قضية الأسبوع مصرف لبنان
ميغافون ㅤ

إعادة الهيكلة، الذهب، السياسة النقدية

هواجس مشروعة إزاء حاكم ملتبس

5 نيسان 2025

فرضت المصارف مرشحها، وبات كريم سعيد رسميًا الحاكم الجديد للمصرف المركزي بعدما أُنجزت مراسم التسلّم والتسليم وأقسم اليمين أمام رئيس الجمهوريّة. البلاد مقبلة على مجموعة واسعة من الاستحقاقات الماليّة والمصرفيّة التي سيلعب فيها مصرف لبنان، وبالذات حاكمه الجديد، دورًا حاسمًا لا يمكن تجاهله. 

إذا أخذنا تصريحات الحاكم التي سبقت تعيينه ومصالح اللوبي الذي دعمه كي يصل إلى الحاكمية، هناك أسباب وجيهة للتوجّس من المرحلة المقبلة، والتي ستشهد انقسامًا داخل الحكومة، ومحاولة للمصارف لفرض حلّ يعفيها من تحمّل مسؤولياتها حيال الأزمة. تعيين سعيد، بهذا المعنى، هو عنوان المعركة القادمة حول عدالة أيّ حلّ للأزمة الحالية.


إعادة الهيكلة وخطّة التعافي

من المفترض أن تكون الحكومة حالياً في طور إعداد خطّة التعافي الماليّة الجديدة، قبل سفر وفدها هذا الشهر إلى واشنطن لحضور اجتماعات الربيع مع صندوق النقد الدولي. والأكيد هو أنّ الحاكم الجديد لمصرف لبنان سينضمّ إلى لجنة صياغة الخطّة، التي تضمّ كذلك وزيرَي الماليّة والاقتصاد، فضلاً عن مستشاري رئيسَيّ الحكومة والجمهوريّة، للمساهمة في إعداد تقديرات الخطّة لخسائر القطاع المصرفي، ومن ثم اقتراح المقاربات الممكنة لمعالجة هذه الخسائر. 

هناك ما يدفع للخشية من تأثير سعيد في هذا المشهد، من عدّة زوايا:

  1. لقد أعلن سعيد، قبل تنصيبه، أمام من التقاه من دبلوماسيين وسياسيين، عدم حماسته للدخول في تفاهم شامل مع صندوق النقد، مفضِّلًا حصر مساهمة الصندوق بالمساعدة التقنيّة في مسائل محدّدة، مثل تطوير أدوات الجباية الضريبيّة. وهذا ما يعني أنّ سعيد لن يكون عنصرًا مسهِّلًا للمفاوضات، ولا لدخول البرنامج التمويلي مع صندوق النقد نفسه.
  2. لا تكمن مشكلة سعيد في رفضه لبرنامج الصندوق، بل في أنّ هذا الرفض ينطلق من عدم اقتناعه بضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، كما أكّدت التسريبات نفسها. وبهذا المعنى، فإنّ البديل عن برنامج الصندوق، كما يرى سعيد، ليس سوى العودة إلى خطّة الظل القائمة منذ 5 سنوات: عدم إشهار أي مقاربة شاملة لتوزيع الخسائر، ومن ثم التعامل مع الأزمة بتعاميم المصرف المركزي، التي ترمي بثقل الانهيار بالشكل الذي يخدم مصالح النخب المصرفيّة.
  3. من الواضح أن هذه الرؤية، التي يحملها سعيد، تتناقض جذريًا مع المواقف المعلنة لبعض أعضاء الحكومة، ومنهم مثلًا وزير الاقتصاد ورئيس الحكومة. إذ منذ اليوم الأوّل، حمل هؤلاء أولويّة الدخول في برنامج صندوق النقد، مع ما يستلزمه ذلك من شروط بديهيّة مثل إعادة هيكلة المصارف. وهذا ما يوحي باتّجاه الحكومة ومصرف لبنان خلال الأسابيع المقبلة إلى سيناريو شبيه بمرحلة دياب- سلامة خلال العام 2020، حين تعارضت خطّة الظل التي نفّذها مصرف لبنان مع خطّة صندوق النقد التي حاولت الحكومة فرضها.

الخوف على الذهب

كما بات معلومًا اليوم، تصاعد الحديث إعلاميًا- وعلى منصّات اللوبي المصرفي نفسه- حول اهتمام الشركات الأميركيّة باستثمار الذهب الذي يملكه مصرف لبنان، بالتوازي مع تسويق إسم سعيد نفسه، قبل تعيينه. وارتبط هذا الأمر بحرص اللوبي نفسه على إغراء الإدارة الأميركيّة بصفقات من هذا النوع، في اجتماعات واشنطن، لتسهيل وصول سعيد إلى الحاكميّة، بصفته الشخص المهتمّ باستعمال الذهب لمعالجة خسائر القطاع المصرفي. وهنا، استغلّ اللوبي نفسه تنامي جاذبيّة الذهب، بموازاة ارتفاع أسعاره مؤخرًا مقابل الدولار الأميركي، وميل الإدارة الأميركيّة للاهتمام بهذا النوع من الصفقات الانتهازيّة، على حساب أي أولويّة أخرى.

