفيذ اقتطاعات شاملة تصل إلى حدود 80%-90% على حقوق المودعين. هو شخصيّة تجمع كل ما يمكن أن يفكّر به المرء من هواجس عند تناول توجّهات حاكميّة مصرف لبنان: شطب الودائع، وإثقال الدولة بالديون، وتحميل الشعب وأمواله العامّة كلفة الأزمة المصرفيّة. في الخلاصة، هذا أفضل ما تمنّاه اللوبي المصرفي منذ حصول الأزمة.


ليس هناك من «عهد إصلاحي»

هذا الانتصار للوبي المصارف طوى مُبكراً وهمَ وجود «عهد إصلاحيّ»، وهمٌ لم يعمّر ليبلغ الثلاثة أشهر. ففي مطلع هذا العام، بدا التزامن السريع بين انتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس للحكومة من خارج البازار السياسي المعتاد، أنّ السياسة في المرحلة القادمة ستتمحور حول الصراع بين «عهد إصلاحي» وأحزاب رافضة لإصلاح لا تسيطر عليه. وكان من المتوقّع في الأشهر التي تلت هذا «الانقلاب الإصلاحي»، أن تتمحور السياسة حول علاقة هذا القطب الإصلاحيّ مع مكامن سلطة الأحزاب. لكنّ هذا القطب تفتت عند أوّل استحقاق جدّي، ليتبيّن أنّ ما مِن «عهد إصلاحي»، بل في أحسن الأحوال مجموعة إصلاحية حول رئيس الحكومة، محاصرة من أحزاب سياسية من جهة، ومن كتلة رئاسية، من جهة أخرى. تبدّد وهم «الرئيس الإصلاحي» لنصبح أمام نموذج أشبه بـ«الرئيس القوي» الذي ما زال يسيطر على المخيال السياسي المسيحي. قد يدعم هذا «الرئيس القوي» سياسات إصلاحية تارةً، وقد يعارضها تارةً أُخرى، تبعاً لشبكة المصالح التي يعمل جيش من المستشارين على بنائها، والتي كان فرض سعيد حاكمًا لمصرف لبنان تجسيداً لها. وإذا استمر هذا النهج من «التشبيك» الرئاسي، سيتحوّل «العهد الإصلاحي» إلى جبهة مفتوحة بين الرئاستين تذكّر بمراحل سابقة من الشلل الإداري والسياسي، وسيتحوّل «الرئيس الإصلاحي» إلى «الرئيس القوي» الآتي لمنافسة الأحزاب في لحظة فقدان شرعيتها. وهذا ما يبتعد كل البعد عن الآمال الإصلاحية التي أحاطت بانتخاب الرئيس. 


صعود المصارف كاللوبي الأساسي في السياسة الداخليّة

في تعيين سعيد، ثمّة مشهد لا يمكن إغفاله. احتاج هذا التعيين لأكثريّة الثلثين في الحكومة، ما فرض أن يحظى المرشّح بكتلة أصواتٍ واحدة تجمع القوات اللبنانيّة والكتائب والاشتراكي والثنائي الشيعي ووزراء الرئيس. قبل الجلسة، كان من الواضح أن ثنائي القوّات والكتائب استشعر الحرج من فكرة التصويت لمرشّحٍ إشكاليّ، إلى جانب وزراء حزب الله، في حين أنّ حجّة انتخاب سعيد قامت أساسًا على كونه الأكثر استعدادًا لمواجهة منابع تمويل حزب الله.

حاول الرئيس أن يحفظ ماء وجه «السياديّين» داخل الحكومة، بأفكارٍ تجنّبهم التصويت والمواجهة المباشرة، لعلّه يتمكّن من تمرير التعيين من دون كشف هذه الاصطفافات. لكنّ المحاولة فشلت، ما اضطرّ الرئيس إلى الذهاب نحو التصويت، وكان ما كان.