لن تكون يدا سعيد مطلقة في التصرّف باحتياطات الذهب، المحميّة بقانون خاص يمنع التصرّف بها، من دون موافقة المجلس النيابي. لكنّ الضغط المحتمل من جانب حاكم المصرف المركزي لاستخدام الذهب، من أجل التعامل مع الأزمة المصرفيّة، سيكون عنصرًا مؤثرًا عند صياغة التشريعات أو المراسيم الهادفة لمعالجة الأزمة. مع الإشارة إلى أنّ إحدى مسوّدات خطط التعافي السابقة، التي تمّ إعدادها في زمن حكومة ميقاتي، تضمّنت أفكارًا لاستخدام الذهب بهذا الشكل، قبل أن يتم سحبها لاحقًا بضغط من صندوق النقد الدولي. 

المشكلة الأساسيّة حاليًا، هي أن طرح استعمال الذهب لا يأتي من ضمن أي خطّة شاملة للتعافي المالي، وبما يعد باستخدام مُجدٍ وهادف لهذا النوع من الاحتياطات الإستراتيجيّة. بل على العكس تمامًا، تأتي هذه الطروحات كبديل عن الخطّة الشاملة، وكمنفذ لتفادي احتمالات إعادة هيكلة المصارف. وهذا ما يجعل من عمليّة استخدام هذه الاحتياطات مجرّد تبديد عبثي لآخر ما تبقى من أصول سائلة في مصرف لبنان، بما يذكّر بتجربة استنزاف احتياطات العملات الأجنبيّة في المصرف نفسه خلال حقبة رياض سلامة. 


إشكالات السياسة النقديّة

حتّى هذه اللحظة، لم يطلق مصرف لبنان المنصّة الموعودة للتداول بالعملات الأجنبيّة، والتي يفترض أن تتمّ عبرها عمليّات بيع وشراء الدولار في السوق، لتنتج سعر الصرف الحر. وما زال مصرف لبنان يعتمد في تدخلاته في سوق القطع على آليّات غير شفافة وغير معلنة، عبر التعامل مع مصارف محظيّة ووسطاء، لشراء وبيع الدولار، من دون الإفصاح عن العمولات والأرباح التي تتقاضاها هذه الجهات. ورغم أنّ قيادة المصرف المركزي الحاليّة وعدت بإطلاق هذه المنصّة منذ رحيل رياض سلامة، لم تفِ بهذه الوعود، متذرّعة بظروف الحرب القاهرة.

غنيٌ عن القول إنّ الإبقاء على هذه السياسة النقديّة الملتسبة يخدم مصالح كبيرة في سوق القطع، وبالتحديد أولئك الصيارفة والمصرفيين الذين يملكون صلات خاصّة بحاكميّة المصرف، أو بمرجعيّات سياسيّة معيّنة. والعودة إلى نهج شفاف في التعامل مع عمليّات القطع، وتدخلات مصرف لبنان في السوق، يستلزم تحديًا لهذه المصالح، بدل الاستمرار بخدمتها.

من غير الواضح مدى اتجاه الحاكم الجديد لتغيير قواعد اللعبة هنا. لكنّ علاقته باللوبي المصرفي، كما اتضح من الحملة التي سبقت تعيينه، تطرح هواجس جديّة بخصوص السياسة النقديّة التي سيعتمدها سعيد. فهل سيسعى سعيد مثلًا إلى إعطاء دور ما للمصرفيين الذين دعموا حملته، في عمليّات القطع، أو في العمل كوسطاء لحساب مصرف لبنان؟ وهل سيستعيد أنطون الصحناوي موقع مصرفه في السوق، كصاحب امتياز يشتري الدولارات لحساب المصرف المركزي، كما كان الحال أيّام رياض سلامة؟ 


لا شكّ بأن الوعود الإصلاحية التي أحاطت بانتخاب رئيس للجمهورية وتعيين رئيس للحكومة، ومن ثمّ تشكيل حكومة، قد أصيبت بنكسة مع تعيين سعيد. فبدل أن تواجه السلطة التنفيذية المصارف من أجل فرض حلّ عادل للأزمة، باتت هي مقسومة، ومنحازة لمصالح مَن عرقل حتى اليوم مسيرة النهوض الاقتصادي.

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
حدث اليوم - الخميس 10 نيسان 2025
10-04-2025
أخبار
حدث اليوم - الخميس 10 نيسان 2025
4 مسارات قضائية
10-04-2025
تقرير
4 مسارات قضائية
لمواجهة تحريض الـMTV
مرحلة جديدة من حفلة التحريض
عودة العرقلة القضائية في ملف المرفأ
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 10/4/2025
وكالة الهجرة الأميركية تحلم بترحيل الناس كالبضائع