التقاءُ الوزراء الخصوم في خندقٍ واحد، تحت راية مرشّح المصارف، يذكّر بتجربة العام 2020 حين تكتلت القوى السياسيّة ذاتها في لجنة تقصّي الحقائق داخل المجلس النيابي، للإطاحة بخطّة لازارد. ثمّة لوبي، يملك نفوذه العابر للقوى السياسيّة، قادر دائمًا على جمع تلك القوى المتناقضة عند المحطات المفصليّة. التصويت يوم أمس، كان لحظة أخرى كشفت هذه الحقيقة.


التطرُّف الفاشيّ القادم

تزامن هذا التحالف بين «الرئيس القوي» ولوبي المصارف مع بروز لاعب جديد على الساحة السياسية، لاعب هو أقرب إلى خطاب ممّا هو إلى حزب، خطاب اليمين المتطرّف الشبيه بما يحصل في سائر أنحاء العالم. لم نأخذه على محمل الجدّ بدايةً، كان أقرب إلى فتافيت خطاب يدور حول تجمّعات غريبة تتكلم عن فدرالية أو تقسيم أو تطبيع، وتأخذ أحياناً شكل تجمّعات لزعران حيّ من هنا وتشكيل حزب فخور بتسمية نفسه «المحافظون الجدد» من هناك. ولهذا الخطاب عدد من الوسائل الإعلامية، في صلبها محطة الـMTV وخطابها المتطرّف والسفيه في طائفيّته وعنصريّته. 

كان يمكن تجاهل هذا الخطاب واعتباره مجرّد تطرّف هامشيّ. لكنّ ما حدث في سائر الدول التي سقطت في قبضة اليمين المتطرّف، غالباً ما بدأ كخطاب هامشيّ تحوّل إلى سياسة مهيمنة حين وجدت الطبقات الثريّة وإعلامُها مصلحتها فيه. ويبدو أنّ الحملة التي أحاطت بتعيين الحاكم الجديد كانت «بروفا» لهذا الخطاب الذي أظهر فعاليةً بفرض نفسه كمحرّك للسياسة الداخلية، محمولًا بأوهام الانتصار الإسرائيلي على حزب الله وانتخاب ترامب في الولايات المتحدة. 


الانتخابات المقبلة

بدءاً من اليوم، يمكن استشعار طبيعة المعركة الانتخابية المقبلة وشكلها. فهناك قطب يمينيّ مستشرس، مع موارده وإعلامه وخطابه الطائفي وتوحّشه الطبقيّ، والذي يرى في هذه اللحظة فرصته التاريخية. سيقود هذا القطب الانتخابات في وجه الإصلاحيين أولًا، غالبًا من خلال الإمعان في سياسة التشهير والتخوين والترهيب. وإلى جانبه، ستحاول أحزاب تقليدية الانحناء للريح والتمسّك بقواعدها ريثما تتّضح معالم الصفقة الإقليمية في المنطقة، وضمان تطهير تلك القواعد من أيّ اختراق إصلاحي. أمّا «اللحظة الإصلاحية» نفسها، فتبدّدت آمالها، ويتطلّب إنعاشها أوّلًا إعادة تعريف الكتلة الإصلاحية سياسياً، والاستعداد لخوض معركة الرأي العام، كمدخل للانتخابات النيابية المقبلة. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
العيد يعود إلى القصير
01-04-2025
تقرير
العيد يعود إلى القصير
حدث اليوم - الثلاثاء 1 نيسان 2025
01-04-2025
أخبار
حدث اليوم - الثلاثاء 1 نيسان 2025
لوبي المصارف يستكمل حربه: 
01-04-2025
تقرير
لوبي المصارف يستكمل حربه: 
ممنوع رفع السريّة المصرفيّة
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 01/04/2025
خرّيجو كولومبيا يمزّقون شهاداتهم تضامناً مع محمود خليل
لوبان بعد إدانتها بالاختلاس: محاولة لإقصائي من السباق الرئاسي